فالخطتان لا تقودان الا الى الكوابيس المرعبة المتمثلة في الفوضى العامة, واستيلاء الارهابيين على وسط العراق, وانتشائهم بالنصر على امريكا, وامتلاء جيوبهم باموال النفط العراقي, وخضوع الجنوب الى حكام موالين لايران او للحكم الايراني المباشر, وتزاحم جيران العراق على بقايا الدولة العراقية يتبعه اندلاع حرب اقليمية تدفع باسعار النفط الى الارتفاع الى 150 دولارا للبرميل. \r\n \r\n وفي الوقت الذي تتنازعني فيه هذه المخاوف, اشعر بانجراف شديد الى الوراء يعيدني عبر اكثر من 30 سنة مضت الى ذلك اليوم في فيتنام حين كنت على ثقة من ان احجار الدومينو سوف توالي انهيارها عبر عموم اسيا مرغمة المواقع الاستراتيجية الامريكية هناك وفي مواضع اخرى على الانهيار. وها ان الايام تثبت انني كنت مخطئا بشأن احجار الدومينو تلك وكذلك كان جميع خبراء السياسة الخارجية الامريكيين تقريبا. \r\n \r\n انه الثامن عشر من نيسان عام ,1975 وآخر المسؤولين الامريكيين ينحشرون في الطائرات العمودية في طريقهم الى الوطن وهم يجرون اذيال الهزيمة, بينما يتدفق جنود فيتنام الشمالية على العاصمة الجنوبية سايغون. ويا لها من هزيمة نكراء تتعدى في عارها كل هزيمة. انها الهزيمة التي جاءت بعد حرب استمرت عقودا من السنين, وبعد مقتل عشرات الالوف من الامريكيين والفيتناميين, وبعد ان تعهد رؤساؤنا الواحد بعد الآخر باستحالة وقوع الهزيمة. \r\n \r\n لقد توقعنا ان تنعكس هزيمتنا في فيتنام في ارتفاع مكانة الاتحاد السوفييتي, وفي اعادة تموضع حلفائنا في المنطقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية نتيجة اهتزاز ثقتهم بعزيمتنا, كما توقعنا ان تستعيد فيتنام الجنوبية ما تبقى من اراضي الهند الصينية. لكن ايا من هذه التوقعات لم يتحقق. \r\n \r\n بعد ثلاث سنوات من تلك الهزيمة كانت مكانة الولاياتالمتحدة ونفوذها في اسيا اعظم مما كانا عليه في اي وقت آخر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكان اصدقاؤنا وحلفاؤنا في المنطقة يشاركوننا قلقنا من غلبة المعسكر الشيوعي الامر الذي دفعهم الى الالتفاف حولنا. فقد كانوا يفهمون بوضوح ان امنهم منوط بحضورنا ومدى نفوذنا في اسيا. وهكذا بقيت احجار الدومينو قائمة ولم نشهد اي انهيار. \r\n \r\n فهل يمكن لعواقب الهزيمة في العراق ان تكون اخف وطأة مما نتصور? \r\n \r\n الامر الذي يجب ان يتقدم على كل شيء آخر هو ان السيطرة على الجهاديين العرب ستكون اصعب من السيطرة على الفيتناميين الجنوبيين. اذ كان زعماء هاندي يديرون دولة نظامية, وكانت طموحاتهم مقتصرة على حدود الهند الصينية. في حين ان التعامل مع الارهابيين الجهاديين في العراق غير ممكن, وحقدهم علينا يمتد على مستويات عالمية, ومن شأن انتصارهم في العراق ان يزيد جرأتهم علينا. \r\n \r\n ولكننا لا نفتقر الى الطريق الكفيلة بتحجيم انتصارهم, حتى في حالة خروجنا من العراق. فنحن نملك حلفاء جاهزين لمساندتنا