\r\n فقد كان لدى الأميركيين دوماً آراء متضاربة حول المدى الذي يجب أن يذهبوا إليه فيما يتعلق بالانخراط في شؤون الشرق الأوسط بشكل عام، وأيضاً حول المدى الذي يجب أن يذهبوا إليه في دعم إسرائيل. \r\n \r\n للتدليل على صواب وجهة نظره ذكر \"جيلب\" وجهتي النظر المختلفتين بشكل واضح اللتين تم تقديمهما إلى الرئيس الأميركي \"هاري ترومان\" خلال الفترة الحرجة 1946- 1947، عندما أعلنت بريطانيا أنها بصدد الانسحاب من فلسطين وعندما كان العرب واليهود يحشدان قواتهما من أجل خوض حرب للسيطرة على تلك المنطقة. \r\n \r\n متى يفقد التفوق العسكري فعاليته... وكيف يمكن لإسرائيل أن تتعامل مع سكان غاضبين يفوق عددهم عدة مرات عدد سكانها ويتنافسون معها على نفس الأراضي؟ \r\n \r\n ف\"كلارك كليفورد\" المستشار القانوني للرئيس \"ترومان\" في ذلك الوقت رأى أن أميركا ملتزمة بواجب أخلاقي يكمن في ضرورة المساعدة على إنشاء دولة يهودية، خصوصاً بعد أن تجاهل العالم المحرقة التي تمت على أيدي ألمانيا النازية ضد اليهود، في حين رأى وزير خارجيته المحترم \"جورج مارشال\" أن الاعتراف الأميركي بإسرائيل سيؤدي إلى إلحاق أضرار، قد لا يكون ممكناً إصلاحها بعد ذلك، وربما للأبد في علاقات أميركا مع العالم العربي. \r\n \r\n رأى مارشال أيضا كما يقول \"جيلب\" أن ذلك الاعتراف يتناقض مع الحقائق الديموغرافية بين العرب وإسرائيل، وأن\"وجود ملايين قليلة من اليهود في وسط بحر من عشرات الملايين من العرب، لن يؤدي سوى لنتيجة سوف تُحزن أميركا، وهي أن العرب سيقومون بإلقاء اليهود في البحر في نهاية المطاف\". والذي حدث في ذلك الوقت، هو أن \"ترومان\" رفض نصيحة مارشال (ربما كانت تلك هي المرة الوحيدة التي يفعل فيها ذلك)، وهو ما أدى إلى قيام دولة إسرائيل، وما حدث بعد ذلك معروف. \r\n \r\n إن الجزء الذي كتبه \"جيلب\" في عرضه للكتاب المذكور عن هواجس مارشال في ذلك الوقت، جعلتني أعود إلى مقالة كنت قد كتبتها منذ ست سنوات تقريباً، عن موضوع التوازن الديموغرافي بين اليهود والعرب في هذا الجزء المضطرب من العالم. \r\n \r\n والفجوة السكانية الوشيكة التي لا تهتم بها وسائل الإعلام الأميركية كثيراً، أو التي لا تهتم بها على الإطلاق في الوقت الراهن، بدت لافتة للنظر آنذاك... وهو ما جعلني أفكر في مراجعة الأرقام التالية، المستخرجة من سجلات مكتب الإحصاء الرسمي للولايات المتحدة، والتي تبين تعداد إسرائيل السكاني وتعداد جيرانها غداة حرب \"يوم كيبور\" وفي السنة الماضية(2006) ثم الأرقام المتوقعة للعام 2050. \r\n \r\n بالنسبة لإسرائيل، فإن عدد سكانها عام 1973 كان 3.2 مليون نسمة، ووصل في 2006 إلى 6.4 مليون نسمة، وسيصل في عام 2050 إلى 8.5 مليون نسمة. وفي الدول العربية المجاورة \r\n \r\n (مجتمعة): كان عدد سكانها عام 1973 قرابة 54.7 مليون نسمة، ثم وصل عام 2006 إلى 138.6 مليون نسمة، ومن المتوقع وصوله عام 2050 إلى 238.3 مليون نسمة. وبالنسبة لعدد السكان في المناطق والدول العربية المجاورة (كل على حدة)، نجد أن عدد السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة، قد وصل عام 1973 إلى 1.1 مليون نسمة ووصل عام 2006 إلى 3.9 مليون نسمة، وسيصل عام 2050 إلى 9.8 مليون نسمة. \r\n \r\n الأردن: كان عدد سكانها عام 1973 1.7مليون نسمة، ووصل عام 2006 إلى 5.9 مليون نسمة، وسيصل عام 2050 إلى 11.8 مليون نسمة. وفي سوريا وصل عدد السكان عام 1973 إلى 6.9 مليون نسمة، ووصل عام 2006 إلى 18.9 مليون نسمة، وسيصل عام 2050 إلى 34.4 مليون نسمة. وفي مصر كان عدد السكان عام 1973 ما يقارب 35.5 مليون نسمة، ثم وصل عام 2006 إلى 79.0 مليون نسمة، وسيصل عدد السكان عام 2050 إلى 127.6 مليون نسمة. \r\n \r\n هذه الأرقام في رأيي يجب أن تُلصق على مكتب كل واحد من صناع السياسة في الغرب، وخصوصاً في أميركا المهتمة بمناقشة اتفاقية سلام طويلة الأمد بين إسرائيل وبين جاراتها. وحتى إذا ما نما سكان الدول العربية المذكورة بمقدار ثلاثة أرباع أو ثلثي الأرقام المتوقعة المذكورة، فإن المحصلة التي يمكن استخلاصها من ذلك ستظل على الرغم من ذلك واضحة وهي: أن إسرائيل، وعلى الرغم من معدلات الخصوبة المرتفعة التي تتمتع بها، لا تمتلك سوى ثقل ديموغرافي يزداد