ويقول هؤلاء المسؤولون والخبراء انه على العكس من ذلك، فان التقييم المضخم من قبل إدارة الرئيس جورج بوش لجهودها ونجاحاتها، بما يشيعه من روح التفاؤل، إنما يخفي فشلها الاستراتيجي في تفهم ومحاصرة التطورات الاستراتيجية التي حققتها «القاعدة». وقد كانت القاعدة، حتى قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، منظمة رخوة الروابط ومرنة العلاقات، بالرغم من أن كبار قادتها ظلوا يمارسون نفوذا حاسما في تحديد عملياتها. وبعد أن فقدت قاعدتها في أفغانستان فإن المنظمة نشرت أذرعها وراياتها في كل العالم وظهرت من جديد كأكثر التنظيمات الآيديولوجية فتكا. \r\n وتشير مقابلات صحافية أجريت في عدة قارات خلال الاشهر الاخيرة، الى أن أسامة بن لادن أصبح مصدر إلهام للعديد من الناشطين أكثر منه قائدا ميدانيا أو تنفيذيا. وقد وجد المتطرفون في العراق مصدرا خصبا لتغذية غضبهم، كما أنهم اعتبروا كل الدول الغربية والعربية أهدافا مشروعة لهجماتهم. وبدلا من التدريبات المطولة والمتخصصة التي كانت تتيحها أفغانستان، فان المقاتلين أصبحوا يتلقون تدريبهم الآيديولوجي في منازلهم ويدفع بهم من هناك الى ميادين القتال. \r\n ومع أن الولاياتالمتحدة ما تزال الهدف الأكبر للهجمات، فان المراقبين ينتابهم القلق من التغيير الذي طرأ على تكتيكات «القاعدة»، إذ أصبحت تلجا للعلميات الصغيرة المحدودة التكلفة والمتزامنة، بدلا من العمليات الكبيرة التي يستغرق الإعداد لها سنينا طويلة. ومن الواضح أن آثار هذه الضربات الصغيرة يمكن أن تكون هائلا. فالتفجيرات التي حدثت في الدار البيضاء في مايو (أيار) 2003، هزت التجربة الديمقراطية المغربية الغضة، وأدت الى اعتقالات واسعة وادعاءات بممارسة التعذيب. كما أن تفجيرات القطارات في مدريد أدت الى تغيير الحكومة الإسباينة وسحب قواتها من العراق. \r\n ويقول المسؤولون ان «القاعدة» استفادت كثيرا من الانتشار السريع للفكر الأصولي الراديكالي وخاصة وسط الشباب الغاضب على السياسات الغربية، والذي يستمد إلهامه من مواقف الدول الغربية من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتعجبه حركة المقاومة في العراق. \r\n ويشير مايكل شاور كبير ضباط مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. إيه)، الى المشكلة التي تواجهها أجهزة مكافحة الإرهاب عندما يقول إن عناصر تلك الأجهزة انتهى بها المطاف الى «مطاردة أذيالها» وهي مشغولة باعتقال المشتبه فيهم ومتابعة الخيوط التي تؤدي إليهم، وذلك على حساب مواجهة الانتشار السريع لخلايا «القاعدة» في مختلف أنحاء العالم. \r\n ويلعب شاور، الذي كان رئيسا لوحدة أسامة بن لادن في (سي. آي. إيه) في الفترة 1996 1999، حالياً دورا اكبر في مجال مكافحة الإرهاب بالوكالة. وقد ألف كتاب «الغرور الإمبريالي»، الذي صدر حديثا وينتقد سياسة الولاياتالمتحدة في مكافحة الإرهاب. وقد تمت مقابلته لإعداد هذا التقرير قبل أن تحد الوكالة من حريته في الحديث الى الصحافة. \r\n ويبدو أن «القاعدة» أصبحت حاليا أيديولوجيا، أكثر منها منظمة، وقد أخذت تنتشر في شكل الخلايا التي شبت تحت تأثير