في المنطقة, وهم يخشون الجهاديين بقدر ما نخشاهم. ولدينا حلفاء مرشحين داخل العراق مثل البعثيين وزعماء القبائل السنية الذين يريدون ان يتولوا حكم الجزء الخاص بهم من العراق اضافة الى كونهم يخشون الجهاديين ويحتقرونهم. وفي الوقت الذي ننفذ فيه انسحابا تدريجيا, ستكون لدينا ولدى الآخرين الفرصة لامداد البعثيين بادوات ووسائل الاجهاز على الجهاديين. ولعلهم سيقومون بالامر على نحو افضل في حالة انهاء الوجود العسكري الامريكي واسع النطاق في البلاد. \r\n \r\n اما فيما يتعلق بهيمنة ايران على جنوب العراق فان التهديدات بشأن ذلك كبيرة. ولكن علينا ان لا ننسى ان شيعة العراق هم من العرب وليسوا من الفرس. وهم يتمتعون بكبرياء خاصة بهم اضافة الى تمسكهم بتقاليدهم ومصالحهم الخاصة. وعلينا ان نكون مستعدين لمساعدة هؤلاء الشيعة ايضا. \r\n \r\n ان كل تحليل منطقي يمكن ان يذهب ادراج الرياح اذا ما عزم جيران العراق على دفع المنطقة الى الحرب. لكن اولئك الجيران, وبضمنهم ايران, يرغبون تفادي هذا المنزلق الذي يهدد انتاجهم من النفط (الذي يشكل مصدر تمويلهم الوحيد) ويخضعهم للثورات والعصيان الداخلي. وفي يد واشنطن النفوذ الدبلوماسي اللازم للمساعدة في صياغة هذه الرغبة وتوجيهها ابتداء من الآن وبشمول ايران ايضا. \r\n \r\n من المؤكد ان العرب لا يسلمون بسهولة عنانهم لمن يريد ان يقودهم الى اتجاه معين, حتى لو كانت المصالح المشتركة تملي عليهم ذلك التسليم. فقد يتفرقون عنا, او يمتنعون عن الانصياع, وينصرفون الى استرضاء الارهابيين او يكتفون برفع اسعار النفط. لكنها احتمالات لا نستطيع التحقق منها الا عن طريق التجربة. \r\n \r\n ولا شك ان من الافضل لنا ان نبدأ بالتجربة وباسرع وقت. ان آخر ما يريده الامريكيون هو الهزيمة في العراق. لكن الاحداث قد تنحدر بذلك الاتجاه وعلينا ان نقلل من حجم الخسائر. ان السيناريو الكابوسي يمكن ان يبدأ الآن, او خلال العامين المقبلين متزامنا مع انسحاب القوات, او ان يأتي بعد الانسحاب. وقد يأخذ ذلك السيناريو مجراه على مهل او قد يحل بغتة. والحديث عن الهزيمة لا يعني الدعوة لها, انما الاستعداد للتقليل من حجمها. \r\n \r\n عندما كانت ادارتا فورد وكارتر تعملان جاهدتين لاسناد احجار الدومينو المهددة بالتداعي, تحركت احجار الدومينو الاسيوية بسرعة لانقاذ نفسها عن طريق اسناد نفوذنا في منطقتها. وليس بوسعنا توقع ضربة حظ مماثلة مع سكان منطقة الخليج. كما ان من المؤكد ان ليس بوسعنا ان نحقق تلك الضربة من خلال »البقاء حتى نهاية الشوط« والاختباء وراء مخاوف بوش من عواقب الدومينو الشرق اوسطية. ان ما نريده من بوش هو ان يطلق الدبلوماسية الامريكية التي ما تزال فعالة ويسمح لها ببذر البذور المعادية للارهابيين في التربة العراقية, وبصياغة سلام اقليمي بين الدول التي تخاف اندلاع حرب اقليمية, وبالتقليل من حدة الكوارث والهزيمة اذا جاءت, ولربما باحراز بعض النجاحات. \r\n