ولكن مع إدراكي لتلك الصعوبات وكذلك مع كوني واقعيا انه مازالت أمامنا أوقات اخرى قائمة الا انني على يقين قاطع بأن جهود أولئك الذين يشغلون نيران الصراع المدني داخل العراق ستمنى بالفشل ولن ينجحوا في مسعاهم‚ \r\n \r\n لقد زرت العراق ثلاث مرات على مدار الثلاثة اشهر الاخيرة وكانت آخرها منذ وقت قصير وبينما كنت في سبيلي لمغادرة بغداد كانت مقولة التفاؤل هي الصفة التي تجري على لسان حالي لكن لم تكن هذه مقولتي أنا بل أوحى لي بها أحد زعماء السنة بالعراق فعندما لقيته لأول مرة كان الرجل رافضا بل معاديا للعملية السياسية بالعراق الا ان موقفه تغير بعد ان رأى الفرص السانحة لجماعته من خلال انخراطهم بهذه العملية‚ \r\n \r\n الا ان التفجيرات وأعمال سفك الدماء الاخيرة ساهمت في إضعاف وزعزعة ذلك التفاؤل في عدة مناسبات منذ وقتئذ‚ \r\n \r\n الاعتداء البشع على المقام الشيعي المقدس في سامراء والذي أثار تناحرا ثأريا فظيعا فضح نوايا الارهابيين بصورة غير مسبوقة وان كانت مؤسفة فليس لهذا الهجوم البشع من تبرير ولا حتى بمنطق الارهابيين المنحرف فلم يكن هذا الهجوم ضد من يسمونهم المحتلين (اي القوات البريطانية والاميركية واعضاء التحالف الآخرين) كما لم يكن هجوما على من ينعتونهم ب «المتعاونين» مع «المحتلين» ولا حتى الآخرين ممن يصفونهم ب «الكفار والصهاينة» بل كان ذلك عدوانا على الاسلام بحد ذاته وبالتحديد على الملايين من معتنقي المذهب الشيعي والمدهش ان من اقترفوا هذا العدوان يدعون ان طريقهم للفوز بالجنة هو عبر مثل هذا العنف‚ \r\n \r\n ان العراق الآن يقف عند نقطة خيار خطيرة فهل سينجح العراق والعراقيون في تجاوزها؟ انني اعتقد ذلك ولسبب اساسي يفوق كل الاسباب الاخرى: ألا وهو ان اعتداء سامراء رغم بشاعته التدميرية التي يعجز اللسان عن وصفها يعد هو نفسه ابلغ دليل على العجز التام للارهابيين عن تحقيق مآربهم فان جل ما يطمحون لتحقيقه منذ منتصف عام 2003 هو تقويض مسيرة العراق نحو حكومة ديمقراطية تمثل الجميع‚ \r\n \r\n كثيرا ما تزامنت مراحل جدول إحلال الديمقراطية بالعراق - كما رسمته قرارات الاممالمتحدة المتعاقبة - مع خلفية من اعمال العنف الارهابي الذي شمل العراقي ضد العراقي والمسلم ضد المسلم ولكن في كل المراحل - وفي بعض الاحيان كان ذلك محل اثارة دهشتي - انتصرت مشيئة الشعب العراقي‚ \r\n \r\n فعندما كنت في بغداد في شهر نوفمبر من عام 2004 للتباحث حول تدابير عملية الانتخابات مع مسؤولي امم المتحدة وكبار المسؤولين العراقيين كان يعتريني الشك فيما بيني وبين نفسي تجاه قدرة العراقيين على انجاز تلك التدابير ولكني كنت مخطئا في ظنوني حيث اثبتت الانتخابات التي جرت في شهر يناير وإقرار الدستور في اغسطس والاستفتاء على الدستور في شهر أكتوبر والانتخابات التي أعقبته في شهر ديسمبر أن العراقيين متمسكون تمسكا كاملا بالعملية الديمقراطية وواقع الامر انه في كل مرة ذهب فيها العراقيون لصناديق الانتخاب كانت نسبة المشاركة تزداد في كل مرة عن سابقاتها الى أن وصلت