هجمات 11 سبتمبر. وتقول سلطات مكافحة الإرهاب وتطبيق القانون إن «القاعدة» توزعت الى وحدات مستقلة، وإنهم لا يعرفون حجم التحكم المركزي الذي يمارس على هذه الوحدات. ويقول المسؤولون ان الهجمات التي نفذت خلال الأشهر الستة عشرة الأخيرة في كل من السعودية والمغرب وتركيا تمثل نمطا واحدا يمكن إرجاعه كله الى اسامة بن لادن. وتشير المحادثات الملتقطة بين إيران والسعودية الى أن هجمات 12 مايو 2003 في الرياض قادها مطارد من «القاعدة» كان موجودا في إيران. ويقول المسؤولون إن تلك التفجيرات اعد لها فيما يبدو سيف العدل، الحارس السابق لابن لادن الذي يعتقد انه صار القائد العسكري للقاعدة حاليا. لكن المسؤولين الاستخباراتيين الغربيين يقولون إن سيف العدل ليس سوى واحد من قادة كثيرين آوتهم إيران ووضعتهم في أماكن آمنة. لكن إيران تنفي ذلك. \r\n وتقول السلطات المغربية والأوروبية إن الضوء الأخضر لتنفيذ هجمات الدار البيضاء في 16 مايو 2003، أي بعد أربعة أيام فقط من هجمات الرياض، قد صدر قادة في «القاعدة» اجتمعوا في اسطنبول في يناير (كانون الثاني) من نفس العام. وتقول السلطات إن الشبان الذين نفذوا العمليات الخمس المتزامنة جندهم احد عناصر «القاعدة» المخضرمين. كما أن العناصر الإرهابية التركية التي فجرت كنيسين يهوديين، والقنصلية البريطانية ومقر مصرف بريطاني، في اسطنبول، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2003، موقعة أكثر من 60 قتيلاً، تسلمت أموالها من «القاعدة» والمنظمات المرتبطة بها. وقد برزت هذه الحقائق من خلال الشهادات التي أدلى بها المتهمون في التفجيرات والذين بلغ عددهم 69 شخصا. \r\n وقد شهد احد هؤلاء، يدعى عدنان ارسوز، انه نظم اجتماعا في أغسطس (آب) 2001، بأفغانستان، بين حبيب أكداس، قائد الخلية التركية، ومحمد عاطف (أبو حفص المصري) قائد «القاعدة» الذي قتل لاحقاً في غارة جوية في أفغانستان. وقال الشاهد إن أكداس تلقى وعدا بدعم مالي من «القاعدة»، لكنه بعد انهيار حكومة طالبان طلب العون من خلايا «القاعدة» في سورية وإيران، لكنه لم يحدد هذه الخلايا. وقد هرب أكداس إلى العراق مباشرة بعد تفجيرات اسطنبول وساهم في خطف عدد من العمال الأتراك هناك، حسب معلومات السلطات التركية. \r\n وتكلف هذه الهجمات الصغيرة مبالغ مالية ضئيلة مقارنة بنصف المليون دولار التي كلفتها هجمات 11 سبتمبر، لكنها تشير الى أن «القاعدة» تأقلمت مع ظروفها الجديدة وحاولت امتصاص الهجمة العالمية على مصادر تمويلها. وقال محمد بوزوبع، وزير العدل المغربي، إن هجمات الدار البيضاء أدت الى مقتل 45 شخصا وكلفت حوالي 4 آلاف دولار. \r\n وتربط منفذي هجمات مدريد علاقات قديمة بخلايا «القاعدة» في إسبانيا والمغرب وغيرهما. لكن المحققين لم يتوصلوا حتى الآن الى أدلة تفيد بأن المنفذين تلقوا أموالا أو دعما لوجيستيا من الخارج في تنفيذ تلك التفجيرات التي أدت الى قتل 191 شخصا. وحققت الأساليب التي استخدمت في تنفيذ هجمات الدار البيضاءومدريد، ما يسميه الخبراء الأوروبيون ب«أسوأ السيناريوهات»، وهو ظهور مجموعات محلية لا تملك خبرات سابقة، وتتصرف