\r\n من مفارقات الحال ان الاخفاق الفلسطيني لا يمكن ابدا ان يشكل نجاحا لاسرائيل. فبالنسبة لاولئك الاسرائىليين الذين يعتقدون ان فك الاشتباك من جانب واحد يوفر الاجراء المطلوب للمستقبل الاسرائىلي سيفرض احتمال تفشي الفوضى في غزة عليهم ومواجهة الحقيقة القائلة بان من الصعب بناء جدار عازل مرتفع بما يكفي لتحصين اسرائىل ضد نتائج تلك الفوضى. \r\n \r\n وبسبب انطلاق صواريخ القسام القادرة على الوصول ليس الى مدينة سديروت الحدودية الاسرائيلية فقط انما الى مرفأ مدينة عسقلان ايضا, فان الجيش الاسرائيلي يعود ثانية الى غزة ليحدد فيها منطقة امنية تحرم حماس وغيرها من اطلاق الصواريخ ومن القدرة على اصابة الاراضي الاسرائيلية. \r\n \r\n من بين دروس الماضي المؤكدة ان فك الاشتباك الاسرائيلي كان وسيظل دائما في حاجة الى اخذ الفلسطينيين بعين الاعتبار. وكان ينبغي التوصل الى اتفاقيات بخصوص ترتيبات المرور عند جميع نقاط العبور قبل القيام بالانسحاب الاسرائىلي. فبهذه الطريقة وحدها كان يمكن للحركة التجارية ان تتدفق من غزة واليها عبر نقاط العبور الاسرائيلية التي تتحكم في حركة الجزء الاعظم من تجارة غزة مع العالم الخارجي. ولو ان اسرائيل كانت قد اتخذت الاجراءات اللازمة للاطمئنان على الترتيبات الامنية, لكان الاقتصاد الفلسطيني في غزة قد تطور ولكانت مساعدات المانحين التي تباطأ تسليمها قد غيرت ظروف الحياة في غزة الى التحسن بدلا من تدهورها في اعقاب الانسحاب الاسرائيلي. \r\n \r\n ولقد كان من اللازم ايضا للانسحاب الاسرائىلي ان يرتبط بعملية تولي الفلسطينيين للمسؤوليات الامنية في القطاع. لان غياب الاستعداد المعلن مقدما لتولي تلك الالتزامات قد جعل الانسحاب الاسرائيلي بمثابة القاء للمفاتيح عبر السياج على امل ان تجري الامور بعد ذلك على ما يرام في غزة. لكن الذي حدث, لسوء الحظ, هو ان الامور قد اتخذت اسوأ المسارات الممكنة. \r\n \r\n ان الاخفاقات التي شهدتها غزة ومناطق فلسطينية اخرى قد ضمنت لحماس الفوز في الانتخابات وتشكيل حكومة بقيادتها. وقد ظلت حماس اكثر التزاما »بالمقاومة« منها بادارة الحكم. وهذا ما نراه جميعا الان, فالنفق الذي حفرته حماس والذي استخدم في مهاجمة الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليت واختطافه استغرق العمل فيه بضع شهور. وللرد على الذين يقولون بان حماس لم تمنح اية فرصة, نقول ان النفق نفسه يظهر ان حماس لم تعتزم ابدا التخلي عن المقاومة. \r\n \r\n واليكم مفارقة اخرى من مفارقات الوضع الراهن. فحماس التي يفترض فيها انها معارضة للاحتلال الاسرائىلي قد استجلبت اعادة احتلال جزء من غزة. وربما لا تكون اسرائيل راغبة في التواجد هناك, لكنها لن تستطيع المغادرة بسهولة اذا كانت الصواريخ ستواصل انهمارها على اسرائىل. \r\n \r\n السؤال الان هو ما الذي يمكن فعله لانهاء الازمة الراهنة وتمهيد الطريق الى مستقبل اكثر اشراقا? \r\n \r\n اولا, سوف يتحتم على رئىس السلطة