\r\n \r\n \r\n وها هما الآن يواجهان في فترة الولاية الثانية هذه، سخرية انهيار التجربة الديمقراطية العراقية، مصحوبة بتوطيد أركان الأنظمة الأتوقراطية في كل من روسيا وفنزويلا، بل وانقراض حركات الإصلاح الليبرالية التي كان بوش وإدارته قد أشعلا فتيلها في عدد من الدول العربية الشرق أوسطية، إلى جانب انحسار \"أجندة الحرية\" التي كان بوش قد تبناها داخل أروقة وزارة خارجية بلاده. فمَن هناك في واشنطن من هو قادر على فهم هذه الكارثة وتقديم تفسير ما لها؟ ربما كان \"ناتان شارانسكي\"، ذلك السياسي الإسرائيلي الروسي المنشأ، المنشق على الدوام، الذي ألهم بوش مضمون الخطاب الافتتاحي لولايته الثانية، هو الأقدر على حل هذا اللغز. وقبل عامين ماضيين، كان \"شارانسكي\" هو فتى البيت الأبيض المدلَّل، الذي لا سبيل للغنى عنه مطلقاً. بل إن بوش شخصياً، كان يقود حملة بنفسه للترويج لكتابه الشهير \"حجج الديمقراطية\"، إلى درجة أنه أوصى به كل من يعرفه. وفي تصريح عن ذلك الكتاب لصحيفة \"نيويورك تايمز\" قال بوش: \"لقد أصبح جزءاً من الحمض النووي لرئاستي\". أما وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس، فقد أوصت في جلسة الاستماع التي عقدت لها لدى توليها مهام منصبها الجديد، باعتماد اختبار \"ساحة المدينة\" المنسوب إلى \"شارانسكي\"، كوسيلة للحكم على مدى شعور مواطني بلد ما بالحرية، إلى حد لا يخشون فيه الجهر بانتقاداتهم وسخطهم على ما لا يروقهم من الأداء الحكومي، علناً في الساحات والميادين العامة المفتوحة. \r\n \r\n ولا يزال بوش حتى الآن على إعجابه وتعلقه بأفكار \"شارانسكي\". فقد منحه ميدالية الحرية الرئاسية في شهر ديسمبر الماضي. إلا أن شارانسكي -وهو من اليهود الروس، وأمضى تسعة أعوام من الحبس والعمل الشاق في الجولاج أيام العهد السوفييتي- عاد مجدداً إلى البيت الأبيض قبل ثلاثة أشهر فحسب، ليقول لبوش إنه لا دبلوماسيو خارجية \"كوندي\" ولا الإدارة كلها، قد أبدوا من الصدق والاستقامة ما يكفي لخدمة قضية الحرية والديمقراطية. وضرب مثالاً على ذلك ببعض جولات رايس المكوكية الأخيرة. بل لقد طالت انتقادات \"شارانسكي\"، الرئيس بوش نفسه، خاصة ما يتعلق بصمته على انزلاق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدريجي نحو الشمولية، إلى جانب استقبال البيت الأبيض لعدد من زعماء منطقة آسيا الوسطى غير الديمقراطيين. وفي لقاء شهر فبراير المشار إليه بين بوش و\"شارانسكي\"، بدا الأول وقد أذعن لآراء وانتقادات ضيفه. بل أكد بوش تمسكه بكامل أجندة الحرية التي دعا إليها \"شارانسكي\"، غير أن المشكلة أن هذا الأخير بدا وحيداً ومعزولاً إلى حد بعيد. وذلك هو ما قاله لي، خلال لقائي معه الأسبوع الماضي. على أن \"شارانسكي\" مع ذلك يبدي ارتياحاً لهذه الوحدة والعزلة. ففي إسرائيل، توجه إليه الانتقادات بسبب مساندته لقضية التحول الديمقراطي، وكذلك بسبب دعوته إلى ضرورة تقديم التنازلات من جانب تل أبيب، بغية التوصل إلى تسوية للنزاع بينها وبين الفلسطينيين. وفي اللقاء نفسه حدثني \"شارانسكي\" عن أن الفشل الذي نراه الآن في تطبيق أجندة نشر الديمقراطية والتحول السياسي في منطقة الشرق الأوسط مثلاً ليست له علاقة بتبني الديمقراطية وتجريب تطبيقها فعلياً على أرض الواقع، ولا بتكشف عدم ملاءمتها لطبيعة المنطقة. بل إن مرد ذلك الفشل، هو عدم توفر أي استراتيجية لتطبيق الأجندة هذه يوماً. كما يعود الفشل أيضاً إلى عدم توفر وحدة الإرادة والهدف. ولذلك فإنك تكاد لا ترى أياً من السياسيين المحيطين بالرئيس بوش، ممن يؤمن إيماناً خالصاً وصادقاً بهذه الأجندة. بل الصحيح أن الأجندة ذاتها، قد ووجهت بحملة مقاومة قوية وعنيفة داخل أميركا نفسها. ومع أن بوش يؤمن بهذه المبادئ والأجندة، ويبدي حماساً لتطبيقها، إلا أن مشكلته هي إن عليه أن يستصحب معه جهازه الإداري البيروقراطي، المعرقل لتطبيق الأجندة هذه، والمعارض لها. ومثلما حدث من قبل في تاريخ السياسة الأميركية، فقد أعلن الرئيس الأسبق جيمي كارتر، مساندته لقضية حقوق الإنسان في الاتحاد السوفييتي السابق -وهي القضية التي كان يقف وراءها كثيرون، على رأسهم سخاروف و\"شارانسكي\"- وجعل منها أولوية قصوى من أولويات إدارته. ولكن الذي حدث كما قال لي \"شارانسكي\"، أن القهر الممارس على دعاة حقوق الإنسان قد تواصل، بينما تكرر اعتقال قادتها من حين لآخر، دون أن تفعل إدارة كارتر شيئاً يذكر حيالهم. ولذلك فقد كان الشعور بالإحباط وخيبة الأمل طاغياً بين أنصار ودعاة حقوق الإنسان هناك. وهو الشعور نفسه الذي يسود اليوم في أوساط المعتدلين والليبراليين والإصلاحيين العرب إزاء إدارة بوش. \r\n \r\n \r\n جاكسون ديل \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n