ينبغى أن نضمن ألا ترتفع الضرائب على الأسر فى الطبقة المتوسطة، وأن يبقى اقتصادنا قويا وأن نخلق الوظائف. . تلك أولويات يتقاسمها الديمقراطيون والمستقلون والناس فى جميع أنحاء البلاد. هكذا تحدث الرئيس الأمريكى باراك أوباما لوسائل الإعلام بعد اجتماعه الأسبوع الماضى مع زعماء الكونجرس وذلك فى إطار جهود مكافحة مايعرف بالمنحدر المالى حيث أكد أوباما على موقفه بأن الأزمة التى تلوح فى الأفق يجب أن يوازن بين زيادة إيرادات الضرائب وأى خفض فى الإنفاق أو إصلاحات فى برامج شبكة الأمان الاجتماعى. فما هى قصة الأزمة الجديدة التى يحذر منها الخبراء والاقتصاديون منذرين بأنها قد تكون أكثر خطورة وضررا على الاقتصاد العالمى من الأزمة المالية العالمية الأخيرة ؟ لم يكد غبار انتخابات الرئاسة يهدأ حتى بدأت بوادر عاصفة جديدة تظهر على الساحة تستحوذ على اهتمام الجميع وهى ما يعرف بالمنحدر المالى أو fiscal ciffوتتعلق ب 600 مليار دولار من تخفيضات الإنفاق والزيادات الضريبية التى من المقرر سريانها بشكل تلقائى ابتداء من مطلع العام المقبل والتى قد تدفع الولاياتالمتحدة مرة أخرى إلى الركود ما لم يتعامل الكونجرس مع هذا التحدى. ما لم يتوصل الديمقراطيون والجمهوريون إلى اتفاق فى الكونجرس بحلول نهاية شهر ديسمبر بشأن تقليص العجز فى الميزانية، وعلى رفع سقف الدين، قد تنزلق البلاد إلى الهاوية المالية . ومن أجل تفادى المنحدر المالى، يجب اتفاق السياسيين الأمريكيين على رفع سقف الدين الذى قد يتم بلوغه بنهاية السنة لمنع تعثر الولاياتالمتحدة فى سداد خدمة ديونها وكذلك على اتفاق جديد بخصوص الميزانية. والجمهوريون رغم معارضتهم لزيادة الضرائب فإنهم يؤيدون تعديل النظام الضريبى لزيادة الحصيلة ولكن الاتفاق على الإصلاح الضريبى سيمثل نصف الصفقة، فالجمهوريون يمكنهم قبول رفع إيرادات الضرائب فقط إذا شمل الاتفاق خفض الإنفاق، وأوباما موافق على خفض الإنفاق، ولكن ليس على البنود التى يوافق عليها الجمهوريون. معركة الموازنة: ويحذر الخبراء من أن زيادة الضرائب تبطئ قدرة الاقتصاد على خلق الوظائف، وأنه لا يمكن مطالبة الطبقة الغنية بسداد فاتورة العجز، ولكن الولاياتالمتحدة قد تصل بعد أسابيع قليلة إلى حافة المنحدر المالى عندما تنتهى صلاحية التخفيضات الضريبية التى بدأ العمل بها فى عهد الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش فى 2001 و2003 وتدخل تخفيضات الإنفاق حيز التنفيذ، وقد يواجه الاقتصاد تقييدا ماليا بما تقدر نسبته 5 % من إجمالى الناتج المحلى على مدار عام كامل وهو ما يمكن أن يدفع البلاد بكل سهولة إلى الركود. ومن أجل تفادى الزيادة التلقائية فى الضرائب على جميع الأمريكيين "حتى الذين يقل دخلهم عن 250 ألف دولار شهريا" مع بداية العام المقبل، فقد اقترح أوباما حزمة من الإصلاحات المالية بهدف خفض العجز بنحو 600 مليار دولار سنويا مع التأكيد على أن 98% من الأسر الأمريكية ستظل تتمتع بتخفيضات بوش الضريبية، وتحمل شريحة الأثرياء فاتورة زيادة الضرائب. وهناك فجوة بين مقترحات أوباما لخفض العجز وما يقترحه الجمهوريون الذين يرون حتمية لخفض النفقات على برامج الاستحقاقات التى يدعمها أوباما، والتى يرون أنها من أسباب ارتفاع مستوى الدين العام. ويرى اقتصاديون أن إعادة معدلات الضريبة الهامشية إلى 36 % و39.6 % ربما لن تضعف الاقتصاد كثيرا لكنها ليست الوسيلة الفعالة لزيادة الإيرادات، فعادة ما تؤدى الزيادات الضريبية إلى انخفاض النشاط الاقتصادى