والشاهد أن لاستخدام عبارة \"الفاشيين الإسلامويين\" بريقاً قصد منه الربط واستدعاء تلك الصور العائدة للحرب العالمية الثانية والأخيرة الحاسمة ضد الفاشية والنازية في أوروبا، عندما كانت الدبابات النازية الغاشمة تجتاح دول الجوار الصغيرة المغلوبة على أمرها مثل بولندا وغيرها، ساحقة سيادتها وإرادتها الوطنية. واستدعاءً للصور ذاتها أشار \"ريك سانتورم\" السيناتور \"الجمهوري\" من ولاية بنسلفانيا في حديث أدلى به مؤخراً في \"النادي الصحفي القومي\" إلى ما أسماه ب\"الحلم الفاشي الإسلاموي المتطلع لإنشاء خلافة إسلامية عالمية، تكون فيها السيادة على العالم بأسره، بيد المتطرفين والفاشيين الإسلامويين.\" \r\n \r\n وذكّر المتحدث جمهور الحضور بالقول إنه ليس ثمة مشكلة في فهم حقيقة النازية والفاشية على أنهما تعودان إلى \"إمبراطورية الشر العنصرية\" على حد قوله، غير أن من الواجب الآن، تطبيق هذا الوضوح النظري على الحرب الدائرة الآن على \"الفاشية الإسلاموية\"، وهذا هو عين المعنى الذي قصده نائب الرئيس ديك تشيني أثناء تعليقه على الفوز الذي حققه \"نيد لامونت\" على جون ليبرمان، خلال الجولة الأولى من ترشيح الحزب \"الديمقراطي\" لأعضائه في الكونجرس، بقوله إن فوز \"ديمقراطيين\" من طراز \"نيد لامونت\" إنما يعزز موقف تنظيم \"القاعدة\"، الذي يسعى إلى كسر إرادة الشعب الأميركي. \r\n \r\n والحقيقة أن استخدام مصطلح \"الفاشية الإسلاموية\" ظل متداولاً ومستخدماً منذ ما يزيد على الخمسة عشر عاماً، غير أنه لم يختطف المتشددون في دوائر \"المحافظين الجدد\" هذا المصطلح ويسارعوا إلى توسيع استخدامه إلا بعد هجمات 11 سبتمبر، بغية تبرير حملة عسكرية واسعة النطاق ضد عدد من الحكومات الإسلامية والجماعات الإسلامية المتشددة المعادية في توجهاتها للغرب عموماً. \r\n \r\n ولكن الحقيقة أننا إذا ما أخذنا بالمعنى الحرفي لمصطلح \"الفاشية الإسلاموية\" فسوف نجده خاوياً من المعنى والمضمون، فربما ينطبق الشق الفاشي الأول منه على نظام صدام حسين مثلاً، بكل ما ارتبط به من توجهات عسكرية قومية، ومؤسسة شرسة للشرطة السرية، وقبعات عسكرية غبية بلهاء، درج كافة مسؤوليه على الالتزام بوضعها على رؤوسهم مثلما كان يفعل الفاشيون والنازيون، غير أنه لا شيء إسلامياً البتة في توجهات ذلك النظام ولا سياساته. \r\n \r\n ولذلك فإنه مما يثير الغرابة أن نجنح إلى وصف الأنظمة القمعية القهرية مثل \"طالبان\" بالفاشية، وأن نوازي هؤلاء بكل من \"سافونا رولا\" و\"جون كالفين\" وجنرالات أسبانيا الذين عمدوا إلى اختزال جهاز الدولة إلى مجرد أداة لفرض الإرادة الإلهية. \r\n \r\n والحقيقة أن العالم الإسلامي لم يبدُ عليه أن يوفر تربة صالحة وخصبة لطقس عبادة الدولة على النهج الذي كرسته التجربة الفاشية، ولنورد هنا أن استطلاعات الرأي العام التي أجرتها مؤسسة \"بيو العالمية\" عام 2005، أشارت إلى أن الأغلبيات في الدول الإسلامية ترى أن ولاءها للإسلام يتقدم على ولائها للمواطنة. \r\n \r\n ولذلك فإن صفة \"الفاشية\" الشائعة الاستخدام في خطاب وأفواه \"المحافظين الجدد\"، ليست سوى دمغة جاهزة لوصف كل من هو متطرف ومتشدد ولا يتسم بأي قدر من التسامح الديني. \r\n \r\n والحقيقة أن ذلك هو المعنى الذي استخدمت به العبارة من قبل راديكاليي عقد الستينيات، باعتبارها وعاءً واسعاً لوصف كل ما يتصل بإدارة الرئيس ريتشارد نيكسون، وبالرأسمالية الأميركية، وبأجهزة الشرطة والأمن. وقد سبق في التاريخ الأميركي القريب أن عاب \"المحافظون\" على الشيوعيين و\"الراديكاليين اليساريين\" الإفراط في الاستخدام السائب لمصطلح الفاشية ضد كل ما يرمز إلى ما كانوا يكرهونه ويكافحون ضده. \r\n \r\n ولم ينتبهْ هؤلاء \"المحافظون\" إلى سحر هذه الكلمة الفضفاضة العامة ومرونة استخدامها، إلا بعد اندحار الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفييتي، وها هم اليوم يضيفونها إلى قاموسهم الجديد الخاص بالحرب المعلنة على الإرهاب، غير أنها مثل سابقاتها من عبارات \"الإرهاب\" و\"الشر\" لاتزال خاوية من المعنى، لكونها تفرغ ظاهرات بالغة التعقيد السياسي والديني والاجتماعي والثقافي، إلى مجرد دمغات وكليشيهات جاهزة، لا تخدم الغاية التي تستخدم من أجلها. \r\n \r\n \r\n جيفري ننبيرج \r\n \r\n أستاذ اللغويات بجامعة كاليفورنيا \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n