في عصرنا، انتهت أيام معظم المساعي السياسية التي تستند على أسس أيديولوجية. ففي هذه الأيام تشكل المصالح الاقتصادية الدافع الرئيسي وراء كل النشاطات السياسية تقريباً. ومع أن انهيار الاتحاد السوفييتي أثبت أن طبيعة الشيوعية غير فعالة وغير إنسانية، فإن بعض المفاهيم المحددة للشيوعية لا تزال تُوظف لتبرير الديكتاتوريات السياسية في بعض البلدان. \r\n \r\n \r\n وخير مثال على ذلك ما يجري في الصين وكوريا الشمالية اللتين تعتبران أكبر مصدرين لزعزعة الاستقرار في المنطقة الآسيوية اليوم.وقد نقل عن الرئيس الصيني هو جينتاو قوله في مؤتمر صحافي عقد أخيراً في بكين: «فيما يتعلق بالإدارة الأيديولوجية، علينا أن نتعلم من كوريا الشمالية وكوبا. \r\n \r\n \r\n إن بيونغ يانغ تواجه حالياً مصاعب اقتصادية، لكنها بقيت على الدوام ثابتة على المستوى السياسي». وفي هذا العصر تعتبر تصريحات هو جينتاو مفاجئة، لأنها تكشف النقاب عن الوجه الحقيقي للحكم الشيوعي. وتمارس كل من الصين وكوريا الشمالية الرقابة على الأفكار والآراء المخالفة لتوجهاتهما الرسمية وتفرضان قيوداً شديدة على حرية التعبير في ظل مبادئ الشيوعية الصارمة والتي تعتبر الفلسفة العليا المطلقة للبلد. \r\n \r\n \r\n وعلى سبيل المثال فإن الصين، حامية كوريا الشمالية، قد اعتقلت أعضاء جماعات «التحسين الذاتي»، لقيامهم بالتبشير بإمكانية الارتقاء بمعنى الحياة من خلال أساليب الانضباط الذاتي البدني والروحاني التي تعلمها جماعة روحانية تدعى «فالون غونغ». كما فرضت الحكومة أيضاً حظراً على الجماعة لمحاولتها البحث عن التكافل في فلسفة أخرى غير الشيوعية. \r\n \r\n \r\n * مجتمع مدني غائب \r\n \r\n \r\n إنها لحقيقة تاريخية أن البر الصيني الرئيسي، قبل تدشين الحكم الشيوعي، كان يفتقر لمظاهر المجتمع المدني طيلة عهد سلالة شينغ الحاكمة. وفي أعقاب زوالها، استمر الصراع المدني بين الفصائل المقتتلة في الصين في إشاعة الفوضى والاضطراب حتى العصر الحديث.وباستثناء إقليمي هونغ كونغ ومكاو، اللذين بقيا تحت السيادة الأوروبية لحوالي قرن ونصف القرن، \r\n \r\n \r\n وتايوان التي حررت نفسها من إرث حكم شيانغ كمايشيك القمعي عبر الدمقرطة، فإن شعب الصين لم تتح له الفرصة لاختبار المجتمع المدني. وبغض النظر عن الطريقة التي تفرض بها بكين وجودها ومكانتها، أو ما إذا كان الناس في تايوان ينتمون لمجموعة إثنية أخرى غير تلك السائدة في البر الصيني، فإن من المشكوك فيه كثيراً ما إذا كانت تايبيه ترغب فعلاً بالانتماء لمجتمع تحت الحكم الشيوعي. \r\n \r\n \r\n عندما نتأمل في الوجود العالمي المتعاظم للصين، من المهم جداً التحقق من حقيقة نوايا الحكومة الصينية المركزية. ومن بين المؤشرات على وجود بكين المتزايد تواصل مطالباتها الإقليمية وتعاظم حجم قوتها العسكرية. وحتى موقف الهيمنة أصبح موضة قديمة. فلقد استولت الصين فعلياً على إقليم التيبت، وهو منطقة مكونة من مجموعة إثنية مختلفة لها ثقافتها الخاصة الفريدة، ولا تزال الصين تطالب بحق السيادة على عدة مناطق تقع في المياه المحيطة بالفلبين وفيتنام والصين. \r\n \r\n \r\n ويمكن رؤية الوجه الحقيقي لبكين أيضاً في تذرعها بمبدأ «أمة واحدة ونظامان» والذي تتظاهر بموجبه بدعم تحرير الاقتصاد. وإذا شبهنا العملية الصناعية مجازاً بالنهر، فإن ولادة أفكار المنتجات الجديدة وتطوير التقنيات الضرورية إلى جانب بناء النموذج الجديد، تمثل أعلى النهر. \r\n \r\n \r\n ويشكل الإنتاج التجاري الكبير وسط النهر في حين يتمثل أدنى النهر في القدرة التوزيعية الواسعة للبضائع المصنعة عبر الدعاية الفعالة. لكن اقتصاد الصين حالياً قادر فقط على أداء وظيفته عبر «وسط النهر»، ذلك أنه يعتمد على العمالة الرخيصة إلى حد مفرط والتي تتوفر في ظل ظروف غير إنسانية، حيث لا يسمح بوجود اتحادات للدفاع عن حقوق العمال. \r\n \r\n \r\n كما أن قيام الصين أخيراً بشراء فرع الكمبيوترات الشخصية بشركة «آي بي إم» التي لم تعد لها الصدارة التقنية في الولاياتالمتحدة يرمز أيضاً إلى محدودية قدرة البلد على تطوير تكنولوجيا جديدة بالاعتماد على نفسها. ولهذا السبب