الفلسطينية »ابو مازن« ان يعلن خلال الاسابيع المقبلة حالة الطوارىء في المناطق الفلسطينية وتشكيل حكومة طوارىء لا تضم افرادا من حماس وفتح. وسيكون عليه ان يعلن عن اضطلاعه بمسؤولية مواجهة الاحتياجات الحادة للشعب الفلسطيني. \r\n \r\n فاحتجاب مساعدة المانحين, وعدم القدرة على دفع رواتب الموظفين, وتعطل بعض الوظائف الحيوية للحكومة عوامل باتت تفرض معاناة مريرة على الفلسطينيين ولا بد من عمل شيء بهذا الخصوص. وفي ظروف كهذه, لن ترغب حماس في ان تبدو بمظهر من يقطع الطريق على الحاجات التي يفتقر اليها الجمهور الفلسطيني بشدة. فاذا شكل »ابو مازن« حكومة ليس فيها عضو من فتح واعلن عن اجراء انتخابات للمجلس التشريعي ولرئاسة السلطة الفلسطينية معا في خلال سنة, فان احدا لن يتمكن من الادعاء بانه يقوم باجهاض العملية الديمقراطية. \r\n \r\n ثانيا, ما ان يتم تشكيل مثل هذه الحكومة من دون حماس حتى يتوجب على المانحين تقديم مساعدة تأخذ صيغة »رزمة طوارىء« لكي تتمكن تلك الحكومة من تقديم الخدمات المطلوبة وتأكيد قدرتها على الاداء والاستجابة لاحتياجات الشعب. \r\n \r\n ثالثا, على »ابي مازن« ان يحزم امره اخيرا ويقدم على تشكيل قوة امنية مقتدرة بادارة لا تتلقى اوامرها الا منه ومن حكومة الطوارىء التي يشكلها. ويجب ان تكون تلك القوة مسؤولة عن حفظ الامن والنظام. \r\n \r\n رابعا, على افتراض ان الخطوات الثلاث السابقة قد قبلت ووضعت موضع التنفيذ, فسيكون على رئىس الوزراء الاسرائىلي ايهود اولمرت ان يتفاوض على مجموعة من التفاهمات مع »ابي مازن«. وينبغي لتلك التفاهمات ان تشمل وقفا شاملا لاطلاق النار, وليس مجرد وقف للهجمات على الاسرائيليين, وسيكون على اسرائىل, بالمقابل, ان تنسحب من غزة, وان تضع نهاية لعمليات القتل المستهدف, وان تتوقف عن عمليات المداهمة والاعتقال, عندها ينبغي الافراج عن الجندي وان يتم ذلك في تسلسل مرحلي لضمان عدم انتهاك اي جانب للاتفاق. فاذا قامت حماس او اي طرف آخر بانتهاك الاتفاق فان ذلك يعني توقف الافراج عن السجناء. \r\n \r\n خامسا, على مجلس الامن الدولي ان يتبنى قرارا يتزامن مع انسحاب اسرائىل من غزة ويعلن خروجها منها, ويطالب بايقاف اطلاق الصواريخ عليها من داخل غزة. وكما حصل في اعقاب الانسحاب الاسرائيلي من لبنان, فان الاسرة الدولية ستكون مطالبة بالنص على وجود خط للحدود بين غزة واسرائىل وان اية هجمات فلسطينية عبر ذلك الخط تعتبر غير مشروعة. \r\n \r\n سادسا, على الولاياتالمتحدة واطراف اخرى في المنطقة ان تضغط على سورية لضمان عدم قيام زعماء حماس الموجودين على اراضيها بما يمكن ان يعرقل تنفيذ ما تقدم. \r\n \r\n ليس في هذه المقترحات ما يمكن ان يعتبر سهل التنفيذ, لكن عدم بذل مثل هذا المجهود يعني ان اسرائىل سوف تظل في غزة لفترة طويلة مقبلة, وان التدهور سيسود الاوضاع, وان الحياة ستزداد صعوبة على الفلسطينيين وان المزيد من الانسحابات الاسرائيلية من الضفة الغربية سيصبح غير ممكن.