لكن لا شيء من هذه الافتراضات تحقق‚ فمع تزايد ثراء العالم والناس اكثر تعلما لم يشهد الدين تراجعا في نفوذه وسطوته وانما اصبح اكثر قوة وازدادت اعداد الاصوليين والتعصب القبلي والتعصب القومي ما زالا ماثلين وبدلا من ذلك اصبحت المؤسسات العابرة للقوميات مثل الاممالمتحدة والاتحاد الاوروبي ضعيفة ومأزومة‚ \r\n \r\n اما تكنولوجيا الاتصالات فلم تقرب بين الشعوب وانما ادت الى تقسيمات ثقافية اكبر في جميع انحاء العالم وحتى داخل الولاياتالمتحدة لم يجعل التعليم الناس معتدلين ومستقلين في تفكيرهم ففي الولاياتالمتحدة الناخبون الاعلى تعلما اكثر قابلية للاستقطاب من الناخبين الاقل تعلما وفي العالم العربي اكثر الناس تعلما هم الاكثر تزمتا‚ \r\n \r\n كل هذه التطورات ادت الى نوع معين من التصور المادي للازمة فنحن الان نعرف ان القوى الاقتصادية والتكنولوجية العالمية لا تؤدي الى التآكل التدريجي للثقافات والقيم المحلية وبدلا عن ذلك تبين ان القيم والثقافات هي التي تشكل التنمية الاقتصادية كما ان امتلاك الشعوب لمزيد من القوة من خلال المزيد من الثروة والتعليم يجعل الفوارق الثقافية اكثر وضوحا وبروزا وليس العكس لان الجماعات المختلفة تسعى لتحقيق تصورات مختلفة للحياة الفاضلة وتكون ردود فعلهم بطريقة عدوانية تجاه اية انتقاصات لكرامتها الثقافية‚ \r\n \r\n ان علم الاقتصاد الذي يفترض ان الناس عقلانيون في الاساس وتكون ردود افعالهم بشكل صحيح عن المحفزات لم بعد ملكا بين العلوم الاجتماعية‚ \r\n \r\n ان احداث السنوات الماضية اعادتنا الى الوراء الى غموض علوم الاديان والاجتماعي وعلم الانسان الاحيائي والتاريخ‚ وحتى علماء الاقتصاد يعرفون هذا وبدأوا ينتقلون لتبني وجهات نظر علماء النفس والاتجاهات الثقافية‚ \r\n \r\n ان التغير الجذري هو ان الكائنات البشرية اصبحت تبدو الآن اقل شبها بالافراد المهتمين بمصالحهم الذاتية واكثر كمنتجات اجتماعية مرتبطة اسريا ومجتمعيا‚ فذات مرة افترض آلان غرينسيان ان الرأسمالية ذات «طبيعة انسانية» ولكن بعد ان راقب انهيار الاقتصاد الروسي أصبح يعتبرها ليست ذات طبيعة انسانية على الاطلاق وانما مجرد ثقافة‚ \r\n \r\n خلال السنوات الاولى من الحياة يطور الاباء والامهات والجماعات والمجتمعات بطريقة لا واعية طرقا للحياة ورؤية الحقيقة الواقعية التي لا نعيها الا بشكل جزئي فما مدى تمايز الفرد عن المجتمع؟ وهل يتحرك التاريخ الى الامام ام في دائرة؟ وكيف اسبغ رغبتي بالاستقامة؟ وما هو الممكن وما هو المستحيل؟ \r\n \r\n ان الاجابة عن هذه الاسئلة متباينة جدا وبمجرد ان يتم استيعاب وجهات النظر العالمية فانها تنتج مستويات وانواعا مختلفة من رؤوس الاموال الاجتماعية والثقافية‚ فالآسيويون الشرقيون واليهود‚ على سبيل المثال يتعشون على ما يبدو تجارب اينما استوطنوا تبين انه من الصعب تغيير مصائر الشعوب والافراد فقط من خلال استعمال عتلات اقتصادية فعلى مدى العقود القليلة الماضية حولت اميركا مبالغ ضخمة من الاموال الى افريقيا لبناء مصانع وتحفيز التنمية الاقتصادية ولكن لم ينجح اي من هذه البرامج ومثلما اثبت الاقتصاديان لاغورام راغان وآرفيند سوبرامانيام لا توجد علاقة بين المساعدات المالية والنمو الاقتصادي‚ \r\n \r\n ينفق الاميركيون داخليا على التعليم أكثر من اية دولة أخرى في العالم وقد تعهدوا بتطبيق مليون تحربة لاعادة هيكلة المدارس والبيروقراطيات ولكن الطلبة الذين يفتقرون لرأس المال الثقافي والاجتماعي لأنهم لم يأتوا من اسر سليمة ومنظمة يواصلون التراجع في تحصيلهم التعليمي ما لم يتصلوا مع مدرس عظيم لا يستطيع أن يدرس فقط وإنما يستطيع ايضا أن يغير السلوك والقيم كل الامور تتجمع بشيء واحد الاحداث فرضت علينا اسئلة مختلفة فإذا كانت المنافسة في القرن العشرين بين الاقتصاد المخطط واقتصاد السوق الحر فإن المسألة الكبرى في القرن القادم ستكون فهم الكيفية التي تتغير بها الثقافات ويمكن تغذيتها وتطويرها وكيف يمكن تحويل النزاع الثقافي المدمر الى منافسة ثقافية صحيحة‚ \r\n \r\n الناس الذين يفكرون بالتنمية العالمية هم الآن في المقدمة يفكرون في هذه المسائل‚ \r\n