\r\n وإلى اللحظة التي جرى فيها اتخاذ هذه الخطوات الدراماتيكية كان الضباب لا يزال يكتنف مخطط موراليس والتوجهات التي ستطغى على سياسته، والمسار الذي سيسلكه خلال فترة الشهور الثلاثة الأولى من ولايته، وكان قد عقد هو ووزير خارجيته أربع جولات محادثات على الأقل مع السفير الأمريكي ديفيد جرين لي مدّ خلالها الجانبان على ما يبدو أيديهما ملوحين بغصن الزيتون. وكما قال جرين لي في شهر مارس/آذار بعد أحد هذه اللقاءات: "نجري حواراً بناء" مع حكومة بوليفيا حول حشد كبير من القضايا والمواضيع ذات الاهتمام المشترك والمصالح المشتركة". \r\n \r\n وثمة عاملان حملا موراليس على تأميم موارد الثروة الوطنية في البلاد، وعلى تغيير مسار اصطفاف بوليفيا عالمياً: \r\n \r\n أولاً: السمة القتالية التي تجنح نحو المواجهة والتي باتت تصطبغ بها حركات عمال الزراعة والفلاحين من السكان الأصليين هذا من جهة، ومن جهة أخرى قرار الولاياتالمتحدة بإقحام اتفاقيات التجارة الحرة التي ألحقت أفدح الأضرار بصادرات بوليفيا إلى بلدان الأنديز الأخرى وإرغام كولومبيا والبيرو على إبرامها. \r\n \r\n وكان ايفو موراليس وحزبه السياسي "الحركة من أجل الاشتراكية" "ماس"، قد صعدا إلى السلطة في يناير/كانون الثاني بتفويض شعبي جلي لا لبس فيه. فقد دأبت الانتفاضات الاجتماعية التي بدأت منذ عام 2000 على المطالبة بأن تؤمم الدولة ثروات البلاد من النفط والغاز الطبيعي بحيث يتمكن أهلها من استخدام هذه العائدات والأرباح الضخمة التي تدرها هذه الصناعات من انتشال أفقر بلدان أمريكا الجنوبية من هوة الفقر. وكانت هذه الاحتجاجات الشعبية والحركات الساخطة قد أرغمت ثلاثة رؤساء على التنحي وأطاحت بهم من سدّة السلطة. \r\n \r\n وحتى الأول من مايو/آيار طغى على الحركات الشعبية في البلاد شعور مشوب بخيبة الأمل بأن موراليس قد نكص على عقبيه ونكث الوعود التي كان أطلقها إبان حملته، إذ إنه لم يكد يزيد على التصريح بأن بوليفيا قد "امتلكت مواردها وثرواتها الطبيعية". وعلى أساس هذا التصور الخاطىء هبطت شعبيته من 80 إلى 68%. إلا أنه وكما لاحظ أحد المراقبين في لاباز فإن "ايفو سياسي بارع محنك". إذ اختار موراليس هذه اللحظة للتحرك والعمل بسبب اقتراب موعد انتخابات الجمعية الدستورية التأسيسية المقرر عقدها في يوليو/تموز. وسوف تخول الجمعية سلطة إعادة صياغة دستور البلاد وإعادة تشكيل مؤسساتها السياسية. \r\n \r\n وتم بمقتضى المرسوم الحكومي الذي صدر أخيراً تأميم خمس عشرة مؤسسة ممولة برساميل أجنبية من حشد كبير من البلدان التي تشمل الولاياتالمتحدة واسبانيا وبريطانيا والبرازيل وفرنسا وهولندا. وتسير هذه الخطوة التي تجلت في انتزاع السيطرة من هذه المؤسسات جنباً إلى جنب مع خطوات أخرى جريئة اتخذتها بوليفيا في الميدان التجاري، فموراليس وحزبه ينظران إلى الليبرالية الجديدة والاتفاقيات التجارية الأمريكية والعولمة التي تقود الشركات الكبرى ركبها على أنها عقبات كأداء في طريق التنمية في البلاد. هذا وقد وقعت كولومبيا هذا العام ما أطلق عليه اسم "اتفاقية التجارة الحرة" مع الولاياتالمتحدة، وهي اتفاقية تلحق أضراراً ببوليفيا بوجه خاص. فنحو 60% من صادرات بوليفيا الزراعية الرئيسية، وهي فول الصويا، تذهب حالياً إلى كولومبيا، والاتفاقية الأمريكية الكولومبية تعني أن الحبوب الأمريكية المدعومة، وفول الصويا الرخيص سوف يغرق كولومبيا مما يلحق أفدح الأضرار بإنتاج بوليفيا من فول الصويا. \r\n \r\n وكانت البيرو أيضا قد فرغت للتو من إبرام اتفاقية تجارة مع الولاياتالمتحدة من شأنها أن تعود على صادرات بوليفيا إلى البيرو بأسوأ العواقب. لقد مزقت هذه الاتفاقيات معاهدة مجتمع أمم الأنديز، وهو الميثاق التجاري الذي دام طيلة السبع والثلاثين سنة الماضية وضم فنزويلا والأكوادور إضافة إلى بوليفيا. وأعلن هوجو شافيز في أبريل/نيسان انسحاب فنزويلا من الميثاق لأن الولاياتالمتحدة أثخنت هذا المجتمع الأنديزي "بجراح قاتلة". وأعلن ايفو أيضا أن بوليفيا تعكف هي الأخرى على مراجعة مسألة عضويتها في الميثاق. \r\n \r\n وقاد هذا الاستياء الذي تنامى من ميثاق مجتمع أمم الأنديز، إلى توقيع اتفاقية التجارة الشعبية بين كوبا وفنزويلا وبوليفيا في التاسع والعشرين من أبريل/نيسان. وتستحسن بوليفيا بوجه خاص هذه الاتفاقية وتحبذها ولا غرو في ذلك إذ وافقت كوبا وفنزويلا معاً على أن تأخذا جميع إنتاج بوليفيا من فول الصويا إضافة إلى غيره من السلع الزراعية الأخرى، إما بسعر السوق أو بأسعار أعلى. كما سوف تقوم فنزويلا أيضاً بشحن النفط إلى بوليفيا لسد الثغرات المحلية والنقص في الإنتاج في حين سترسل كوبا بالأطباء إلى بوليفيا. \r\n \r\n وتؤذن الاتفاقية التجارية وتأميم موارد بوليفيا الطبيعية بتحول دراماتيكي جذري في شؤون هذا الشطر من الكرة الأرضية. فموراليس يبتغي تبصرة واشنطن بنذر التغيير الجذري الذي هبت رياحه بعنف في هذا الجزء من العالم وإشعارها بأنه قد صار جزءاً من كتلة راديكالية من البلدان في أمريكا اللاتينية، كتلة مستقلة حرة لم تعد دولها دمى تابعة تدور في فلك الولاياتالمتحدة وتذعن لمخططاتها، وتستكين لهذا النهب المنهجي المنظم لثرواتها. \r\n \r\n \r\n \r\n * مدير مركز دراسة الأمريكتين، وبروفيسور زائر في معهد الدراسات الدولية التابع لجامعة كاليفورنيا في بيركلي، \r\n \r\n والنص منشور في \r\n \r\n "انفورميشن كليرنج هاوس" \r\n