حزب الله لم يجرد من سلاحه وجنود الجيش الإسرائيلي المخطوفون ما زالوا في ايدي هذا التنظيم اللبناني. ولكن احدا في إسرائيل بمن فيهم اعضاء الكنيست من اليمين الصارخ لم يقترح بقاء الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان حتى اعادة المخطوفين او نزع سلاح حزب الله. اليوم أيضا لا تتردد في إسرائيل اقتراحات بمهاجمة حزب الله - أو سوريا - في محاولة لايقاف عمليات تهريب السلاح والاستقلال التي تتواصل برعاية القوات الدولية. كما أن احدا لا يطالب الجار المعادي حسن نصرالله بالتنكر لايديولوجية وقبول شروط الرباعية والاعتراف بإسرائيل. الآن تواجه إسرائيل قرارا مشابها في المجابهة مع حماس في قطاع غزة التي اطلق عليها رئيس الوزراء في هذا الاسبوع «حربا حقيقية». في الجنوب - كما في الشمال سابقا - يطال الاذى الجانبين. صرخة سكان سديروت والمحيط تثقل كاهل الحكومة والجيش اللذين لا ينجحون منذ ست سنوات بايقاف اطلاق القسام. فكرة الاجتياح البري والخسائر البشرية التي ستترتب عليه تثير حماسا قليلا لدى القيادتين العسكرية والسياسية. حماس ايضا مرهقة ومتضررة من الحصار الاقتصادي الإسرائيلي ومن عمليات الاغتيال التي ينفذها الجيش الإسرائيلي وترغب بفترة استراحة. الصفقة المتبلورة تذكر بالتفاهمات بين إسرائيل وحزب الله: غزة تتوقف عن اطلاق الصواريخ على إسرائيل بينما ترد هذه الاخيرة على «الهدوء بالهدوء». لن يتم توقيع اتفاقيات شكلية وحماس تمتنع عن قبول شروط الرباعية بينما تتواصل المقاطعة المتبادلة بين الجانبين. الى جانب ذلك سيتواصل تعاظم القوة العسكرية الفلسطينية في غزة وستثير التساؤل في إسرائيل بين الحين والاخر حول ضرورة اجتياح القطاع «حتى لا تواجه حماس اكثر قوة في الجولة التالية». ولكن إسرائيل مالت لشن عمليات وقائية فقط ضد التعاظم النووي في الدول المجاورة من اجل احباط عمليات تهريب المواد الناسفة والبنادق. من الصعب الافتراض انها ستقوم باحتلال غزة بسبب تهريبات السلاح ان توقف اطلاق الصواريخ والقصف بالراجمات على سديروت. المنطق الاستراتيجي في وقف اطلاق النار مع حماس سيفسر بالادعاء ان الهدوء سيتيح لإسرائيل ايضا ان تزيد من قوتها وتطوير منظومات دفاعية مضادة للصواريخ. تهدئة الجبهة الجنوبية ايضا ستسهل توجيه الاهتمام الامني للمجابهة المحتملة مع ايران في السنة القادمة. إن قررت إسرائيل مهاجمة المنشآت النووية الايرانية ستواجه حماس حسما صعبا - هل تستأنف اطلاق النار انتقاما لضربها لايران البعيدة ام تركز على المصلحة الفلسطينية المحلية. نصرالله الاكثر اعتمادا على ايران سيواجه معضلة مشابهة. تحقيق هذا السيناريو يعتمد على أمر واحد: قدرة حماس على فرض وقف اطلاق النار على كل التنظيمات والمجموعات والعصابات في غزة، مثلما يضمن حزب الله الهدوء في لبنان ويمنع التنظيمات الفلسطينية وغير الفلسطينية من التحرك ضد إسرائيل بصورة مستقبلية خشية المس بمصالحه. حماس لم تكبح جماح الجهاد الاسلامي والمجموعات الاخرى التي اطلقت النار من القطاع على إسرائيل بذريعة عدم صحة الوقوف في وجه «المقاومة». الان حيث اصبحت غزة خاضعة لحكمها تواجه حماس اختبارا في المسؤولية. ان نجحت في وقف اطلاق النار ستتمتع بصورة غير مباشرة من الشرعية الإسرائيلية كقوة أمنية جدية ومسؤولة مثل حزب الله. ولكن ان فشلت او تهربت كما في الماضي ستقرب إسرائيل من قرار الدخول الى القطاع مجددا.