ومنذ أن تولى الرئيس بوش السلطة عام 2001 فإن نسبة المكسيكيين والكنديين الذين ينظرون إلى الولاياتالمتحدة نظره إيجابية تدنت بمقدار النصف حسبما يتبين من استطلاعات الرأي. ويرجع ذلك لأسباب عديدة بعضها قديم وبعضها حديث. من أحدث تلك الأسباب ما أعلنته أميركا عن خطة لبناء سور بامتداد 700 ميل بين المكسيكوالولاياتالمتحدة، وهي الخطة التي جاءت بعد أن كان بوش قد وعد بإعداد قانون\" شامل\" عن الهجرة. \r\n \r\n وكان الرئيس بوش والرئيس المكسيكي السابق \"فينسنت فوكس\" قد ارتكبا خطأً تمثل في وضع مسألة الهجرة على قمة أولويتيهما. وعلى الرغم من أن الهجرة تمثل خسارة صافية للمكسيك ومكسباً صافياً لأميركا، فإن الأقوال المتداولة في هذا الشأن كانت تبدأ بالفرضية الخطأ دائما: فالكثير من المكسيكيين كانوا ينظرون إلى الهجرة إلى الولاياتالمتحدة على أنها تمثل \"وسيلة\" للهرب من واقعهم القاسي ومصدراً للمداخيل التي يمكنهم تحويلها للوطن. أما الأميركيون فإنهم كانوا يبالغون دوماً في بيان الأضرار التي تلحق ببلدهم جراء تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى بلادهم. \r\n \r\n وعلى الرغم من أن أميركا تشتكي من تدفق العمالة المكسيكية غير الشرعية عليها فإنها لم تقم في الحقيقة بما هو ضروري للحد من تيار هذه الهجرة، وهو فرض عقوبات على أصحاب العمل الأميركيين الذين يقومون بتشغيل العمالة غير الشرعية (بسبب رخص أجورها وعدم إثارتها للمشاكل خوفاً من القبض عليها وترحيلها)، وإنشاء نظام لبطاقات الهوية يصعب اختراقه. \r\n \r\n فمن دون هذين الإجراءين لن تستطيع الولاياتالمتحدة أن تحد من تيار الهجرة، وعليها في هذه الحالة ألا تلوم إلا نفسها– لا السلطات المكسيكية- عن الفشل في إيقاف تيار الهجرة غير الشرعية. وللتوصل إلى حل طويل الأمد للمشكلة فإن الولاياتالمتحدة بحاجة إلى اتخاذ خطوة أخرى. تتمثل هذه الخطوة في أن المهاجرين المكسيكيين يأتون إلى الولاياتالمتحدة بسبب الفارق الكبير في الأجور، وبالتالي فإن الوسيلة المثلى للحد من هذا التدفق هو رفع مستوى الأجور في المكسيك لتقريب الفجوة بين مستواه هناك ومستواه في جارتيها الشماليتين. ولقد نجحت اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية في إنعاش اقتصاد المنطقة الشمالية من المكسيك القريبة من الحدود مع أميركا، مما أدى إلى جعل نسبة نمو تلك المنطقة أعلى من نسبة النمو في باقي مناطق المكسيك بعشرة أضعاف على الأقل، وهو ما أدى بدوره إلى تحول تلك المنطقة إلى قطب جاذب للعمالة الفقيرة في المناطق الجنوبية. ولذلك يرى بعض الخبراء أن جزءاً كبيراً من مشكلات النمو في المكسيك قابل للحل من خلال مد نطاق تطبيق اتفاقية \"النافتا\" إلى الجنوب حيث سيؤدي ذلك إلى ازدهار هذا الجزء من البلاد وبعد الازدهار تتدفق العمالة. \r\n \r\n ويجب على الرئيس \"بوش\" والرئيس \"كالديرون\" أن يتعاونا مع رئيس الوزراء الكندي \"ستيفن هاربر\" من أجل إنشاء صندوق استثماري لأميركا الشمالية بهدف استثمار 20 مليار دولار سنويا لمدة عشر سنوات في مجال إنشاء البنية التحتية التي تشمل الطرق والموانئ والسكك الحديدية والاتصالات لوصل الجزء الجنوبي من المكسيك بالسوق الأميركي الشمالي المغري. ويذكر في هذا السياق أن السيناتور \"جون كورنين\" \"الجمهوري\" عن ولاية تكساس قد قدم مشروع قانون لإنشاء مثل هذا الصندوق ولكنه لم يلتفت له سوى قليلين وهو ما يستدعي القول بأن الرؤساء الثلاثة يجب أن يدعموا هذا الصندوق. \r\n \r\n وليس من المتوقع أن تقوم الولاياتالمتحدة بتقديم أي عون للمكسيك ما لم تقتنع أولاً بأن الأموال الموضوعة في هذا الصندوق سيتم إنفاقها على أسس سليمة. وهذا هو ما يدعونا للالتفات إلى الملاحظات التي أدلى بها كالديرون أمام بوش في اجتماعهما الأخير الذي عقد في التاسع من نوفمبر وأن نحاول أن نلزمه بها. من أمثلة تلك التعليقات:\"إنني لم آت إلى أميركا كي أطلب من الأميركيين أن يحلوا مشكلات المكسيك، لأن هذه المشكلات لن تحل إلا بواسطتنا نحن المكسيكيين\" وقوله كذلك:\"إذا ما اضطلعت المكسيك بمسؤولية إجراء الإصلاحات المطلوبة في مجالات الطاقة والتعليم والعمل والضرائب، ووضعت نصف الأموال في الصندوق الاستثماري لشؤون أميركا، فإن الولاياتالمتحدة وكندا يجب أن تتعهدا من جانبهما بالنصف الثاني\". \r\n \r\n فمثل هذه المبادرة لن تؤدي فقط إلى البدء في رأب الانقسام السياسي والاقتصادي بين الولاياتالمتحدةوالمكسيك، ولكنها ستؤدي أيضاً إلى تنشيط ثاني أكبر سوق، وأكثر الأسواق نمواً وقدرة على استيعاب البضائع الأميركية. \r\n \r\n على الرغم من أن تلك المبادرة لن تؤدي إلى إيقاف الهجرة غير القانونية على الفور، فإنها لو نجحت في مضاعفة نسبة النمو في المكسيك، فإن فجوة النمو مع الولاياتالمتحدة ستنقص بمقدار 20 في المئة خلال عقد من الزمان، وهو ما سيجعل المكسيكيين يبدؤون التفكير حول مستقبلهم في المكسيك وليس التفكير فيه من خلال السعي للحصول على وظائف في الشمال. \r\n \r\n الولاياتالمتحدة وكندا والمكسيك يجب أن تتوقف عن الجدل بشأن \"النافتا\"، وأن تتخلص من عادة توجيه اللوم لبعضها بعضا بالمسؤولية عن مشكلة الهجرة وأن تبدأ بدلا من ذلك في التعاون من أجل جعل أميركا الشمالية أكثر تنافسية من خلال العمل على إدماج دولة نامية- وهي المكسيك- في اقتصاد العالم الأول. \r\n \r\n \r\n روبرت أيه. باستور \r\n \r\n أستاذ ومدير \"مركز دراسات أميركا الشمالية\" في الجامعة الأميركية. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n