\r\n ومن اجل ان يدرك الامريكيون حجم التغيير الذي طرأ بمقتل الزرقاوي على هذه الحركة لا بد لهم ان يقوموا بعمل لم نتعود, نحن الامريكيين على القيام به, وهو النظر الى المشهد العالمي بدلا من الانشغال بِعدّ الاشخاص الامريكيين الذين يقتلون في الهجمات الارهابية, ذلك لان تركيزنا على غياب الهجمات الموجهة ضد الامريكيين قد ادى بنا الى تدهور خطير في حجم القلق الامريكي من الارهاب. وقد اظهر استطلاع اجرته شبكة سي.بي.اس الفضائية الشهر الماضي بان 3% فقط من الامريكيين يعتقدون بان الارهابيين يمثلون الخطر الاكبر الذي يواجه الولاياتالمتحدة. وما تركه لنا الزرقاوي من ارث يدعونا ان نرفع اهتمامنا بهذا الامر الى درجات اعلى بكثير. \r\n \r\n في العراق, لاقت جهود الزرقاوي الرامية الى اشعال النزاع الطائفي نجاحا كبيرا واثبتت فاعلية متميزة. وعلى الرغم مما يردده المسؤولون الامريكيون منذ ثلاثة اعوام عن كون المجموعة التي يترأسها الزرقاوي ليست سوى مجموعة صغيرة من المقاتلين الاجانب لا يشكلون بمجموعهم سوى نسبة ضئيلة من المتمردين في العراق, فان الواقع يشير الى ان العنف الذي يمارسونه هو الذي بات يرسم وجهة التمرد خصوصا عندما يتجلى في الهجمات الخطيرة وواسعة النطاق مثل تدمير القبة الذهبية في سامراء في شهر شباط الماضي. \r\n \r\n لقد كان العنف الذي يمارسه الزرقاوي شرسا لا يميز بين فرد وآخر. وبسبب مسؤوليته عن قتل اعداد كبيرة من المسلمين فانه قد ولد ما يسميه الخبراء ب ̄ »تأثير الزرقاوي«: وهو تنفير المسلمين من الحركة الجهادية, ذلك التنفير المسؤول عن ابعاد اعداد من اخوته في الدين عن الاصولية تفوق الاعداد التي ابتعدت عنها بفعل حملة الدمقرطة الامريكية. \r\n \r\n لكن هذه الحقيقة لا تمثل سوى ردة فعل اقلية من المسلمين. في حين يمكن المراهنة باطمئنان على كون العداوات قد وصلت درجة من التصعيد لم تعد معها في حاجة الى الاستفزازات القاتلة التي يمارسها الزرقاوي. \r\n \r\n يشكل الزرقاوي بخلفيته المبكرة في ميدان الجرائم الصغرى النقيض الكامل لاسامة بن لادن الثري المنتمي الى الاسرة المتنفذة. وقد كان الرجلان متنافسين اكثر من كونهما متعاونين. وكانت قيادة القاعدة, التي تفضل الارهاب »واسع الخيمة« كما تدعوه, قد حذرت الزرقاوي في تشرين الاول 2005 من مغبة عمليات القتل التي تستهدف الشيعة. لكن الزرقاوي تجاهل التحذير على ما يبدو. \r\n \r\n وعلى الرغم من افتقاره الى المكانة التي يحتلها بن لادن, فان النتائج قد تظهر ان الزرقاوي قد ترك على مصير الشعوب اثرا لا يقل عن الاثر الذي تركه بن لادن. لقد نظر الى العراق باعتباره القاعدة التي تنطلق منها النشاطات الرامية الى زعزعة دول في الشرق الاوسط, وابتداء من شهر تشرين الثاني الماضي كان قد بدأ فعلا بتصدير الارهاب الى الاردن حيث قام اتباعه بتفجير ثلاثة فنادق في عاصمتها عمان. \r\n \r\n يضاف الى ذلك ان نجاحها في استغلال الغضب المتفشي في صفوف السنة العراقيين بعد الغزو الامريكي بات يهدد باشعال مواجهة اوسع بين المذهبين الاكبر في الاسلام وهو تهديد يتجاوز حدود العراق ليشمل اجزاء كبيرة من العالم الاسلامي. \r\n \r\n هناك مخاوف متصاعدة من توترات مذهبية محتملة في عدد من الدول الاسلامية في الشرق الاوسط خصوصا تلك الدول التي تضم اقليات شيعية مثل لبنان وبعض دول الخليج وباكستان. فلو كان للنزاع الطائفي في العراق ان يتفاقم فان دولا سنية مجاورة مثل تركيا او المملكة العربية السعودية قد تجد نفسها في مواجهة مع ايران الشيعية كما وصل تأثير الزرقاوي الى مناطق ابعد خارج حدود الشرق الاوسط. ففي اوروبا ومناطق اخرى من العالم تثور