\r\n \r\n \r\n وعلى رغم المصاعب الجمة التي تكتنف عميلة اتخاذ القرارات وتنفيذها, فمن يستطيع النهوض بهذا العبء المضني الثقيل, إن لم يقم به مجلس الأمن؟ وفيما لو لم يكن هذا المجلس موجوداً, فأية لجة ومتاهة كان سينزلق نحوها مجتمعنا الدولي؟ \r\n \r\n وفي كل الأحوال كثيراً ما تعلقت الأنظار بالدول الخمس دائمة العضوية في المجلس, أي تلك التي تتمتع بحق النقض \"الفيتو\", وهي الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية. ولكل منها –شئنا أم أبينا- من السلطات الدستورية والقانونية ما يمكنها من وقف أو تمرير مشروع أي قرار أو مقترح دولي داخله. وفي المقابل, فما أضعف الاهتمام دائماً بالدول العشر الأخرى من الأعضاء غير الدائمين فيه. وتسري عضوية كل من هذه الدول الأخيرة لمدة عامين, مما يعني استبدال خمس منها سنوياً وإحلالها بخمس دول جديدة أخرى. \r\n \r\n وعلى رغم هذه الحقيقة, فإن دور هذه الدول العشر على قدر كبير من الأهمية والحيوية داخل المجلس. ذلك أنه ولتمرير مشروع أي قرار داخل المجلس, فإنه لابد من المصادقة عليه من قبل تسع من الدول الأعضاء على الأقل, بما فيها بالطبع الدول غير دائمة العضوية. وعليه وخلال مدة العامين المذكورين للعضوية غير الدائمة في المجلس, تغدو الدولة غير الدائمة, أكثر من مجرد عضو عادي بين الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة, البالغ عددها 192 دولة. فهي تضطلع بمسؤولية استثنائية غير عادية خلال عضويتها المؤقتة في المجلس لعامين كاملين. \r\n \r\n وبعد, فهل حانت لحظة إثارة السؤال الجوهري حول ما إذا كان هذا النظام الدولي سيكون قادراً ومؤهلاً لأداء دوره العالمي على النحو المرجو والمطلوب, خاصة مع اقتراب انتخاب خمسة أعضاء جدد غير دائمين فيه في شهر أكتوبر المقبل؟ وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن عضوية الدول الخمس الدائمة في المجلس, ليست موضع سؤال, فإنه يصبح من حق الدول خارج المجلس أن تتساءل حول مدى فاعلية هذا النظام الدولي, لاسيما في ظل تراكم وتوافر الأدلة والشواهد على ما حدث من خرق وانتهاكات لنوايا ومقاصد واضعي مسودة ميثاق الأممالمتحدة. ولنا أن نورد مثالين في هذا المقال. \r\n \r\n دعونا نبدأ أولاً بهذه الحملة الدولية المترفة التي أطلقها الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز, فيما يتصل بمطالبة بلاده بحجز مقعد لها في مجلس الأمن الدولي في دورته الانتخابية الجديدة. وللعلم فهي حملة شملت فيما شملت, الزيارات المكوكية إلى الدول الأخرى, مصحوبة عادة بالمِنح والقروض والاتفاقيات والمعاهدات التجارية الاقتصادية. وفي هذا السلوك ما يبعث على الحيرة والاستغراب, في وجه من وجوهه. وفيما يبدو فقد عقد شافيز العزم على مناهضة ما يسميه الهيمنة الأميركية المفرطة على الشؤون الدولية في عالم اليوم. ولذلك فهو ينظر إلى مجلس الأمن الدولي, باعتباره منبراً دولياً آخر, يستطيع من خلاله الترويج لأفكاره \"اليسارية\" الراديكالية المتطرفة المعادية بحكم طبيعتها لأميركا. ومن جهة أخرى, يبدو البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية, كما لو كانا يعانيان عجزاً ما بعده عجز أمام حملة شافيز الدولية هذه! \r\n \r\n وفي مستوى ثانٍ, تثير حملة شافيز الكثير من القلق, لكونها –سواء أدرك شافيز أم لم يدرك- تتناقض تناقضاً جوهرياً مع المعيار المحدد لانضمام دولة ما إلى المجلس بصفة العضوية غير الدائمة فيه. ذلك أن البند رقم 23 من ميثاق