تناقصا باستمرار، لا يؤهلها للتأثير على المشهد الجيبولتيكي في الشرق الأوسط (مع ملاحظة أن خمس العدد الحالي من الإسرائيليين ليسوا يهوداً وإنما عرب يتمتعون بمعدل خصوبة مرتفع للغاية). \r\n \r\n إذن الصورة الديموغرافية العامة بالنسبة لدولة إسرائيل قاتمة وتزداد قتامة بشكل مطرد- كما توقع مارشال تماماً. ولا يقتصر الأمر على إسرائيل وحدها في الحقيقة، لأن الصورة الجغرافية للعرب أيضاً تعد قاتمة كما سأوضح تالياً. غير أن ما أود قوله هنا ببساطة إن مثل هذا الانفجار السكاني لا يمكن أن يبشر بخير بالنسبة لأي مجتمع. \r\n \r\n وفي رأيي أن الاتجاهات الديموغرافية في الشرق الأوسط تمثل تهديدا لفرص تحقيق الاستقرار والرخاء في المنطقة يفوق في خطورته تلك التهديدات التي ما انفكت طائفة كبيرة من خبرائنا العسكريين تثرثر عنها باستمرار. \r\n \r\n لا خلاف على إن بناء منشأة نووية إيرانية بدائية (سيتم تدميرها حتماً فيما بعد بواسطة الولاياتالمتحدة وإسرائيل) وأن المحصلة النهائية للصراع مع \"حزب الله\" في لبنان و\"حماس\" في غزة، ومصير \"القاعدة\" بشكل عام، تمثل كلها أمورا تستدعي منا اهتماماً فورياً، ولكن الشيء المؤكد هو أن الفجوة الديموغرافية المتزايدة عاماً بعد عام بين إسرائيل وجيرانها العرب، تندرج ضمن طائفة أخطر من التهديدات والمشكلات، وذلك بسبب ذلك العدد الكبير من التداعيات الخطرة التي يمكن أن تنتج عنها، والتي يصعب التعامل معها. \r\n \r\n سأقوم هنا بالإشارة إلى القليل من تلك التداعيات: \r\n \r\n أولاً: إذا ما وصل العدد الإجمالي للدول العربية المبينة في الإحصائيات الديموغرافية الواردة أعلاه إلى 250 مليون نسمة بحلول العام 2050- أو قبل ذلك- فإن إمدادات المياه لن تستطيع الوفاء باحتياجات هذا العدد، وسيعود العرب إلى الصحراء مجدداً.علاوة على أن جميع الحفريات الإسرائيلية العميقة في الطبقات المائية الصخرية على امتداد حدودها أو فيما وراءها لن تكون كافية للوفاء باحتياجاتها الفردية من المياه. \r\n \r\n ثانياً: حتى إذا ما افترضنا عدم وجود مشكلة بالنسبة لإمدادات المياه، فإنه قد يصعب تصور كيف يمكن للدول العربية المذكورة أن تحافظ على سلامة نسيجها الاجتماعي إذا ما تضاعف عدد سكانها أو تزايد ثلاث مرات. \r\n \r\n ثالثاً: وهي نقطة تتعلق بشكل أكثر مباشرة بإسرائيل، كيف يمكن تفادي الانفجار الاجتماعي والفيزيقي في الضفة الغربيةوغزة عندما يصل عدد الفلسطينيين إلى 9.8 مليون نسمة يتعرضون للاحتواء بواسطة دولة لا يزيد عدد سكانها عن 6.5 مليون يهودي زائد 2 مليون عربي متذمر يحملون الجنسية الإسرائيلية. أخيراً، مهما كانت عبقرية التعديلات التي يمكن إجراؤها على الحدود بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإن الشيء المتوقع هو أن أراضي الفلسطينيين سيأتي عليها يوم لن تكون فيه كافية لاستيعاب النمو السكاني الذي يتم داخلها. \r\n \r\n ليس هناك شك في أن التفوق العسكري سيظل في صالح إسرائيل حتى إذا ما ازداد عدد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية وفاق عدد الإسرائيليين الذين يعيشون داخل إسرائيل. يقودنا هذا إلى سؤال هو: متى يفقد التفوق العسكري فعاليته... وكيف يمكن لإسرائيل أن تتعامل مع سكان غاضبين يفوق عددهم عدة مرات عدد سكانها ويتنافسون معها على نفس الأراضي؟ \r\n \r\n يقودنا هذا السؤال بدوره إلى سؤال آخر مخيف في الحقيقة هو: متى يصل عدد العرب- أو الإيرانيين إذا ما أخذنا الأوضاع السياسية الحالية في الاعتبار- إلى عدد كبير لدرجة لا تصبح معه تهديدات إسرائيل بالانتقام النووي ضد أي سلاح من أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها أي طرف من ذينك الطرفين مثيرة للخوف أو أقل إثارة للخوف؟ \r\n \r\n كل تلك أسئلة ومخاوف تتعلق بتهديد، أو بقنبلة الانفجار السكاني الزمنية التي تدق حول حدود إسرائيل. \r\n \r\n وهذه القنبلة الديموغرافية الزمنية في رأيي هي مشكلة إسرائيل الطويلة الأمد، ولكن وكما حذر جورج مارشال فإنها قد تتحول لتصبح مشكلة أميركا الطويلة الأمد أيضاً. والسؤال هنا هو: هل هناك أحد سواء في البيت الأبيض أو الكونجرس يبدي اهتماما بهذا الأمر كما فعل \"جورج مارشال\" ذات يوم من أربعينيات القرن الماضي؟ \r\n \r\n \r\n \r\n