ورغم أن إدارة بوش تبشر دائما بفضائل الديمقراطية, فإن تفاعلها مع هذه الموجة الحالية من الانتصارات الانتخابية التي يحرزها اليسار في أميركا اللاتينية قد بات يشبه اليد التي تصفق وحدها. السبب في هذا ذلك كل هذه الانتصارات التي حققها كل من موراليس في بوليفيا, ونستور كريشنر في الأرجنتين, وميشيل باكلت في شيلي وجميعهم يحمل عداء مستحكما لأميركا وحديثهم جميعا هجاء ضد أميركا بدرجة أو بأخرى. والانتخابات المستقبلية في بيرو, والمكسيك والإكوادور, ونيكاراغوا من المحتمل أن يكون لها نفس النكهة المعادية لأميركا. وهذه في حد ذاتها تعد مفاجأة نتيجة للتاريخ الحالي والماضي. \r\n إن السياسات في أميركا اللاتينية لم تعد بصفة رئيسية تتحدث عن الاعتماد على العضلات الأميركية والقوة السياسية. و إنما أصبحت تتحدث عن كيفية تضييق الفجوات السياسية والطبقية العميقة في المنطقة. وكيف ستتمكن الحكومات الجديدة من تسخير موارد الدولة من أجل تحقيق هذا الهدف هو القصة الحقيقية المنتشرة في المنطقة حاليا. \r\n إن الدلالة الحقيقية على ما إذا كان قادة المنطقة الجدد سيتمكنون من تحويل الإنجازات الديمقراطية إلى جدول أعمال اقتصادي حصري سيكون من خلال قدرتهم على توظيف الصفوة التقليديين في بلادهم. \r\n في الوقت الحالي تحصل حكومات أميركا اللاتينية على ما يساوي من 8 إلى \r\n 15% من إجمالي الناتج المحلي من عوائد الضرائب, أي حوالي ثلث ما تحصل عليه الدول الصناعية. وافضل مقياس لمشاركة الصفوة سيكون من خلال تصاعد هذا المعدل بشكل واضح. والاقتصاد لا يمكن أن ينمو إلا من خلال القطاع العام الذي يستثمر في مجال الطرق والرعاية الصحية والتعليم والتكنولوجيا, ولن ينمو كذلك بدون ثقافة الانفتاح السياسي والتجاري التي تحترم استقلال القضاء. \r\n إن واشنطن لم تكن متعاونة في هذا المجال إطلاقا. لقلة نظر منها كما انه بمثابة رسالة شاذة لا تتحدث إلا عن زيادة التبادل التجاري والحرب على المخدرات وتجار المخدرات والتصدي للإرهابيين وللأسف كل هذه الموضوعات لا ترقى للمستوى الذي يتحدث عنه قادة أميركا اللاتينية الجدد حيث يتحدث الزعماء عن قضايا تتعلق بأمور أكبر من هذا بكثير. كما أن النموذج الأميركي في تحرير الاقتصاد قد فشل في تحفيز الصفوة في أميركا اللاتينية للاستثمار في دولهم. إذا ما الذي يجب على الولاياتالمتحدة فعله الآن؟ الإجابة تكمن في أشد القضايا حساسية في المنطقة ألا وهي قضية الطاقة. \r\n و مع انشغال صانعي السياسات الأميركية بالنتائج السياسية والأمنية لاعتماد الشرق الأوسط على النفط, فقد غفلوا بذلك عن مورد قريب جدا من دارهم. الولاياتالمتحدة تستورد حوالي 50% من طاقتها من دول أميركا اللاتينية وكندا , سواء كانت هذه الطاقة في شكل نفط من المكسيك وكندا وفنزويلا وكولومبيا والإكوادور أو غاز طبيعي من ترينيداد وتوباغو وفنزويلا وبوليفيا أو بيرو. \r\n ورغم تبجحه الشديد, إلا أن الرئيس هوغو شافيز يصدر حوالي 50% من نفط بلاده إلى الولاياتالمتحدة. والأسواق تجلب حوالي 30 مليار دولار سنويا في شكل عائدات لفنزويلا مع ارتفاع أسعار اليوم. وفي كولومبيا, تنفق الولاياتالمتحدة مئات الملايين من الدولارات لحماية خط أنابيب من هجوم المتمردين في كولومبيا. قد يمنح موراليس شركة الطاقة التابعة للحكومة الصينية بعض الامتيازات, وشركة بتروبراس البرازيلية وشركة ريبسول الأسبانية لهما امتيازات بالفعل في بوليفيا. ولكنه ليس متأخرا تماما بالنسبة للولايات المتحدة في أن تشارك في هذه الصفقات, والأفضل لو شاركت من خلال بنك تنمية الدول الأميركية أو منظمة الدول الأميركية, من خلال حوار صاف عن كيفية استخدام أميركا اللاتينية لموارد الطاقة, وذلك من اجل تمويل مشروعات التنمية الاجتماعية وتزويد الولاياتالمتحدة ببديل لمورديها في منطقة الشرق الأوسط. \r\n ومن الواضح أن موراليس وشافيز لن يقبلا إطلاقا بأي اتفاقية أو مبادرة من قبل الولاياتالمتحدة تهدف إلى استغلال الموارد. ومصداقية الولاياتالمتحدة قد تكون بعيدة تماما عن طموحات أو لا تستهوي الزعماء الجدد في المنطقة. \r\n ورغم أن الجغرافيا لم تعد مصيرا سياسيا, إلا أنها تتدخل في أمر هام ألا وهو تقليل نفقات المواصلات. كما أن حسابات تقارب المكان قد تسود وتتغلب على الأيديولوجيات والمفاهيم السياسية. \r\n \r\n * مدير دراسات أميركا اللاتينية بمجلس العلاقات الخارجية \r\n خدمة انترناشونال هيرالد تريبيون \r\n