فعلى رغم مهاجمة منظمة «إيرا» مقر مجلس العموم البريطاني، وتدميرها إياه، في 1991، فتحت الحكومة البريطانية قنوات مفاوضات سرية مع الجيش الايرلندي الجمهوري». ولم يثن تفجير منظمة «إيتا» الباسكية الانفصالية متجراً كبيرا،ً ووقوع 21 ضحية، الحكومة الإسبانية عن مفاوضة هذه المنظمة في 1988، بعد مضي اشهر قليلة على الحادثة. \r\n \r\n فالمفاوضات مع الإرهابيين هي السبيل الى وقف الاعمال الإرهابية. وتسعى الحكومات الديموقراطية الى تجنب زعزعة هذا النوع من المفاوضات النظام السياسي. ويرتب هذا على الحكومات تقويم ظروف التفاوض، وشروطه. فافتراض المفاوضات مع الإرهابيين، على الدوام، حلاً ناجعاً، خاطئ. \r\n \r\n وقبل المبادرة الى مفاوضة الإرهابيين، على الحكومات تقويم ما إذا كان المحاور الآخر شريكاً مناسباً أم لا. ويرى بعض الخبراء أن الإرهابيين على أنواع. فبعض هؤلاء «منطقي»، ويسعى الى تحقيق غاية سياسية، في حين يسعى بعض آخر، وهو «مفتقر الى المنطق»، الى بلوغ مآرب شمولية، أو الى استعجال قدوم يوم الدينونة. \r\n \r\n والتمييز بين الإرهابيين رهن بأصحابه ومفترضيه. وعليه، تبدو منظمتا «إيتا» و «إيرا» «عقلانيتين» اكثر من منظمة «القاعدة». فالفكر السياسي الغربي أَلِفَ مطالب المنظمتين، سواء بالانفصال أو بالوحدة. وفي السبعينات والثمانينات، زعم هؤلاء الخبراء أن مطالب اليسار الإرهابي سياسية، وذلك جراء ألفتهم بالتفكير الماركسي. ولكن هذه المطالب، شأن مطالب «القاعدة»، لا تمت الى السياسة بصلة. وعوض تقويم إيديولوجية الإرهابيين، على الحكومات درس الغايات المرجوة من عنفهم، و «ثمراته». \r\n \r\n وقد يعزف الإرهابيون عن انتهاج العنف إذا رأوا أن اللجوء الى مساومات سياسية أنجع من الوسائل الإرهابية، ويقرّبهم من نيل مطالبهم. فعلى سبيل المثال، يلتزم كلا «حزب الله» و «حماس» ايديولوجيا متطرّفة سياسياً، ويسبغان عليها طابعاً دينياً. ولكن الواقع يظهر خلاف مزاعم المنظمتين أو الحركتين. فوتيرة هجماتهما على إسرائيل ترتبط بالحسابات السياسية وليس بالايديولوجيا. \r\n \r\n ولا يكفي توافر شريك مناسب لمفاوضة الإرهابيين. وعلى الحكومات تقويم مدى تماسك المنظمة الإرهابية الداخلي. فغالباً ما تكون التراتبية في هذه المنظمات ضعيفة جراء محافظة المنظمة على سرية عملها. فالسلطة في منظمة «ايتا»، وهي منظمة تلتزم التراتبية الى حد كبير، لا مركزية، والقيادة تنسق عمل الاعضاء فقط. وعلى سبيل المثال، لا تلعب قيادة «القاعدة» دوراً راجحاً في تخطيط الهجمات وإعدادها، بل تكتفي بحضّ أنصارها، بإلباس أعمالهم عباءة ايديولوجية مناسبة. وفي حال عجزت منظمة عن ضبط أعضائها، وعن حملهم على الامتثال لأوامرها واحترام قراراتها، يتوقع أن تمنى المفاوضات بالفشل. \r\n \r\n ولا شك في أن رعاية دولة ما نشاط شلة من الإرهابيين يُعقد التفاوض معهم. فالكلام مع الإرهابيين غير مجد، وتفضل، تالياً، محاورة رعاتهم. فعلى سبيل المثال، ليست منظمة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة» محاوراً موثوقاً. فهذه المنظمة تنفذ هجمات نيابة عن دولة راعية هي غالباً سورية. وأما «فتح» فقرارها مستقل عن الجهات الخارجية، على رغم الدعم الاقليمي. \r\n \r\n وعلى الحكومات تحين الوقت المناسب قبل مفاوضة الإرهابيين. وينبغي أن تكون على ثقة بأن ما يقترحه قادة الإرهابيين السياسيين يحظى بالإجماع. فهؤلاء ربما اذنوا بتقويم نهج العنف قبل مشارفتهم الخسارة، فيجدر بالحكومات تجنّب مفاوضة الإرهابيين قبل اعلانهم هدنة دائمة، أو قبل اختبار قدرتهم على التزام تعهداتهم. \r\n \r\n (مدير مركز الدراسات الدفاعية في كينغز كوليدج البريطانية)، «فورين أفيرز» الاميركية، 1-2/2007 \r\n