فإن الصين لا تتورع عن ممارسات القرصنة والتقليد الفاضحة للمنتجات الجديدة التي يتم ابتكارها عبر العملية الاقتصادية لأعلى النهر لدى الأمم الأخرى. ويجب أن تكون منظمة التجارة العالمية مسؤولة عن مراقبة مثل هذه الممارسات. \r\n \r\n \r\n ومع أن الكثيرين يستبشرون بأن يكون الاقتصاد الصيني المتنامي سوقاً عالمية جديدة، فإن من المهم التنبه إلى أن هذا النمو الاقتصادي يساعد في صون عملية التحديث العسكري التي تقوم بها بكين. كما تساهم النهضة الاقتصادية أيضاً في تبرير الحكم الاستبدادي للحزب الشيوعي، الذي حقق نجاحاً من خلال موقفه المهيمن حيال بقية آسيا. \r\n \r\n \r\n * تنمية ضارة \r\n \r\n \r\n كما يقول أحد الخبراء في شؤون الاقتصاد الصيني، فإن التنمية غير المضبوطة بالبلد، تماماً مثل حالة انعدام التنظيم في مواقع البناء، ألحقت أضراراً رهيبة بالبيئة. وعلى سبيل المثال، ففي بعض أجزاء النهر الأصفر، الذي يعتبر أحد أكبر أنهار العالم، توقف تدفق المياه تماماً تقريباً. \r\n \r\n \r\n كما أن هناك مفارقات لا تحصى فيما يتعلق بفجوة المداخيل الهائلة في الصين. ففي معرض للسيارات أقيم، أخيراً، في بكين، استعرض عدد من المليونيرات الصينيين ثراءهم بصورة مبتذلة بشراء سيارات من أفخم موديلات دايملر كرايزلر. وفي مقابلة مع الصحافة بعد المعرض علق أحد الزبائن الأربعة بدون اكتراث بأن البضائع الفخمة تعتبر رمزاً للمكانة الاجتماعية. \r\n \r\n \r\n وفي حين أن الآلاف من الأثرياء الجدد يكسبون ما متوسطه أكثر من 930 ألف دولار بالسنة فإن الأجور السنوية لأكثر من مليار فقير في الصين لا تتعدى 93 دولاراً. وبرغم القيود الرسمية المفروضة على وسائل الإعلام، فإن هناك تقارير تخرج من حين لآخر متحدثة عن مثل هذه التناقضات، بما في ذلك التغاضي عن جرائم فساد لا تحصى بين كبار الموظفين المدنيين. \r\n \r\n \r\n لكن رغبة الحكومة في المحافظة على ديكتاتورية الحزب الواحد تمنعها من فتح ملفات الفساد الاقتصادي الرهيب والمناخ الخطر الناشئ عنه.وبدلاً من ذلك، فإن الحكومة الصينية تحرض الشعب على نوع خطر من الحماسة الوطنية لكي تحول الإحباط الجماهيري باتجاه الشؤون الخارجية. \r\n \r\n \r\n وفي هذا السياق فإن الحكومة تدعم ضمنياً وعلانية مشاعر العداء لليابان من خلال إثارة قضية تاريخ الحروب بين اليابان والصين.وكثيراً ما تكون النزاعات الحدودية قضية ملائمة لاستثارة مشاعر جماهيرية قريبة من الحماسة الوطنية. ولقد عبرت الصين عن مطالب مهينة بحقها في السيادة على أراض يابانية أعيدت لليابان بشكل رسمي بعد تضمينها في اتفاق مع الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n \r\n وتصر الصين أيضاً على أن تايوان، التي تمتلك مجتمعاً مدنياً متطوراً، يجب أن تتحد مجدداً مع الوطن الأم، لأن الشعب التايواني ينتمي لنفس عرق الشعب على البر الصيني الرئيسي. كما شددت الصين أيضاً على تبريرها لقانون منع الانفصال الذي سنته أخيراً وعلى حقها في استخدام القوة العسكرية لمنع أي محاولات من جانب تايوان لإعلان استقلالها بشكل رسمي. \r\n \r\n \r\n إن التأكيد على ضرورة أن تكون تايوان جزءاً من الصين يوازي رؤية أدولف هتلر بضم النمسا إلى ألمانيا لأن النمساويين من نفس عرق الألمان.ووسط مناخ التوتر هذا، كان الاتحاد الأوروبي يدرس إمكانية رفع حظر بيع السلاح للصين، التي من الواضح أنها مصدر مخاطر كبيرة. وهذه الخطوة كانت نابعة من طمع تجاري من جانب البلدان الأوروبية، وليس من جهلهم بحقيقة حالة التوتر الناشئة في آسيا. \r\n \r\n \r\n وفيما يغدو العالم مكاناً أصغر، في تقاربه المادي والزمني، فإن المجتمع الدولي كله، بما في ذلك أوروبا، يمكن أن يتأثر بسهولة بهذا الوضع. والكثير منا نحن في المجتمع المدني استطاع تحقيق الحرية بفضل التضحيات العظيمة التي قدمها أسلافنا. هل بوسعنا الآن حقاً أن نسمح للصين، بكل تحديها وطاقاتها السياسية الهائلة، أن تسعى على نحو صارخ لتحقيق مصالحها الاقتصادية في المنطقة الآسيوية؟ \r\n \r\n \r\n ترجمة: علي محمد \r\n \r\n \r\n خدمة «لوس انجلوس تايمز» \r\n \r\n \r\n خاص ل «البيان» \r\n \r\n \r\n