والاستثمار وتشجيع التهرب الضريبى. ويقولون إنه ربما يكون من الأفضل زيادة الإيرادات عن طريق خفض الامتيازات الضريبية التى كلفت الخزانة ما يصل إلى تريليون دولار سنويا كإيرادات ضائعة وهناك عدة طرق لإصلاح تلك الإعفاءات، أكثرها فاعلية هو وضع سقف لها، ووفقا لتقديرات مركز السياسة الضريبية تحديد 50 ألف دولار لجميع التخفيضات يمكن أن يحقق 750 مليار دولار على مدار السنوات العشر القادمة، وهو ما يزيد عما قد تحققه زيادة معدلات الضريبة الهامشية إلى مستويات ما قبل 2001، كما أن هذا السقف سيحمى 60 % من دافعى الضرائب وبالكاد ستخضع الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة للزيادة. لكن معظم الحصيلة ستأتى من أغنى 1 % من دافعى الضرائب. الهدف الكبير من عقد اتفاق حول الميزانية هو توفير أربعة تريليونات دولار على مدار السنوات العشر القادمة لكن أوباما لايزال متمسكا بأن تأتى 1.6 ترليون منها من زيادة الضرائب وهو ما يثير الخلاف مع الجمهوريين . وجهة نظر الجمهوريين عبر عنها جلين هابارد، كبير مستشارى المرشح الجمهورى السابق ميت رومنى، فى مقال له فى الفاينانشال تايمز تحت عنوان كيف يمكن للولايات المتحدة تجنب الوقوع من المنحدر المالى، حيث أوضح ثلاث نقاط رئيسية. أولا: أن زيادة إيرادات الضرائب أمر ممكن عن طريق رفع متوسط معدلات الضرائب وليس عن طريق رفع معدلات الضريبة الهامشية مثلما اقترح أوباما نظرا للتأثير السلبى لرفع الضريبة الهامشية على النشاط الاقتصادى، ويمكن أيضا زيادة الحصيلة عن طريق إلغاء بعض الامتيازات الضريبية أو فرض سقف لها مثل تلك التى تتعلق بالمشاريع الخيرية، الرهن العقارى وفاتورة التأمين الصحى التى يدفعها صاحب العمل. ثانيا: يجب أن تمثل زيادة الضرائب نسبة متواضعة من جهود خفض العجز وذلك فى ضوء الحاجة الملحة إلى السيطرة على الإنفاق العام فمنذ الأزمة المالية العالمية ارتفعت حصة الإنفاق الحكومى من الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 4 % عن متوسط النمو فى الإنفاق على المدى البعيد، ومن المرجح استمرار هذا الاتجاه، حيث يتوقع مكتب الميزانية بالكونجرس ارتفاع مستوى الإنفاق الحكومى على الضمان الاجتماعى والرعاية الصحية بنسبة 10 % من الناتج المحلى الإجمالى على مدار ال 25 عاما القادمة. ثالثا: الإصلاحات المالية تكون أقل ضررا على النمو فى حالة تركيزها على الإصلاح الضريبى وخفض الإنفاق وهناك عدة مقترحات فى هذا الشأن، فقد اقترح مارتن فيلد ستاين الأستاذ بجامعة هارفارد خفض الامتيازات الضريبية للأسر ذات الدخول العالية من أجل زيادة الحصيلة دون رفع الضرائب وذلك كخطوة أولى على طريق تجنب الوقوع من المنحدر المالى. أما الخطوة الثانية فهى الاتفاق على حزمة من تخفيضات الإنفاق التى يتم تفعيلها خلال السنوات العشر القادمة وتتضمن تقليص النمو فى الإنفاق الدفاعى والإنفاق التقديرى غير الدفاعى وكذلك خفض الإنفاق على برامج الاستحقاقات ورفع سن التقاعد تدريجيا. والخطوة الثالثة: وهى الأمر الرئيسى والصعب، وهى إدراك أن سياسة زيادة الضرائب على الأغنياء لا يمكن الاعتماد عليها فى إصلاح ماليات البلاد، فإذا كانت هناك رغبة فى أن تكون حصة الحكومة من الناتج المحلى الإجمالى كبيرة فستضطر إلى رفع الضرائب على الجميع، لكن كما هو متبع فى معظم الاقتصادات الأخرى يمكن رفع ضريبة الاستهلاك. وفى النهاية كما يقول هابارد، كل هذه الأمور هى خيارات سياسة، فما يتعلق بالضرائب قرار سياسى فى المقام الأول . الإيكونومست