\r\n والذي بدا من نوايا هذه الإدارة وسياساتها وممارساتها حتى الآن، لا يتعدى ميلها المستمر إلى تجزئة أزمات الشرق الأوسط، والتقليل من أهمية الحكمة التقليدية القائلة إن في حل هذا النزاع، ما يحقق فائدة استراتيجية كبرى للولايات المتحدة نفسها. ولكن المعضلة القائمة في الوقت الحالي تتلخص في أن إدارة بوش قد شرعت في مراجعة مواقفها ومفاهيمها عن المنطقة ونزاعاتها، بما في ذلك إيجاد الخيط الواصل ما بين مطامح إحراز تقدم سياسي أمني فيها، وحل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، في وقت يعجز فيه الفلسطينيون أنفسهم عن إبراز قيادة موحدة مؤهلة بين صفوفهم. ونتيجة لهذا العجز الفلسطيني، فقد تراجعت وانحسرت أية آمال في التفاوض والتوصل إلى تسوية سلمية بين الطرفين المتنازعين. \r\n \r\n ومن جانبهم يواصل أعضاء الرباعية الدولية، المؤلفة من كل من الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وروسيا، مطالبتهم وتمسكهم بضرورة قبول أي شريك فلسطيني مفاوض بشروط ثلاثة لا سبيل لتجاهلها: نبذ العنف والإرهاب، الاعتراف بحق إسرائيل في البقاء، وثالثاً وأخيراً القبول بكافة المعاهدات والاتفاقيات المبرمة سابقاً بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بما فيها \"خريطة الطريق\"، التي بلورتها الرباعية الدولية بهدف التسوية السلمية النهائية للنزاع بين الطرفين. ولكن المشكلة أن قادة حركة وحكومة \"حماس\" القائمة الآن، يرفضون هذه الشروط جملة وتفصيلاً. وبالنتيجة، لم يبق ثمة أمل لبدء أي تفاوض بين الطرفين، بينما تجمدت العملية السياسية نفسها بين الفلسطينيين، في الوقت الذي تمضي فيه حياتهم اليومية من سيئ لأسوأ. \r\n \r\n وفي ظل ظروف كهذه، فإنه لن يكون في وسع أي إدارة أميركية –\"جمهورية\" كانت أم \"ديمقراطية\"- ممارسة أية ضغوط على إسرائيل، بقصد إرغامها على تقديم التنازلات اللازمة لإجراء حوار مشترك مع الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن عدم إحراز أي تقدم على صعيد حل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، لا يزال يمثل أحد أهم العوامل الجارفة لمصداقية الولاياتالمتحدة الأميركية، والطاعنة في مدى حسن وصدق نواياها إزاء المنطقة. يذكر أن كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية، كانت قد سعت خلال زيارة قريبة لها للمنطقة، لإقناع القادة والأنظمة العربية المعتدلة، بأن المهدد الرئيسي لمصالح العرب والولاياتالمتحدة الأميركية على حد سواء، إنما يتمثل في التطرف الإسلامي، الممتد من إيران وتنظيم \"القاعدة\"، إلى \"حماس\" و\"حزب الله\" اللبناني. وفي حين أبدى القادة هؤلاء تفهماً لحقيقة المهددات التي يمثلها التطرف لأمن المنطقة واستقرارها، إلا أنهم طالبوا بضرورة التحرك الأميركي لحل النزاع، بكل ما يعنيه هذا التحرك من أهمية بالغة في سبيل ضمان التعاون التام من جانب العرب مع الولاياتالمتحدة، في سعيها لاحتواء خطر التطرف الإسلامي. \r\n \r\n وكانت الحجة نفسها قد أثيرت من جانب قادة كل من مصر والأردن والمملكة العربية السعودية عام 1981، عندما بذل \"ألكسندر هيج\"، وزير الخارجية الأميركية -وقتئذ- قصارى جهده ومساعيه في سبيل الحصول على \"إجماع استراتيجي\" بينهم على أن الاتحاد السوفيتي كان بمثابة الخطر الأمني الداهم الذي يهدد المنطقة في ذلك الوقت، وأنه أس الداء والبلاء كله. وفي الوقت الذي اتفق فيه القادة العرب سراً على ما يمثله الاتحاد السوفييتي من خطر على أمن المنطقة واستقرارها، إلا أنهم دعوا علناً إلى أن من الواجب أن تحتل تسوية النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، مقدمة أجندة العمل وأولوياته، قبل أي شيء آخر. \r\n \r\n ومع بوادر التغير التي طرأت على سياسات الإدارة وفهمها لطبيعة نزاعات المنطقة العربية -كما عبر عنها \"فيليب زوليكو\" مستشار وزارة الخارجية في خطابه الأخير في 15 سبتمبر المنصرم- فإن هناك ما يشير إلى الإيجاب والتفاؤل. ومع أنه يبقى مجهولاً ما إذا كان بوش قد عقد العزم حقاً على ترجمة هذه التغيرات إلى فعل، إلا أن المؤكد أنه إن فعل ذلك، فسوف يكون هذا هو الشيء الصحيح الذي حققه من جملة سياساته الشرق أوسطية الفاشلة حتى الآن. \r\n \r\n \r\n