باستقلال عن قادة «القاعدة» المعروفين. \r\n ويعتقد بعض خبراء مكافحة الإرهاب، مثل ريتشارد كلارك، الرئيس السابق لشعبة مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، أن الحرب على العراق قد أشعلت غضب الحركات المتشددة في كل أنحاء العالم. وبينما يعبر ريتشارد كلارك عن آرائه هذه علنا، فان كثيرا من المسؤولين الحكوميين يدلون بها سرا، ويقولون إن الحرب ضد العراق قد وسعت من دائرة المشاركين في الأعمال الإرهابية. \r\n ومع أن المسؤولين الأميركيين يعتبرون أكثر تفاؤلا من رصفائهم في الخارج، فإنهم يعترفون بأن هناك فراغات كثيرة لا تسمح لهم بفهم الحجم الكلي للخطر. وقال مسؤول كبير في مجال مكافحة الإرهاب في إدارة بوش: «يمكننا القول إننا في ضوء ما فهمنا ورأينا، خاصة في ضوء الأحداث الأخيرة، فإننا قد خطونا خطوات جبارة في سحق «القاعدة»، ومع ذلك فإننا نقول إن هناك عناصر تنفيذية صعدت الى أعلى، بكل مقدراتها العملياتية، وانه ما تزال هناك بقايا يمكنها ممارسة عملية السيطرة والتحكم». \r\n ومن الألغاز المحيرة، الدور الذي يلعبه الآن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في الجوانب العملياتية. واللغز الآخر هو مدى التنسيق القائم بين هذه القيادة وبين ما يحدث في العراق. وقد أوردت الإدارة، مرات عديدة، الدور الذي يلعبه الأصولي الأردني أبو مصعب الزرقاوي في العراق، باعتباره دليلا على العلاقة بين العراق و«القاعدة»، لكن الخبراء يقولون إن الزرقاوي ظل يعمل مستقلا عن أية جهة أخرى منذ فترة ليست بالقصيرة. ويعتقد المحققون أن هناك صلات بين المشتبه في مشاركتهم في هجمات مدريد وشبكة الزرقاوي. وقد وجدوا دليلا على محور عملاني وآيديولوجي يربط المقاتلين الذين يتوجهون الى العراق من أوروبا وشمال أفريقيا، ويطرح خطر قيامهم بجلب العنف معهم الى بلادهم. وفي يونيو (حزيران) الماضي اعتقلت الشرطة الإيطالية ربيع أسامة سيد أحمد، المصري المشتبه في لعبه دورا بارزا في هجمات مدريد. \r\n وفتحت السلطات الفرنسية يوم الأربعاء الماضي تحقيقاً حول شبكة تشارك في تجنيد المتطرفين ومساعدتهم في التوجه الى العراق، لكن حتى الآن لم يصل تدفق هؤلاء الأجانب الى الآلاف الذين توجهوا الى أفغانستان قبل عام 2001 . وما يزال المحققون الأوروبيون قلقين على وجه الخصوص بشأن الحركة المتزايدة للشبان الذين يتوجهون للقتال في العراق، وأثر ذلك على المستقبل. وقال دي بوسكيت دي فلوريان، رئيس الاستخبارات الفرنسية، إن «مخاوفنا تتمثل في أنهم يذهبون ويصبحون تهديدا لبلداننا. نحن نولي اهتماما كبيرا، ذلك انه ما أن يذهب هؤلاء الأشخاص الى العراق للتدريب فإنهم يتعلمون كيفية استخدام الأسلحة والمتفجرات. نخشى تحول العراق الى أفغانستان او شيشان جديدة». \r\n ويصعب تحديد من يقف وراء الهجمات في العراق. ويلقي الجيش الأميركي والسلطات العراقية كثيرا من اللوم بشأن العنف على مقاتلين أجانب، من جنسيات أخرى، ممن يظهرون على أشرطة الفيديو وهم يتلون وصايا قبل تنفيد التفجيرات الانتحارية. وقال سعودي القي القبض عليه أثر فشل عملية تفجير سيارة مفخخة ببغداد