\r\n كانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة هي المحكمة الجنائية الدولية الأولى التي تؤسس منذ محكمتي نوريمبيرج وطوكيو بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ورغم بدايتها البطيئة، إلا أنها نجحت في تقديم سجل يستحق الإعجاب، حيث جلبت إلى العدالة ثمانين متهماً وأمنت لهم محاكمات نزيهة عادلة. ولقد ضمت قائمة المتهمين جنرالات، ورؤساء دول، وقادة معسكرات أسرى. وبعد أن كانت بمثابة السفينة القائدة لما تبعها من محاكم جرائم الحرب، في رواندا وسيراليون وتيمور الشرقية وكمبوديا، ثم المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، أصبحت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة الآن تعيش مرحلتها الأخيرة بعد أن تقرر موعد إغلاق أبوابها بالعام 2010. \r\n \r\n من المنتظر أن تكون هذه السنوات الأخيرة حاسمة، ليس فقط فيما يتصل بسمعة المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة وتراثها، بل أيضاً في تحديد مصير القانون الإنساني الدولي (أو ما نطلق عليه "قوانين الحرب"). لقد أشرفت المحكمة الجنائية الدولية على تطور هذا الكيان القانوني الهائل الذي بث الحياة في مبادئ القانون الدولي المجردة. فعملت على توضيح المبادئ التي أقرتها معاهدات واتفاقيات مثل اتفاقية لاهاي واتفاقيات جنيف وتوضيح الالتزامات المترتبة عليها فيما يتصل بمعاملة أسرى الحرب والمدنيين في المناطق المحتلة. ولا ينبغي لنا أبداً أن نهدر مثل هذا السجل العظيم. \r\n \r\n هناك العديد من المحاكمات عالية المستوى التي بدأ نظرها للتو أو من المقرر أن يبدأ نظرها قريباً، هذا فضلاً عن عدد كبير من طلبات الاستئناف التي تنتظر دورها. وتطرح هذه المحاكمات قضايا ومسائل في القانون الدولي للحرب لم يتم البت فيها بعد. ورغم أن أربعة فقط من متهمي المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة ما زالوا مطلقي السراح، إلا أن اثنين من الهاربين راتكو ملاديك ورادوفان كارادزيك يعدان من بين أسوأ المشتبه بهم سمعة ولابد وأن يقدموا للعدالة قبل أن تستطيع المحكمة اعتبار عملها قد انتهى. \r\n \r\n وباعتباري قاضية سابقة لدى المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة فأستطيع أن أشهد على الأهمية المؤكدة للدور الذي يلعبه المدَّعون. فهم يضمنون طرح المسائل القانونية الواقعية الأساسية، ويحرصون على تقديم أفضل الأدلة عن طريق السبل الدبلوماسية أحياناً، وبالمخاطرة بالحياة في كثير من الأحيان حتى لا يتسبب دفع المتهمين بالذنب في تخفيف بشاعة حقيقة الجرائم التي ارتكبت، كما يلتزمون بأن تكون توصياتهم الخاصة بالأحكام متناسبة مع الأبعاد الحقيقية للجرائم المرتكبة. \r\n \r\n لقد أهدت الأممالمتحدة المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة ثلاثة مدَّعين ممتازين: ريتشارد غولدستون من المحكمة الدستورية بجنوب إفريقيا، ولويس آربور من المحكمة العليا الكندية، وديل بونتي المدَّعية المخيفة من سويسرا. ولقد حرص الثلاثة على جمع فريق ادِّعاء يتسم بالموهبة والتفاني في العمل، فكان الإعداد الدقيق والتحليل العميق الذي خرج به هذا الفريق على قدر عظيم من الأهمية بالنسبة لعمل المحكمة. ومنذ أن تركت عملي لدى المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة كنت أشارك في دورات تدريبية سنوية مشتركة لفرق الادِّعاء المشاركة في قضايا الاستئناف في كافة المحاكم الجنائية الدولية، وأعلم علم اليقين أن العمل الذي يقوم به فريق الادِّعاء لدى المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة هو عمل من العيار الثقيل، من حيث البراعة والكفاءة. \r\n \r\n رغم كل ذلك تلوح الأزمة في الأفق. كانت ديل بونتي، التي تنتهي فترة ولايتها بحلول نهاية هذا العام، قد عادت للتو من بلغراد، حيث حاولت من جديد تحريك جهود القبض على كارادزيك وملاديك. ومما لا شك فيه أن نائبها ديفيد تولبيرت، المحامي الأمريكي الذي خدم لمدة تسع سنوات في المحكمة، يمتلك من المؤهلات والكفاءات ما يسمح له بالحلول في محلها بعد رحيلها بسهولة. والحقيقة أن الدهاء القانوني الذي يتمتع به تولبيرت، وخلفيته الأكاديمية في مجال القانون الدولي، وأسلوبه الراقي في الإدارة لا يقبل الجدل. \r\n \r\n كان تولبيرت ناجحاً بصورة خاصة في قيادة عملية التقويم الذاتي التي أخذتها المحكمة على عاتقها سعياً إلى علاج العيوب والنقائص السابقة فيما يتصل بكفاءة وطول وتكلفة المحاكمات. وكان تعيين تولبيرت بتصديق من ديل بونتي، والمدَّعين السابقين، وكبار الموظفين في مكتب رئيسة الادِّعاء، التي أرسلت خطاب تأييد وشكر للأمين العام للأمم المتحدة. وحتى إذا لم يمثل كارادزيك وملاديك أمام المحكمة، فهناك العديد من كبار القادة العسكريين والمدنيين المسؤولين عن مذبحة سربرينتشا، والذين لم تنته قضاياهم بعد، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى تولبيرت. \r\n \r\n ولكن مما يدعو للأسف أن فهم أساليب عمل الأممالمتحدة ليس بالأمر السهل اليسير دائماً. فقد أكدت التقارير أن الأممالمتحدة تفكر في تعيين مدَّع من الخارج ممن لا يمتلكون أي قدر من الخبرة في عمل المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة. وإذا ما حدث ذلك، فلسوف تخسر المحكمة رئيس الادِّعاء ونائبها، وقد يتسبب هذا في انسحاب عدد كبير من العاملين لدى المحكمة أيضاً. \r\n \r\n إن كل من أسهم في ولادة ونضوج هذه التجربة العظيمة في العدالة الدولية يلح في مطالبة الأممالمتحدة بالتفكير المتروي قبل التحول عن التقليد المحترم الذي خلفه لنا رئيسا الادِّعاء البارزان في محكمة نوريمبيرج، روبرت جاكسون وتيلفورد تيلور، وأول ثلاثة رؤساء ادِّعاء لدى المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة. يتعين على الأممالمتحدة أن تكمل هذا المسار حتى النهاية بتعيين تولبيرت رئيس ادِّعاء رابعاً وأخيراً للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة. \r\n \r\n \r\n \r\n * قاضية سابقة بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، وكبيرة قضاة محكمة الاستئناف السابقة عن العاصمة واشنطن، منطقة كولومبيا بالولايات المتحدة، والمقال ينشر بترتيب مع "بروجيكت سنديكيت" \r\n