نسبة المشاركة في آخر مرة الى 75%‚ \r\n \r\n إن الكثيرين في العراق ممن كانوا قد قاطعوا العملية السياسية سابقا أضحوا الآن أكثر تقبلا لبعض الامور التي لطالما أشرت اليها في أحاديثي مع كل الساسة العراقيين حيث كنت أقول إن الديكتاتورية هي لعبة أحادية الطرف أي أن قوتي لا تتأتى الا على حساب الآخرين أما الديمقراطية فهي ليست كذلك فالديمقراطية ليست فقط إعطاء الفرصة الأكبر للأغلبية في إبداء الرأي واتخاذ القرار بل هي أيضا - وبصفة جوهرية - حماية الافراد والاقليات وبالتدرج بات عناك تحسن مضطرد في استيعاب مفهوم الديمقراطية بين جميع طوائف المجتمع العراقي وبأنهم يجنون من خلالها حريات أكثر وفرصا أكبر لتقرير مصيرهم مقارنة بما كان عليه الحال تحت نظام صدام‚ \r\n \r\n لم تسفر الانتخابات في ديسمبر عن إعطاء أغلبية مطلقة من الاحزاب أو الكتل السياسية بالبرلمان الجديد كما يتفق أغلبية المنتخبين الآن انه لن يكون بإمكان أي جماعة سياسية منفردة تشكيل وإدارة الحكومة بل ويحسن ألا يكون الحال كذلك كما اصبح الزعماء السياسيون يعون أن النشاط السياسي بالعراق محاط بالصعاب وغالبا مما يتم في مناخ شديد القسوة ولكن يظل دربا من النشاط السياسي بكل الاحوال‚ \r\n \r\n ويوزاي انتشار النشاط السياسي بالعراق حدوث تقدم كبير بالوضع الامني رغم كافة الانتكاسات فتولي قوى الامن العراقية لزمام العمل الأمني في تزايد مضطرد بل واقع الامر أن عدد قوات الامن العراقية يفوق الآن عدد القوات الدولية وقادت القوات العراقية وبنجاح التدابير الامنية التي صاحبت استفتاء شهر أكتوبر وانتخابات شهر ديسمبر ‚ \r\n \r\n ولكن يجب الا ينظر لمسألة الامن على أنها قضية طائفية وهذا ما يجعلني دائم التأكيد في حديثي مع القادة العراقيين على وجوب عدم اسناد قيادات الوزارات المعنية بالأمن لأولئك الذين ينظر لهم على أن لديهم مصالح طائفية‚ \r\n \r\n وعندما يحين الوقت الملائم ستبدأ عملية نقل مسؤولية الأمن من القوات الدولية الى القوات العراقية وذلك عندما ترغب الحكومة العراقية في البدء بذلك والى أن يحين ذلك الوقت ستظل القوات الدولية تؤدي دورا حيويا الى جوار نظرائه العراقيين‚ \r\n \r\n كلما زرت العراق أبهرني مقدار الشجاعة التي أشهدها جلية في كل مكان‚ شجاعة جنودنا هناك وشجاعة الشعب العراقي وشجاعة زعمائه العراقيين الذين يرغبون في المضي قدما في مسيرة الديمقراطية التي هي السبيل الوحيد الذي اختاره بلدهم‚ \r\n \r\n وتستشعر الغالبية العظمى بين العراقيين عزيمة وإصرارا قويين بألا يسمحوا للارهابيين بإخراج هذه العملية السياسية عن مسارها كما أن هناك قناعة بين الزعماء السياسيين بالعراق أن هذه هي فرصة لتغيير العقائد السياسية الجامدة ومن ثم يجدر بهم اغتنام الفرصة لتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية قائمة على مبدأ مشاركة السلطة‚ \r\n \r\n إن تدمير ضريح العسكري أظهر أن الارهابيين لا يخلفون وراءهم سوى العنف والدمار ولكنني على يقين لا يتزعزع أن الشعب العراقي سيدحرهم‚ \r\n