\r\n وهكذا، تم اعتبار اليابانيين بداية من \"العرق الأبيض\" بموجب قوانين الهجرة. غير أن الوضع لم يدم طويلاً، حيث سرعان ما تمت مراجعة هذه السياسة تدريجياً للتعامل مع الآسيويين بمساواة مع الأوروبيين. والحال أن تحرير سياسة الهجرة لم يعالج الظروف الداخلية للمهاجرين. فهل كان من الأفضل إدماجهم في الحياة الأسترالية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هو السبيل إلى ذلك؟ أم تُرى من الأفضل جعل المهاجرين يرتبطون بالثقافة الأكبر عبر نوع من أنواع العزلة الطفيفة أو ما يمكن أن نطلق عليه اسم التعددية الثقافية؟ \r\n \r\n الواقع أن أستراليا تبنت على مدى عدة عقود الموقف الأخير، حيث احتفت بالتنوع الثقافي لسكانها المهاجرين. غير أنه من الواضح اليوم أن هذه السياسة باتت مثار تساؤلات وانتقادات على اعتبار أن عيش المهاجرين ضمن مجموعات منعزلة أدى في بعض الحالات إلى انقسامات من حيث الولاء الوطني والالتزام بالقوانين الوطنية. ونتيجة لذلك، تعمل الحكومة الأسترالية اليوم على الانتقال من التعددية الثقافية على النمط البريطاني إلى سياسة الإدماج. \r\n \r\n وفي هذا الإطار، قامت أستراليا، بالرغم مما قد يبدو أمراً تافهاً، بتغيير اسم وزارة الهجرة وتعدد الثقافات إلى وزارة الهجرة والجنسية. وتعد هذه الخطوة مظهراً من مظاهر النقاش الداخلي الحاد الدائر حالياً في البلاد حول ما معنى أن يكون المرء أسترالياً، وذلك في وقت يسود فيه القلق من أن يؤدي تمزق البلاد بين منظومات قيم المهاجرين المختلفة والمتنافسة إلى ايقاد وارتفاع الأحاسيس القومية. \r\n \r\n ولعل من الأسباب التي تقف وراء فتح هذا النقاش الداخلي حوادث مختلفة دانت فيها مجموعات إسلامية محلية بالولاء للشريعة بدلاً من الدستور الأسترالي. والواقع أن رئيس الوزراء \"جون هاورد\" كثيراً ما جهر باستيائه من التعددية الثقافية، ولكنه انتقل اليوم إلى التحرك في اتجاه تشديد شروط الحصول على الجنسية، ومن ذلك تمديد فترة الانتظار واعتماد اختبار كتابي للمواطنين الجدد. \r\n \r\n وقد عبر \"مالكولم تورنبول\"، الوزير السابق المكلف بالعلاقات مع البرلمان من حزب \"هاورد\"، عن هذه السياسة بالقول \"لقد كانت ثمة فترة في التسعينيات كنت أخشى فيها أن تكون التعددية الثقافية في طريقها إلى مرحلة حيث سينتفي مفهوم أستراليا. لقد كنا جد قلقين من اندثار خلفياتنا الإثنية والثقافية، وكنا نخشى أن يُنظر إلى أستراليا على أنها دون الأمة، على أنها مكان يعيش فيه الناس ولكنهم لا يسمونه وطناً\". \r\n \r\n وتؤكد الأصوات التي بدأت تتعالى في الآونة الأخيرة على أن أستراليا مجتمع ليبرالي ديمقراطي ناطق بالإنجليزية، وعلى أنه يتعين على القادمين الجدد أن يتكيفوا مع هذا الواقع. وهنا تجدر الإشارة إلى أن 25 في المئة من الأستراليين ولدوا خارج البلاد، أي أكثر من أي بلد آخر في العالم باستثناء إسرائيل. أما النقاش، فيدور حول مسألة إلى أي مدى على أستراليا أن تعدل هويتها من أجل استيعاب قادمين جدد. \r\n \r\n في ديسمبر 2005، لجأت مجموعة من الأستراليين البيض الغاضبين على خلفية ما اعتبروه تحرشاً بالنساء من قبل شبان لبنانيين في أحد شواطئ سيدني، إلى العنف والتخريب، فانهالوا في طريقهم بالضرب على كل شخص يحمل ملامح شرق أوسطية. والواقع أن أعمال الشغب تلك تركت آثاراً على البلاد مازالت واضحة حتى اليوم. \r\n \r\n بالمقابل، يعتبر السكان المسلمون هذا التغير السياسي نوعاً من أنواع التمييز الذي يشير إلى أن المرء إذا لم يكن أبيض، فهو \"أقل مساواة\". غير أن رئيس الوزراء \"هاورد\" عمل على معالجة هذه المسألة حين قال \"لا يمكن أن تكون بلادنا فيدرالية للثقافات، ولكن يمكن أن تكون لنا بلاد حيث تتأثر وتتغير وتمتزج مجموعة من الثقافات مع التيار الغالب. إن الثقافة الأساسية لهذه الأمة واضحة ومعروفة: إننا فرع من فروع الحضارة الغربية\". \r\n \r\n والحق أن \"هاورد\" يعرف ما الذي يؤمن به، ويؤمن بالذي يعرفه. وعلاوة على ذلك، فهو لا يخشى في التعبير عن رأيه لومة لائم، مثلما فعل مؤخراً حينما ندد بدعوة السيناتور الأميركي \"باراك أوباما\" غير الحكيمة إلى وضع إطار زمني لسحب القوات من العراق. \r\n \r\n من الصعب التأكيد في بيئة غربية، حيث تسود قوة \"الصحيح سياسياً\"، على تفوق الثقافة الأسترالية. ذلك أن من شأن القيام بذلك إثارة سخط وغضب دعاة التعددية الثقافية؛ إلا أنه لا يمكن للانتقادات، مهما كان حجمها، أن تغير الواقع. إن \"هاورد\" وأستراليا جديران بالإشادة لأنهما قاما بما هو مناسب وصحيح. وهنا لا يسعني سوى القول: لو فقط كان لدينا نظير ل\"جون هاورد\" في الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n \r\n \r\n هوربرت لندون \r\n \r\n رئيس معهد \"هادسن\" وأستاذ فخري بجامعة نيويورك \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n