\r\n \r\n \r\n وعلى الرغم من أن تلك الدول قد قطعت عدة سنوات في العقد الثاني بعد سقوط الشيوعية، إلا أنها لا تزال تعاني من ضعف الحكومات، وانقسام المجتمعات، وهو ما يثير الخوف في نفوس دول أوروبا الغربية التي تخشى أن تصبح تلك الدول بمثابة أبناء الاتحاد الأوروبي \"الأشقياء\"، أو الذين يمثلون له مشكلة. \r\n \r\n وقد تبدت هذه الملامح في أجلى صورها في بودابست خلال الأسبوع الحالي عندما اشتبك المتظاهرون القوميون المنتمون إلى التيار اليميني مع قوات الشرطة المجرية، واختطاف ما كان مقرراً أن يكون مناسبة هادئة لإحياء ذكرى الانتفاضة التي قام بها الشعب ضد الهيمنة السوفييتية منذ نصف قرن من الزمان. وكان بعض المتظاهرين يحملون العلم المقلَّم بخطوط حمراء وبيضاء والذي يرمز إلى سلالة \"ارباد\" التي ينتمي إليها ملوك المجر في القرون الوسطى، والذي أصبح شعاراً للقوميين في السنوات الأخيرة. \r\n \r\n والسبب الذي دعا إلى اندلاع القلاقل وأعمال الشغب أصلاً يبدو عادياً نسبياً وهو استخدام البوليس لأسلوب القبضة الغليظة في التعامل مع المتظاهرين الذين تملَّكهم الغضب بسبب تسرب شريط يعترف فيه رئيس الوزراء المجري \"فيرنيك جيوركشاني\" أنه قد كذب على الشعب بخصوص الوضع الاقتصادي كي يضمن الفوز في انتخابات هذا العام. \r\n \r\n بيد أن الحقيقة هي أن هناك سبباً أكثر جوهرية لاندلاع مثل هذه القلاقل في دول أوروبا الشرقية وهو أن معظم شعوب تلك البلدان لم تكن لها كلمة أو تأثير في الانتفاضات التي تمت عام 1989 عندما أدت \"الثورات المخملية\" إلى تفكيك الحكم الشيوعي في تلك الدول. \r\n \r\n وحول هذه النقطة يقول \"ستيفان ستامبف\" المحلل السياسي والوزير السابق في الحكومة المجرية: \"إن تلك الثورات تمت من خلال مفاوضات بين قوى سياسية، وهو ما حد من المشاركة الشعبية في خلق الأنظمة الجديدة... والحاصل الآن أن الكثيرين من أبناء تلك الدول يشعرون بأنهم قد خسروا بسبب تغير الأنظمة\". \r\n \r\n ونتيجة لذلك ازدادت الدوافع الوطنية قوة في تلك الدول وتمكنت القوى والشخصيات الشعبوية فيها من استغلالها لمصلحتها. \r\n \r\n لتوضيح ذلك يقول \"جيري بيهي\" المحلل السياسي والمستشار السابق لرئيس جمهورية التشيك: \"لقد مرت تلك الدول بتغييرات جذرية للغاية على مدى 10 سنوات كاملة تم خلالها قمع التفاعلات الطبيعية التي كان محتماً أن تحدث نتيجة تلك التغييرات على أساس أنه كان هناك هدف يفوق كل ما عداه من أهداف بالنسبة لتلك الدول وهو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي... وكان من نتيجة ذلك أن العديد من العوامل التي اعتقد البعض أنها قد اختفت أو استنفدت أغراضها عادت إلى الظهور على السطح مجدداً\". \r\n \r\n بدأ هذا الأمر في بولندا حيث فاز \"حزب القانون والعدالة المحافظ\" بالانتخابات العام الماضي وتولى التوأم \"ليخ، وياروسلاف كازينسكي\" منصبي الرئيس ورئيس الوزراء على التوالي، وقاما باتباع سياسة كاثوليكية محافظة، وتحدثا كثيراً عن ضرورة عودة بولندا لاحتلال مكانتها اللائقة في الخريطة السياسية الأوروبية، وهو ما نفر منهما العديدين في أوروبا الغربية المهجوسة بالتسامح. \r\n \r\n وفي سلوفاكيا كوَّن حزب اليسار\" Smer \" ائتلافاً يتكون منه ومن حزبين من الأحزاب اليمينية المتطرفة وهما \"الحزب القومي السلوفاكي\" المتطرف وحزب \"حركة الديمقراطية في سلوفاكيا\" الذي يقوده \"فلاديمير ميكاير\" الذي ساهم أسلوبه الأوتوقراطي عندما تولى منصب رئيس الوزراء في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي في عزل بلاده عن دول أوروبا الغربية. \r\n \r\n وحتى جمهورية تشيك بدورها كانت هي أيضاً عرضة للتأثر بهذا الاتجاه القومي حيث لا توجد فيها حكومة حقيقية منذ الانتخابات التي عقدت في يونيو، والتي تركت برلمانها المقسَّم بالتساوي تقريباً بين اليمين واليسار في حالة عجز عن الحركة عملياً. وفي هذه البلاد جميعاً يخوض الإصلاحيون والشعبويون حرباً ضد بعضهم بعضاً، كما أن صعود التيارات القومية فيها أدى إلى إيقاظ العداوات القديمة بين تلك الدول من جديد وخصوصاً بين المجر وبين الدول المجاورة لها والتي كانت في يوم من الأيام جزءاً من الإمبراطورية المجرية. \r\n \r\n وقد تمكن \"فيكتور أوربان\" رئيس الوزراء المجري السابق وزعيم حزب \"فيدسيز\" وهو حزب المعارضة الرئيسي في ذلك البلد من استغلال الفرصة المتاحة والاستيلاء على قيادة التيار القومي الصاعد الآن في المجر، فهو الذي قاد المنادين باستقالة \"جيوركشاني\"، وهو أيضاً الذي قام بتنظيم عدد من التجمعات السياسية التي ضمت عشرات الآلاف من المتظاهرين. \r\n \r\n وعلى الرغم من أن \"أوربان\" قد أعلن أن حزبه ليست له علاقة بأعمال العنف التي اندلعت مؤخراً في المجر، إلا أن المحللين يقولون إن مغازلته للأحزاب اليمينية المتطرفة كانت متعمدة، وإن هدفه من ذلك كان كسب أصوات أنصار أحزاب اليمين بصرف النظر عن مدى راديكاليتهم على أمل الفوز بالأغلبية في البرلمان. \r\n \r\n وهذه التوجهات الشعبوية في بلدان وسط أوروبا تظهر في وقت وصل فيه الاتحاد الأوروبي إلى أضعف حالاته خلال السنوات الأخيرة. \r\n \r\n وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي تشيكي \"جيري بيهي\" المشار غليه أعلاه إن الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي السابق لا تزال تعاني من التجارب التي مرت بها عقب سقوط المنظومة الشيوعية، كما أن الثقافة السياسية القائمة فيها لا تزال متأثرة تأثراً عميقاً بالعقلية البلشفية التي تقوم على مبدأ أن \"كل من يختلف معي فهو عدوي\"، ولكن هذا المحلل التشيكي \"بيهي\" نفسه يرى أن السياسيين الشعبويين والقوميين سيواجهون قريباً رياحاً سياسية مضادة \"وسيكون من المستحيل بالنسبة لهم مواجهتها\". \r\n \r\n \r\n كريج. إس. سميث \r\n \r\n مراسل \"نيويورك تايمز\" في بودابست \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n