\r\n قبل اختفائه من الساحة السياسية، أنجزَ شارون عملين بالغي الأهمية هماً: الانسحابُ مِن قطاع غزة، مما ساهم في تلميع صورتِه على المستوى الدولي، وتأسيس حزب \"كاديما\"، الذي كَانَ يُنتظر أَن يقضي سياسيا علىَ حزبه السابق \"الليكود\". فقد كان من المتوقع فعلاً حدوث هزة سياسية قوية في إسرائيل، وبينما كانت النَتائِج تكاد تكون مضمونة مسبقا، إذا بالوضع يؤول إلى المجهول. \r\n ما الذي يمكن أن يحققه \"كاديما\" من دون زعيمِه؟ هذا الحزب الذي تأسس حديثاً في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2005، استمد هالته، إلى حد بعيد، من شعبيةِ شارون في إسرائيل. إن \"كاديما\" يفتقد أي عمق تاريخي، كما يفتقر لبرنامج سياسي. وإذا فاز هذا الحزب بالانتخابات، على الرغم مِن خفوته السياسيِ، فإنه سَيَستمرُّ على الطريق الذي فتحَه شارون مِن قِبل: تقديم تنازلاتِ للفلسطينيين، بحسب ميزان القوى الدولي، ولكن من دون مفاوضات. قد يكون هناك انسحابٌ جزئي أحادي الجانب من الضفة الغربية، بالإضافة إلى تفكيكِ بَعْض المستوطناتِ التي أقيمت فيما وراء جدار الفصل. غير أنه من المنتظر أن يتواصل الاستيطان في القسم الآخر من الضفة الغربية، بالإضافة إلى استمرار عملية بناءِ الجدار، وستظل القدس تحت السيطرةِ الإسرائيليةِ بالكامل. لنْ يَكُونَ الأمر سلامًا شاملاً، بل سيظل أبعد ما يكون عن تطبيقِ \"خريطة الطريق\". غير أن الأرجح هو أن تعود أعمال العنف في سياق يتسم بخيبة الآمالِ. \r\n الحزبان السياسيان الرئيسان الآخران اللذان سيُشاركانِ في المعركةِ الانتخابية في إسرائيل هما \"حزب العمل\"، بقيادة عمير بيريتس، و\"الليكود\" بزعامة نتانياهو. إذا فاز هذا الأخير، فلن تكون هناك \"تنازلات\" أخرى للفلسطينيين، والأغلب أنه سيتم اعتماد سياسة القوة، مما سيؤدي حتماً إلى تفجر أعمال العنفِ. أما إذا كان عمير بيريتس هو الفائز، فإنه سيذهب إلى أبعد بكثير مما كان ينوي شارون الذهاب إليه. يُنتظر أن يقبل، من خلال مفاوضات مع الفلسطينيين، ومقابل بعض التنازلات منهم، تأسيس دولة فلسطينيّة في الضفة الغربية عموماً، وتكون عاصمتها القدس، ما يعد بداية لتحقق السلام الحقيقي. \r\n إن بيريتس في نظر أغلبيةِ الإسرائيليين، أقرب ما يكون للحمائم، أما نتانياهو فيرونه أشبه ما يكون بالصقور. ومن ثم، فإن هذه الانتخابات تشكل رهاناً استراتيجياً رئيساً بالنسبة إلى عملية السلام. \r\n ولكن النظام الانتخابي الإسرائيلي، الذي يعتمد على القائمة النسبية، قد يفرز نتيجةَ ملتبسة، لا يفوز فيها أي حزب فوزاً حاسماً. لذلك، هناك فرصة ضئيلة، ولكنها قائمة، لرُؤية السلامِ يَتقدّمُ في حال فوز \"حزب العمل\". غير أن هذا السيناريو، للأسف، لا يبدو الأكثر ترجيحاً. لقد غدا الإسرائيليون مقتنعين بضرورة الانفصال عن الفلسطينيين، لكن حسب شروطِهم هُم، ومن دون مفاوضات. \r\n إذا عمت الفوضى الأراضي الفلسطينيّةِ، خصوصاً بعد فوز حركة \"حماس\" بانتخابات 25 يناير/كانون الثاني 2006، سيكون نتانياهو بالطبع المستفيدَ الأول، وسَتَزِيدُ حظوظه في الفوز بالانتخابات. لكن إذا استطاع الفلسطينيون منع حدوث تدهور شديد في الحالةِ الأمنية، فإن ذلك سيكون لمصلحة بيريتس. لذا، فإن مستقبلَ الانتخابات الإسرائيليةِ يتوقف أيضاً إلى حد كبير على مستقبلِ الوضع السياسي الفلسطيني، وخصوصا على تداعيات نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة. \r\n والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم يخص مآل تركة شارون. لقد كَان رجل الحرب في لبنان، وصاحب الزيارة الاستفزازية إلى المسجد الأقصى، التي فجرت الانتفاضة الثانيةِ، وأدت إلى إعادةِ احتلال الأراضي الفلسطينيّةِ. ولَكنَّه كَانَ أيضاً رجلَ الانسحاب مِنْ قطاع غزة، الذي لم يسبقه أحد من رؤساء الوزراء الإسرائيليين في تفكيك مستوطناتَ في الأراضي الفلسطينيّةِ. فهل كَان حقاً رجل سلام؟ \r\n إن ما يراه الإسرائيليون حقيقة لا يراه الفلسطينيون كذلك. والنتيجةَ أنّنا ما زِلنا في ظل النظرة الأُحادية السياسيةِ. مهما يكن من أمر، كان شارون رجلَ حركة نحو السلامِ، ولكن من دون مفاوضات: لم يتفاوض مع محمود عباس أكثر مما تفاوض مع عرفات. وإذا كان الانسحاب من قطاع غزة عملاً تاريخياً، فإنه لَيسَ سلاماً حقيقياً. لن نعرفَ أبدا إلى أي نقطةِ كان شارون سيَصل لو فاز بانتخابات مارس/آذار 2006. من المحتمل أنه كان سيذهب أبعد. كما أنه كان من المحتمل أيضاً ألا يصل إلى التطبيق الكامل لخريطة الطريق، التي نصت على تأسيس دولة فلسطينية، عند نهاية العام 2005، داخل حدودِ 1967. \r\n هل يكون السلام ممكناً إذا تم فرضه من طرف واحد من دون تفاوض مع الطرف الآخر، ومن دون موافقته؟ إذا كانت الحرب تشن بقرار من طرف واحد فقط، فإن السلام لا يتحقق دون توافق طرفين. كل ما عدا ذلك يسمى وقفاً لإطلاق النار أَو هدنة، فلا وجود لسلام أحادي الجانب؛ لذا فإن المخاوف تظل سائدة من أن تكون مرحلة الهدوء النسبي الحالية في الشرق الأوسط مرحلة انتقالية فحسب. \r\n يحب الإسرائيليون القول إن الفلسطينيين لا يتركون فرصة للخسارة دون أن يخسروا. لكن الإسرائيليين لديهم الفرصة الآن لتجنب أن ينطبق مثل هذا القول عليهم، إذا أعطوا أصواتهم لبيريتس في الانتخابات التشريعية المقبلة. \r\n على أي حال، فإن الكثير من العوامل يعتمد على الاختراق الذي قد يحققه \"كاديما\"، خاصة أن هذا الحزب الجديد يبدو ماضياً في الطريق نفسه بوجود شارون أو من دونه. \r\n \r\n