أخيرا أنه تسلل عبر الحدود وأعطي 200 دولار ومفاتيح سيارة وطلب منه مهاجمة قافلة عسكرية. \r\n لكن البعض يقولون أن إلقاء المسؤولية عن الهجمات الانتحارية على شبكة الزرقاوي والمقاتلين الأجانب على العموم يتجاهل الجوانب الداخلية للتمرد ويغفل الأواصر المتنامية بين العراقيين والتشدد الأصولي. \r\n وفي تفكيكها لمخطط تفجيرات الدار البيضاء، اكتشفت السلطات المغربية والأجنبية أن المفجرين لم تكن لديهم صلات سابقة بالتطرف، الأمر الذي يعني أن التعرف عليهم مسبقا كان أمرا مستحيلا تقريبا. وحددت السلطات المغربية كريم المجاطي، وهو مغربي شارك في القتال في أفغانستان، باعتباره الشخص الذي جندهم وتلقى ضوءا أخضر بشن الهجمات في اجتماع اسطنبول. وعلى خلاف مجنديه كان المجاطي متعلما وقضى وقتا في الولاياتالمتحدة في أواخر التسعينات، وما يزال مختفيا عن الأنظار حتى الآن. \r\n وكان المجاطي قد جند الشبان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، وأصيبت السلطات بالذهول جراء السرعة التي حولهم بها الى مفجرين انتحاريين. \r\n وأحبطت الشرطة المغربية عددا من الهجمات في مدن أخرى كانت خلايا شكلها المجاطي وآخرون تدربوا في أفغانستان، تعتزم القيام بها، وفقا لما أورده المحققون. \r\n وكانت واشنطن قد أقرت تخصيص عشرات ملايين الدولارات في إطار التعاون مع المغرب في مكافحة الإرهاب. وفي يوليو (تموز) الماضي، انتقل ثلاثة من موظفي مكتب المباحث الفيدرالي الأميركي (إف. بي. آي) الى السفارة الاميركية في الرباط للعمل مع نظرائهم المغاربة. وعين ضابط في سلاح البحرية (المارينز) للمساعدة في مراقبة الوضع في مضيق جبل طارق خشية وقوع هجمات إرهابية هناك. \r\n وقد تم إحباط هجومين خطط لهما في الأشهر الاخيرة، بينهما واحد ضد هدف أميركي، قبل ساعات فقط من تنفيذهما، وفقا لما قالته السلطات في الرباط. واكتشفت الشرطة أيضا أن احد حراس الأمن الخاص في السفارة كان يقدم تقارير عن تحركات الدبلوماسيين الى جماعة متطرفة. \r\n أما في اليمن، فقد ساعدت الحكومة الاميركية، بعد تفجير المدمرة الاميركية «كول» في عدن عام 2000، السلطات اليمنية على تدريب وتأهيل قوات الأمن اليمنية، وحاولت إقناع الحكومة ببذل المزيد في مجال مواجهة المتطرفين. لكن الدبلوماسيين يقولون إن بعض المناطق في اليمن لا تزال خاضعة لسلطة القبائل، مما يشكل مكاناً مثالياً للمقاتلين. وأفاد مسؤولون أميركيون وسعوديون بأن اليمن كان المصدر الرئيسي للأسلحة والمتفجرات التي استخدمت في هجمات شهدتها السعودية. وقال مسؤول أميركي كبير في مجال مكافحة الإرهاب: «لا يزال اليمن بلدا يصعب التحكم فيه الى حد كبير. لقد أنفقنا بعض الأموال والوقت والجهد هناك، لكننا لم نحصل على الكثير مقابل ذلك». \r\n ومن جانبه، نفى وزير الخارجية اليمني، أبو بكر القربي، أن يكون اليمن يؤوي حالياً عناصر من «القاعدة». وقال عن المعلومات السابقة إنها «قديمة»، مشيراً الى أن الإرهابيين طردوا عام 1995 ومرة أخرى بعد تفجير المدمرة «كول». \r\n \r\n خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص ب «الشرق الأوسط»