\r\n لكن رغم الأهمية الكبرى التي تكتسيها تلك القضايا لما تثيره من وجهات نظر متباينة، تتمحور القضية الأهم التي تشغل السياسيين في الوقت الراهن حول من سيرأس الحكومة الجديدة بصلاحياتها الواسعة. فبعد مرور ستة أسابيع على الانتخابات البرلمانية التي أفرزت نتائج متقاربة لم يتضح بعد من سيتولى منصب رئيس الحكومة الجديدة. وتكمن صعوبة التكهن بذلك وسط الاتهامات المتبادلة التي طغت على ساحة النقاش السياسي بين حلفاء الرئيس فيكتور يوشينكو الذين انضموا إليه أثناء تزعمه للاحتجاجات الشعبية ضد الانتخابات المزورة في 2004 وأدت إلى سقوط غريمه ممهدة له الطريق لاعتلاء كرسي الرئاسة. وفي هذا السياق يقول \"هريوري نيميريا\"، أحد أعضاء البرلمان الجديد عن معارضي يوشينكو \"إنهم يريدون التصالح مع الماضي، وتحديداً مع حقبة كوشما\"، محيلاً إلى الرئيس السابق \"ليونيد كوشما\"، الذي تخللت فترته الرئاسية فضائح عديدة، حيث هزم على يد \"يوشينكو\" فيما بات يعرف ب\"الثورة البرتقالية\". \r\n \r\n بيد أن الخلافات المحتدمة بين مكونات \"الثورة البرتقالية\" حول القضايا الأساسية ومنها رئاسة الحكومة لا تلغي الاستحقاق الانتخابي. وفي هذا الإطار تظل \"يوليا تيموشينكو\"، من حزب الرئيس السابق \"كوشما\" والحليفة السابقة للرئيس الحالي، المرشحة الأوفر حظاً لتولي المنصب، مستندة في إصرارها إلى تولي رئاسة الحكومة على نتائج الانتخابات البرلمانية التي منحت لحزبها \"أوكرانيا لنا\" المرتبة الأولى ضمن \"الائتلاف البرتقالي\". ورغم أن الرئيس \"يوشينكو\" أعلن في حوار، أدلى به يوم الجمعة الماضي لصحيفة بولندية، أنه لا يستبعد احتمال شغل \"تيموشينكو\" لمنصب رئيسة الحكومة، إلا أن بعض مؤيديه يعارضون ذلك بشدة مستحضرين الجدل الذي ساد خلال الثمانية أشهر الماضية عندما كانت تشغل المنصب نفسه قبل إقالتها من قبل الرئيس على خلفية السياسات الاقتصادية غير الموفقة، واحتدام الصراع السياسي وتوجيه اتهامات لحكومتها بالفساد. ومازالت النقاشات جارية بين مختلف مكونات تحالف الثورة البرتقالية للتوصل إلى اتفاق حول مرشح واحد لرئاسة الحكومة. \"أنتوني كيناك\"، أحد قيادي حزب \"أوكرانيا لنا\" ومستشار \"يوشينكو\" للأمن القومي أكد بأن هناك \"مرشحين آخرين ينتظرون تسميتهم\" رافضاً الكشف عن أسمائهم. وقد استقال \"كيناك\" من منصبه الأمني يوم الجمعة الماضي لشغل مقعد في البرلمان كجزء من التموقع الجديد لتشكيل الحكومة الائتلافية. \r\n \r\n ويذهب البعض الآخر مثل رئيس الحكومة بالإنابة \"يوري يكانوروف\" إلى اقتراح تشكيل حكومة ائتلافية موسعة تضم \"فيكتور يانكوفيتش\". فرغم تعثره في الانتخابات السابقة عقب تعرض حزبه للهزيمة، فإنه تقدم هذه المرة على كافة الأحزاب الأخرى في الاستحقاقات البرلمانية الأخيرة إثر حصوله على نسبة 31% من الأصوات. وقد لخصت \"إيرينا جيراشينكو\"، المتحدثة باسم الرئاسة الأوكرانية الوضع