مخاوف رجال الاستخبارات والامن من الشبكة التي اسسها الزرقاوي بسرعة فائقة. حيث ان شبكة الزرقاوي قد اضافت مصدرا جديدا من مصادر القلق لتلك الجهات الدولية التي تحاول وضع اسس التعامل مع الفريق الجديد من الارهابيين »الذاتيين« امثال اولئك المسؤولين عن تفجيرات لندنومدريد. \r\n \r\n تفيد المعلومات المتوفرة لدى المركز الوطني الامريكي لمكافحة الارهاب ان عملاء الزرقاوي موجودون حاليا في 40 دولة وهم مرتبطون ب ̄ 24 منظمة متطرفة. في محاكمة تخص قضية ارهابية جرت الخريف الماضي في المانيا, صرح القاضي بان »الزرقاوي يجب ان يكون موجودا في قفص الاتهام« وفي افغانستان يعتقد الخبراء الاستخباريون بان الزرقاوي هو المسؤول عن نشر عملاء تابعين له للقيام باعمال عنف ضد الحكومة الافغانية وقوات الناتو الموجودة في البلاد. \r\n \r\n ان مقتل الزرقاوي الذي يعني قطع رأس تلك الشبكة قد يضعف فاعليتها, لكننا يجب ان لا نرفع سقف الامل عاليا. فما من احد كان يتوقع قبل الزرقاوي, ظهور شخص يماثل اسامة بن لادن او يتفوق عليه, ومن هنا سيكون من الحماقة التنبؤ سلفا بعدم ظهور شخص يحتل مكانة الزرقاوي. \r\n \r\n يقول مارك انطونيو في مسرحية يوليوس قيصر للشاعر الكبير ويليام شكسبير ان »الاذى الذي يرتكبه المرء يحيا بعده« والواقع ان الاذى الذي يخلفه ابو مصعب الزرقاوي يفوق نصيب الانسان العادي من الاذى بكثير. ولعل الدرس الاهم الذي خلفه حكم الارهاب الذي قاده يتمثل في كونه المرآة التي كشفت حجم سوء تقديرنا لحجم الخطر الجهادي. \r\n \r\n فقد كان المسؤولون الاستخباريون العسكريون يعلمون بوجوده في العراق وتنقله بين مدنه قبل الغزو الامريكي لذلك البلد. لكنهم لم يدركوا ابدا انه كان في صدد الاعداد للتمرد. \r\n \r\n فقد وجدت ادارة بوش ان بوسعها ان تحقق فائدة اكبر من الاشارة الى كون الزرقاوي جهة ارتباط بين صدام حسين وتنظيم »القاعدة«. وهو امر لم يكن صحيحا في حينه. ويقال ان ادارة بوش قد ضيعت فرصتين لضرب معسكره في المنطقة الكردية في شمال العراق اعتقادا منها بان في ذلك خروجا على هدفها الاهم وهو الاطاحة بصدام. \r\n \r\n عندما آن للادارة الامريكية اخيرا ان تدرك مدى اهمية الزرقاوي, كانت شبكته قد اسست واخذت في التوسع والنمو. في هذه المرحلة قرر الامريكيون تقديمه بصفته محورا لمجموعة صغيرة من الاجانب في العراق. لكن الخطر الجهادي حقق تحولا جديدا في هذه المرحلة بظهور الارهابيين »الذاتيين« في الخارج وتنفيذهم لعدد من الهجمات. وتكفي الاشارة الى اعتقال 17 متآمرا في تورنتو هذا الاسبوع للتدليل على عالمية الحرب الجهادية. \r\n \r\n لكن الحكومة والصحافة في امريكا ما تزالان تكرران الخطأ نفسه وهو الاعتقاد بوجود نوع خالص من الارهاب الجهادي في كل مرحلة سواء كان الارهاب الهرمي كما في القاعدة, او الارهاب الانتشاري كما في حالة اتباع الزرقاوي في العراق, او الارهاب »الذاتي« كما في لندن. في حين ان الواقع يشير الى ان الامر اكثر تعقيدا. \r\n \r\n فالمسؤولون الاسبان قالوا بوجود علاقة للزرقاوي بتفجيرات مدريد, وكان عدد من مرتكبي تفجيرات لندن قد انتقلوا الى باكستان للحصول على التدريب, وهناك ادلة تشير الى ارتباط المشتبه بهم في تورنتو بجهات مرتبطة بالزرقاوي. \r\n \r\n يشكل الجهاديون حركة اجتماعية وهي ليست مجرد تجمع لمنظمات ارهابية. وهم يتمتعون بقدرة لا حد لها في التكيف مع الظروف المحيطة بهم وانتهاز الفرص السانحة. وهم يستفيدون كثيرا من مفاهيمنا الخاطئة واحكامنا المتحجرة بصددهم والتي لن تسمح لنا بالتمكن منهم الا عندما نمتلك تفكيرا يضاهي تفكيرهم في مرونته وقدرته على الابتكار. \r\n