الأممالمتحدة ينص صراحة على أنه يحق لأي دولة أن تنتخب لعضوية المجلس, شريطة وفاء هذه الدولة بما عليها من مستحقات ومساهمات مع بقية الدول الأعضاء في المنظمة الدولية, فيما يتصل بمهام حفظ الأمن والسلام الدوليين, والمشاركة في غير ذلك من التزامات الأممالمتحدة. بعبارة أخرى, وطالما أن كافة الدول الأعضاء في المجلس ستكون معنية بالتصويت والاقتراع في قضايا الحرب والسلام, فإنها لابد من أن تكون على استعداد للمساهمة في مهام حفظ السلام الدولي. وتجدر الملاحظة هنا إلى أن هذا المعيار, يأتي في المرتبة الأولى من حيث الأهمية, قياساً على معيار \"توازن التمثيل الجغرافي للدول\" الذي تعول عليه الدول النامية اليوم في تصعيد مطالبتها بالتمثيل داخل مجلس الأمن الدولي. ولذلك فلابد من ملاحظة أن الكثير من حكومات هذه الدول الأخيرة, قد أخفقت في القراءة الصحيحة لميثاق الأممالمتحدة في هذا الخصوص بالذات. فكيف لفنزويلا أن تصمد أمام هذا الاختبار الأولي لإثبات كفاءتها وأهليتها للانضمام إلى المجلس بصفة العضوية غير الدائمة فيه؟ \r\n \r\n لعل الوسيلة الأفضل للإجابة على هذا السؤال الحيوي, هو مقارنة مساهمة فنزويلا في جهود حفظ الأمن الدولي خلال العقد الماضي, قياساً إلى مساهمات دول أخرى غير دائمة العضوية في المجلس, مثل أستراليا وباكستان والبرازيل وبولندا. ووفقاً ل\"منبر السياسات الدولية\" فقد تراوحت وتفاوتت مساهمات كل واحدة من الدول المذكورة أعلاه في مختلف مهام حفظ السلام التي طرأت خلال العقد الماضي. بيد أن متوسط معدل إجمالي مساهمات كل واحدة منها خلال السنوات 1996- 2006 هو كالتالي: أستراليا 597 جندياً, البرازيل 496, باكستان 4002, وأخيراً بولندا 924. وبالمقارنة فقد كانت المساهمة الشهرية لفنزويلا خلال المدة المذكورة نفسها بمعدل ثلاثة جنود فحسب. بل الواقع أن فنزويلا لم تسهم ولا بجندي واحد خلال الثلاث أو الأربع سنوات الماضية في مهام حفظ السلام هذه. \r\n \r\n وعليه فقد باتت النتيجة جد واضحة وبديهية. فعلى شافيز أن يتراجع عن حملته هذه, بالنظر إلى معيار المساهمة في جهود حفظ السلام, وأن يؤجل مطالبته بانضمام بلاده إلى عضوية المجلس, إلى حين تتمكن فنزويلا من تحسين مساهمتها الدولية المذكورة آنفاً بلغة الأرقام. ولكن هل يرجح تراجع شافيز عن حملته هذه, أو أن تلجأ أي من الدول الأعضاء الخمسة دائمة العضوية في المجلس لاتخاذ قرار حق النقض \"الفيتو\" في وجهه؟ هذا ما يقودنا إلى المثال الثاني لما سقناه من خرق وانتهاك لجوهر ميثاق المنظمة الدولية. وأعني بهذا بروز ظاهرة جديدة خطيرة في جسد المنظمة الدولية, أشارت إليها ورقة أعدها اثنان من العلماء والباحثين الاقتصاديين بجامعة هارفارد –هما \"إليانا كيوزوميكو\" و\"إريك ويركور\"- ونشرتها صحيفة \"فاينانشيال تايمز\" في عددها الصادر بتاريخ 31 أغسطس المنصرم تحت عنوان \"كم ثمن المقعد في مجلس الأمن الدولي؟\"، وفي ذلك إشارة واضحة إلى إساءة استخدام العون الخارجي والرشاوى المقدمة للدول, بغية الحصول على دعمها وتأييدها داخل المنظمة الدولية. والشاهد أن الدول الأعضاء, كبيرها وصغيرها, تلجأ لمثل هذه الممارسات, بما في ذلك فنزويلا شافيز طبعاً. \r\n \r\n بيد أن حاجة المجتمع الدولي إلى مجلس أمن قوي فاعل وفوق الشبهات، ما تزال تشتد مع ذلك، يوماً بعد يوم. \r\n \r\n بول كنيدي \r\n \r\n أستاذ التاريخ بجامعة \"يل\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"تريبيون ميديا سيرفيس\" \r\n \r\n