يلاحظ أن أخطار وتبعات الحرب مع إيران لا تحظى بقسط وافر من النقاش العلني من قبل القادة الحكوميين، كما أنها نادراً ما تستأثر باهتمام وسائل الإعلام الأميركية وفي الوقت الذي يواصل فيه القادة الأميركيون تبرير دوافع غزو العراق، تراهم يحجمون عن مناقشة العواقب الوخيمة للصراع مع إيران في وقت مازال بالإمكان تفاديه وليس هناك من شك في أنه إذا نجحت إيران في تطوير أسلحة نووية، فقد تؤدي هذه الخطوة إلى تكريس أجواء عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتعريض أصدقاء الولاياتالمتحدة وحلفائها للخطر، وتعزيز المخاوف من وقوع الأسلحة النووية بين أيدي المنظمات الإرهابية، وهو ما قد يصيب إسرائيل بالرعب، ويضعف النفوذ الأميركي في منطقة الخليج العربي. \r\n وفي المقابل، من الوارد جداً أن يؤدي الهجوم الأميركي على إيران إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل رهيب، وشعور المسلمين بالسخط على السياسات الخارجية للإدارة الأميركية، وحدوث انقسام في حلف \"الناتو\"، إضافة إلى تزايد الأعمال الإرهابية وقد تؤدي هذه الخطوة أيضاً إلى دخول قوات إيرانية للحدود العراقية من أجل مهاجمة القوات الأميركية العاملة هناك وأمام هذه الخيارات الصعبة، يتعين على الولاياتالمتحدة أن تحاول الدخول في حوار مع النظام الإيراني حول مواضيع تهم كلا الجانبين، شريطة ألا يقتصر الأمر على المحادثات التي عرضتها واشنطن على إيران والتي كان الهدف منها الحديث عن المشكلات الأمنية الأميركية في العراق دون غيرها (وهو أمرٌ رفضته إيران). \r\n وتعد الاجتماعات مع أطراف الصراع المختلفة تقليداً أميركياً رائعاً، حيث ذهب الرئيس ريتشارد نيكسون إلى بكين لفتح حوار مع قادتها رغم أن الصين كانت تساعد فيتنام في حربها ضد القوات الأميركية ورغم أن الرئيس رونالد ريغان وصف الاتحاد السوفيتي السابق ب\"إمبراطورية الشر\"، فإنه تفاوض مع المسؤولين هناك حول مراقبة مشاريع التسلح ومواضيع أخرى، في حين تحدثت إدارة بوش نفسها مباشرة مع كوريا الشمالية، التي ربما تعد أخطر نظام على وجه الأرض وأكثره خداعاً وعليه، يمكن القول إن الولاياتالمتحدة لم تقتصر في مفاوضاتها يوماً من الأيام على أصدقائها في الخارج فقط وينبغي أن يركز الحوار الأميركي- الإيراني على أهم المواضيع التي تشكل نقاط الخلاف وتشمل هذه المواضيع بالنسبة للولايات المتحدة تعليق إنتاج المواد التي يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية، وفتح إيران لمنشآتها النووية أمام عمليات التفتيش المفاجئة لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإضافة إلى ذلك، يقتضي الأمن الإقليمي أن يوقف الإيرانيون تقديم الدعم للمجموعات التي تعتبرها واشنطن إرهابية، خاصة \"حزب الله\" وعلى غرار كل دولة أخرى مرت على طريق امتلاك الأسلحة النووية، ينبغي تطمين إيران أولاً وقبل كل شيء بشأن مخاوفها الأمنية، وجعل هذا الموضوع محوراً أساسياً ضمن أجندة محادثات القادة الأميركيين مع طهران وإلى جانب وجود القوات الأميركية في العراق، والأسطول الأميركي الخامس، والطموح الأميركي لتغيير النظام الحاكم في إيران، يشعر الإيرانيون بالخوف أيضاً من بعض دول الجوار غير الصديقة، مثل باكستان التي تمتلك السلاح النووي وعليه يجب إدراج مخاوف إيران الأمنية ضمن أجندة أي حوار يضم الجانبين لقد منحت الولاياتالمتحدة كوريا الشمالية - وهي القوة النووية المعلنة- ضمانات أمنية، ولكنها رفضت القيام بذلك مع الإيرانيين وفي الواقع، فإن المفاوضات التي أجرتها إيران مع مجموعة الترويكا الأوروبية خلال العامين الماضيين ساهمت في حدوث تطور كبير إزاء هذه القضية ، إلا أن الولاياتالمتحدة منعت بشكل خاص دول الترويكا الأوروبية من تقديم فكرة ضمانات أمنية أميركية محتملة وبالتالي يمكن اعتبار هذا الأمر مشابهاً لمحاولة البناء باستعمال القش، وهو ما حكم على الجهود الأوروبية بالفشل إن الهجوم الأميركي على إيران لن يمنعها من أن تصبح دولة نووية، ولكنه سيمثل بداية الصراع مع إيران، وليس نهايته فالإيرانيون شعب يتحد ويتعاضد حينما يشعر بالتهديد أو الخطر، شأنه في ذلك شأن الأميركيين كما أن القيادة الدينية في إيران ليست مستعدة للسقوط مع أول طلقة رصاص بل على العكس من ذلك، يمكن لهذه القيادة أن تراهن على تعزيز حكمها - تماماً كما استغل آية الله الخميني الحرب العراقية- الإيرانية منذ ربع قرن في تعزيز سلطته ولن يكون العرض الأميركي بإجراء محادثات جادة مع إيران حول أهم القضايا الأمنية وفق منظور كل جانب كافياً لصرف الإيرانيين عن المسار الخطير الذي تسلكه القيادة الإيرنية في الوقت الحالي، إلا أنه أفضل بكثير من الاعتماد على تغيير هذه القيادة لمواقفها إزاء التوتر الراهن مع الولاياتالمتحدة والأكيد أنه في حال إذا ما واصلت الولاياتالمتحدة رفضها التفاوض من أجل حل الخلافات القائمة مع إيران، فإن البلدين سيواصلان السير في اتجاه الحرب . \r\n \r\n روبرت هانتر \r\n مستشار بمؤسسة \"راند\" البحثية، وسفير الولاياتالمتحدة لدى حلف \"الناتو\" خلال الفترة من 1993 إلى 1998 \r\n خدمة واشنطن بوست خاص ب (الوطن)