وثبت تورط مسؤولين سودانيين رفيعي المستوى في مجازر دارفور. وينصرف المدعي العام الى التحقيق مع الضحايا، ويجمع الشهادات، ويقارنها بالأوامر الحكومية. وتزعم حكومة الرئيس عمر حسن البشير، أن المحكمة الدولية من غير جدوى. فالقضاء السوداني أجرى تحقيقاته الخاصة، ولاحق المتورطين، وأنشأ محكمة جنائية خاصة بدارفور. ويصطدم القانون الدولي بالسيادة الوطنية والواقع. فالمحكمة الدولية تفقد صلاحياتها إذا ثبت قيام المحكمة الوطنية بواجباتها. \r\n \r\n وفي حين يعم الهدوء بعض شوارع نيالا، عاصمة دارفور الجنوبية، يستشري العنف في بعض الأحياء إلى حد استحقاقها لقب «الفلوجة». وتحتضن نيالا مؤسسة «أمل» الاهلية. ويعاين بعض الأطباء المتطوعين في «أمل» ضحايا الهجمات، وينظر فريق من المحامين السودانيين والأفارقة والعرب في قضايا القتل والنهب والاغتصاب. وتبرز ثريا هارون دالدون، أو «سيدة المحكمة الدولية» على ما يلقبها زملاؤها، بين المحامين. فهي دافعت عن مجموعة من الرجال تعرضوا للتعذيب على أيدي قوات الأمن الوطنية. وتقول ثريا انها نقلت إلى المدعي العام أسماء الجناة، ولم تلق منه جواباً، ومُنعت من تولي القضية. وتشكو ثريا مراقبة السلطات لها. وعلى رغم رفعها مئات شكاوى الاغتصاب الى المحاكم السودانية، لم تسجل إدانة واحدة بدارفور. وقبائل دارفور جميعها مسلمة، ونضالها لا يختلف عن نضال القبائل السودانية بالجنوب. فهذه القبائل تتمرد على تهميشها اقتصادياً وسياسياً. واندلع النزاع بدارفور في مطلع 2003، إثر مهاجمة المتمردين قاعدة جوية شمالي دارفور. واعتبرت الحكومة الهجوم هزيمة مذلة للرئيس ولجهازه الأمني. فجندت ميليشيات محلية (الجنجاويد) لمواجهة التمرد، وحملت القبائل على مواجهة بعضها البعض. وتعني كلمة جنجاويد حرفياً «الشياطين الخيالة»، ومجرد التفوه بها يثير الرعب في نفوس سكان دارفور. \r\n \r\n وأعضاء الجنجاويد هم من مربّي مواشي قبائل العرب الرحّل، بدارفور وتشاد المجاورة. وهم من الفقراء والأميين التواقين الى الحصول على أرض وغنائم، على ما وعدتهم السلطات. وعلى رغم سيطرتها على هذه الميليشيات وانضمام عدد كبير من الجنجاويد الى الجيش الوطني، تلقي السلطات السودانية اللائمة كلها على هذه الميليشيات. ومنذ آب (أغسطس) 2004، وثق مركز «أمل» 72 ألف اعتداء في القرى المفجوعة، على غرار قرية مارلا. ففي نيسان (أبريل) 2005، أعلن محافظ جنوبي دارفور عطا المنّان أن في وسع أبناء مارلا رفع دعاوى قضائية على المعتدين عليهم من رجال الامن. وتعهد المنان إنشاء لجنة تحقيق، فجاء مدع عام من الخرطوم وقدم تقريره، وعاد أدراجه. وعلى اثر هذا التقرير، استمع القضاء الى المدعين على أعضاء من الجيش، وكشف هؤلاء اسماء المعتدين عليهم، والى شهادات الشهود. وبعد خروج المدعين من قاعة المحكمة، ألُقي القبض عليهم واختفوا، بينما أطلق سراح المتهمين. وفي الخريف الماضي، لم تنظر المحكمة الخاصة بدارفور سوى في ست قضايا، من ضمنها قضية اغتصاب. وطلبت المحامية ثريا هارون مثول الشابة - الضحية أمام المحكمة في جلسة مغلقة، فرفض القضاة طلبها، وتالياً، لم تتجرأ الفتاة على الإدلاء بشهادتها. ولعل أقسى عقوبة أنزلتها المحكمة على جانٍ، هي تلك الصادرة في حق سارق سرق ثمانين خروفاً. وهذا لا يعني ان المحاكم السودانية لا تعمل. فهذه حكمت في طيارين في سلاح الجو متحدرين من إقليم دارفور، بالسجن نحو عقدين من الزمن، لرفضهم الاشتراك في الإبادة الجماعية، وقصف مسقط رأسهم. وتتلاعب حكومة الخرطوم بالمجتمع الدولي. فبعدما كان الاتحاد الأوروبي من أشد مناصري المحكمة الدولية، بدأت معالم التردد تظهر عليه مخافة اتهامه بإرساء استعمار جديد. وعلى رغم موافقتهما على رفع ملف دارفور أمام المحكمة الدولية، يلقي اهتمام الصين وفرنسا، وهما عضوان دائمان في مجلس الامن، بالنفط السوداني، ظلال الشك على التزامهما قضية دارفور. وتحذر روسيا من المحكمة الدولية التي قد تنظر في المستقبل في مسألة الشيشان. وساندت دول الجوار السوداني والاتحاد الإفريقي مبادرات السلام بالسودان. والحذر من الدعم الافريقي واجب. فالمشكلات بين نظام البشير ودول الجوار كثيرة، وخصوصاً مع تشاد. وهذه على قاب قوسين من دخول حرب مع السودان. وأما الموقف الأميركي من دارفور فأقل ما يقال فيه انه مبهم. فإدارة بوش تسعى في تعطيل عمل المحكمة الدولية. وتضغط على الدول الموقعة على اتفاق المحكمة الدولية لتوقع معها اتفاقات تمتنع بموجبها من تسليم أي مواطن أميركي إلى هذه المحكمة. ولعل سماح واشنطن بإحالة قضية دارفور إلى مجلس الامن، هو مؤشر الى تغير موقفها. \r\n \r\n «نيويورك تايمز ماغازين» الاميركية،