\r\n رئيس الوزراء الاسرائيلي اريئيل شارون مصمم بحرأة على المضي قدما في عملية فك الاشتباك في غزة وشمال الضفة الغربية. ويأتي هذا التصميم من اعتقاده العميق بان العملية ضرورية لضمان مستقبل اسرائيل. ومن سوء الحظ ان تخفق الزعامة الفلسطينية في ملاقاته عند منتصف الطريق, حيث اتاح رفض السلطة الفلسطينية لمبدأ نزع سلاح المنظمات الفلسطينية الفرصة لاعادة تنظيم انفسهم وتجديد الهجمات القاتلة ضد الاسرائيليين, مما فاقم المصاعب التي تكتنف عملية فك الاشتباك ويلقي بالظلال القاتمة على امكانية تحقيق تقدم مستقبلي. \r\n \r\n تكشف الزيادة الحادة في عدد الهجمات الفلسطينية المسلحة, وخصوصا في الاسبوع الماضي, عن هشاشة الموقف. ففي الوقت الذي تلتزم فيه اسرائيل بانجاز عملية فك الاشتباك وفقا للخطة المرسومة لها, فاننا لا نستطيع ان نقف مكتوفي الايدي فيما يتعرض مواطنونا المدنيون للهجوم. والزمن لا يسير في صالح اية محاولة من جانب الزعامة الفلسطينية لمواجهة المقاتلين. فلو ان السلطة اخفقت في التصدي لهذه المواجهة, فان اسرائيل ستكون مرغمة على اتخاذ الخطوات الضرورية للدفاع عن شعبها. ولكي لا يضيع الفلسطينيون فرصة تاريخية اخرى, فان على العالم ان يصر على قيامهم بالقضاء على المقاومة فورا. \r\n \r\n بعد العديد من المحاولات الفاشلة من جانب الاسرائيليين والفلسطينيين للتوصل الى تسوية سلمية على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية, قرر شارون ان يطرق سبيلا مختلفة. ان فك الاشتباك يمثل في الواقع مهمة سياسية واستراتيجية وتاريخية جسيمة تهدف الى تخفيف الاحتكاك بين الاسرائيليين والفلسطينيين, واعادة تحريك العملية السلمية, وتوفير فرصة فريدة للفلسطينيين لبناء مؤسسات الحكم الذاتي المسؤول. \r\n \r\n وهي, في الوقت ذاته, تضع عبئا ثقيلا على الاف الاسرائيليين المدعوين الى مغادرة مساكنهم من دون رغبتهم رغم ان الكثيرين منهم يعيشون في تلك المنازل منذ ثلاثة اجيال. وسوف تقوم وحدات غير مسلحة مدربة خصيصا لهذا الغرض بالانتقال من دار الى دار كجزء من عملية لوجستية واسعة النطاق تشمل 50 الف منتسب للقوات الامنية الى جانب فرق من العاملين في الحقل الاجتماعي والاطباء النفسانيين. وسوف تزول من الوجود مجتمعات سكانية حية البعض منها قائم منذ اكثر من ثلاثين عاما. وسوف تغلق مصانع وحقول وتتوقف تجارات واعمال ومصالح, كما سيتم نقل المدارس والمقابر ودور العبادة الى مواقع اخرى. وسوف تتميز عملية نقل رفات الموتى, وبضمنهم اولئك الذين سقطوا نتيجة المقاومة, بأثر نفسي مؤلم. \r\n \r\n ان صدمة فك الاشتباك قد احدثت تصدعات خطيرة في المجتمع الاسرائيلي. ففي الوقت الذي تدعم فيه غالبية الجمهور الاسرائيلي عملية الانسحاب, يعارضه الكثير من الاسرائيليين لاسباب معنوية ودينية وامنية. وقد اظهر شارون ثباتاً قوياً بوجه ردة فعل سياسية غير مسبوقة صدرت عن مؤىديه التقليديين ولا يمكن الان استبعاد حدوث مقاومة عنيفة على ضوء ما نشهده من معارضة سياسية مكثفة وعصيان مدني متزايد. وبغض النظر عن النتائج, فان من المؤكد ان تعاني اسرائيل من تداعيات فك الاشتباك لسنوات عديدة مقبلة. فما يتعرض للتهديد اليوم لا يقتصر على نجاح عملية فك الاشتباك وحدها بل يتعداه الى نسيج المجتمع الاسرائيلي نفسه. \r\n \r\n ومما زاد الطين بلة, تصاعد موجة القلق العامة في اسرائيل نتيجة تجدد العنف المسلح الفلسطيني بما فيه الهجمات الانتحارية واطلاق الصواريخ واطلاق النار من السيارات. وبدلاً من مواجهة المنظمات المسؤولة عن ذلك ونزع سلاحها, عمد محمود عباس الى دعوة حماس للمشاركة في حكومته, الامر الذي سوف يختم المنظمة الفلسطينية بختم الاقرار الموسمي. وكانت نتيجة ذلك تشجيع حماس, والحاق المزيد من الضعف بالسلطة الوطنية, واشاعة المفهوم الخطر الذي يوحي بأن فك الاشتباك انتصار للمقاومة اكثر من كونه فرصة للسلام. \r\n \r\n ينبغي لمحمود عباس ان ينتهز الفرصة ويقود الفلسطينيين نحو السلام. حيث لا بد من نزع سلاح المنظمات, تبعاً لما تنص عليه خطة »خارطة الطريق« اذا اريد للدولة الفلسطينية ان تقوم. ان هذا الامر غير خاضع للنقاش. فغزة هي الفرصة والاختبار معاً بالنسبة للزعامة الفلسطينية. فهل ستثبت هذه الزعامة قدرتها على حكم مجتمع ديمقراطي فعال مكرس لتحسين شروط حياة مواطنيه, ام انها ستبدد هذه الفرصة المتاحة? ان اسرائيل, بعد مغادرتها غزة, لن تصلح كذريعة لتبرير الاخفاق الفلسطيني. \r\n \r\n ان التأييد المبدئي والثابت الذي تقدمه الاوساط السياسية الامريكية بحزبيها الرئيسيين لاسرائيل كان عنصراً حيوياً في تمكيننا من التغلب على المقاومة الفلسطينية واعداد الارضية, اللازمة للمبادرة السياسية, وما كان لفكرة فك الاشتباك ان تطرأ على بال احد لو لم تكن اسرائيل قد خرجت منتصرة من الجولة الاخيرة من العمل المسلح المستدام الذي شنه عليها الفلسطينيون منذ عام .2000 \r\n \r\n ان المجازفة التي تقوم بها اسرائيل كبيرة فنحن دولة قوية لكنها دولة صغيرة تواجه منطقة معادية بغالبيتها تفوق حجمها بحوالي 500 ضعف. وليس بمقدرونا الوقوع في الخطأ وها هو برنامج الاسلحة النووية الايراني يمثل خطراً داهماً يتهدد وجودنا. وتدعم كل من سوريا وايران الجماعات الفلسطينية المصممة على تدميرنا. وقد كثف حزب الله هجماته ضد اسرائيل من لبنان فاتحاً جبهة ثانية الغرض منها اعاقة تحقيق اي تقدم. \r\n \r\n وعلى الرغم من كل هذه التحديات, فان اسرائيل قد اظهرت استعدادها للقيام بخطوات صعبة تنفيذاً لرؤية الرئيس بوش للسلام في الشرق الاوسط, وعلى العالم ان يصر على ان يقوم الفلسطينيون بالمثل. \r\n