السياسي المتأزم بقولها \"شهدنا ثورة برتقالية دامت ثمانية أشهر، ثم تفككت لأن ما كان يجمع أعضاءها هو معارضتهم لنظام كوشما\"، مضيفة \"إن ما يريده الرئيس هو ائتلاف ينعم بالاستقرار\". والواقع أن حالة عدم الاستقرار السياسي السائدة أوصلت البلاد إلى طريق مسدود مهددة بإضعاف المكانة السياسية للرئيس يوشينكو، لا سيما في ظل اقتصاد يعاني من الركود. وكأن ذلك لا يكفي برزت إلى السطح تهم تحوم حول صلات الرئيس مع بعض الشركات الكبرى، ودخوله في صدام جديد مع روسيا بسبب رفع أسعار الغاز الطبيعي. ويرجع الصدام إلى شهر يناير الماضي حيث نتج عنه مضاعفة أسعار الغاز التي تدفعها أوكرانيا لروسيا. فحسب التسوية التي توصلت إليها أوكرانيا مع موسكو تم رفع أسعار الغاز بنسبة 30% ابتداء من 1 مايو الجاري، لتعقبها زيادة أخرى في الأسعار ستبدأ مع بداية شهر يوليو المقبل. \r\n \r\n وقد أثارت هذه الصفقة التي جرت بين الحكومة الأوكرانية وروسيا استياء شعبياً واسعاً بسبب ارتفاع الأسعار من جهة، وبسبب الأسئلة التي تحوم حول ملكية الشركة التي تحتكر عملية تزويد أوكرانيا بالغاز الطبيعي من جهة أخرى. كما تفاقم الاستياء الشعبي بعدما تم الكشف أن أحد مالكي الشركة المحتكرة هو رجل أعمال أوكراني يدعى \"ديمتري فيرتاش\"، ما دفع بالرئيس \"يوشينكو\" إلى اللقاء برجل الأعمال، رغم إنكاره في البداية تورط جهة أوكرانية في الصفقة مع روسيا. وكجزء من الصراع السياسي عارضت \"تيموشينكو\" صفقة الغاز معتبرة أنها تهدد الأمن القومي لأوكرانيا، حيث لم تمر الأزمة دون أن تخلف وراءها ضحايا سياسيين كان أبرزهم \"أولكسي إيفشينكو\" الذي فاوض الجانب الروسي باعتباره مدير الشركة الأوكرانية للغاز، ما اضطره إلى تقديم استقالته والعودة إلى مقعده في البرلمان. ويذكر أن البرلمان الجديد بسلطاته الواسعة التي تشمل صلاحية تعيين رئيس الحكومة وباقي أعضائها لن يلتئم إلا في نهاية شهر مايو الجاري. واستنادا إلى نتائج الانتخابات الأخيرة، حصلت كتلة \"تيموشينكو\" على 129 مقعداً من أصل 450، مقارنة مع 81 مقعداً حصل عليه حزب \"أوكرانيا لنا\". وفي حال انضمام الحزب الاشتراكي بمقاعده ال 33 إلى ائتلاف الكتل المشكلة للثورة البرتقالية فإنهم سيحصلون على أغلبية طفيفة. وفي حين فاز \"حزب المناطق\" الذي يتزعمه \"يانوكوفيتش\" بأغلبية وصل قوامها ال 186 مقعدا، لم ينل الحزب الشيوعي سوى 21 مقعداً. \r\n \r\n أما في حال عدم الاتفاق على صيغة لتشكيل حكومة ائتلافية واستمرار الركود السياسي لن يبقى أمام الرئيس يوشينكو سوى حل البرلمان والدعوة إلى تنظيم انتخابات جديدة، ما سيغرق أوكرانيا في المزيد من التخبط السياسي، ويقذف بها إلى عوالم مجهولة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية الخانقة. \r\n \r\n ستيفن لي ميرز \r\n \r\n مراسل \"نيويورك تايمز\" في كييف \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n