\r\n والآن مضى على وفاة الرئيس عرفات أكثر من عام وحركة فتح تغرق في الفوضى، وحركة حماس تزداد قوة، وبدلاً من التفاوض مع خليفة عرفات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عمل "الإسرائيليون" على إضعافه من خلال العديد من الأمور كالانسحاب الأحادي من قطاع غزة دون التنسيق معه، ومواصلة بناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية على حساب أراضي الفلسطينيين، والمضي قدماً في التوسع الاستيطاني، في حين دعمت إدارة بوش قلباً وقالباً كل ما قامت به "اسرائيل"، وأيدت احتفاظها الأخير بالمستوطنات الكبيرة والتجمعات الاستيطانية الضخمة في الضفة الغربية، ورفضها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة في إطار أي حل نهائي.\r\n ويؤكد محللون كثيرون يحاولون فهم حقيقة ما جرى في الانتخابات الفلسطينية أن معظم الناخبين الفلسطينيين إنما صوتوا ضد فساد حركة فتح وتجاوزاتها أكثر من تصويتهم لمصلحة سياسة حماس بشأن تدمير "إسرائيل". وهذا المنطق يبدو صحيحاً في سياق ما، لكن الغزو الأمريكي للعراق وما قامت به إدارة بوش من برنامج اقتصادي ومالي لمساعدة حركة فتح في الانتخابات الفلسطينية زاد من نقمة الفلسطينيين على تلك الإدارة وتوجهاتهم نحو المزيد من التطرف. \r\n وقالت لنا إدارة الرئيس بوش إن الطريق الى السلام بين الجانبين الفلسطيني و"الإسرائيلي" كان لا بد أن يمر من بغداد، ذلك لأن اسقاط الرئيس العراقي صدام حسين ونظامه التسلطي سيخلق ديمقراطيات تحت السيطرة في الدول العربية الاستبدادية، وإن تلك الديمقراطيات ستكون أكثر ليونة ومطاوعة في تسوية الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي". وأعرب خبراء كثيرون في شؤون هذه المنطقة عن اعتقادهم بأن القوى الإسلامية المحافظة التي ترفض المساومة مثل حماس ستحقق في الانتخابات الديمقراطية نتائج طيبة، وربما الفوز الواضح. ولسوء الحظ فإن الإدارة الأمريكية لم تشاور أياً من هؤلاء الخبراء أو تطلب آراءهم التي تأكدت صحتها ليس بالنسبة لفلسطين وإنما أيضاً بشأن إيران والعراق ومصر، ومن الواضح أن الانتخابات الديمقراطية ليست ضمانة للحريات واحترام حقوق الانسان. \r\n وفي الوقت ذاته أساءت إدارة الرئيس بوش تقديرها لمدى وعمق وحجم كراهية العالم الاسلامي لها ولعل أفضل نصيحة او توصية نقدمها لها لتحسين السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط هي الكف عن تهديد حكومات دول المنطقة وإجبارها على طاعة واشنطن في تعزيز الديمقراطية وتطويرها وإجبارها على القبول بدور قليل وتقديم تنازلات بشأن حل الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي". \r\n ومنذ دخوله البيت الأبيض لم يلعب الرئيس بوش دوراً كبيراً في الشرق الأوسط بل كان هذا الدور متواضعاً وكانت النتيجة أن تم استهلاكه وامتصاصه في دوامة التطورات والأحداث السياسية في المنطقة، بصورة تتسم بالالتفافية. \r\n والآن وبعد ذلك الانتصار المدوي لحركة حماس فإن من المتوقع أن يحقق المتطرفون نتائج جيدة وربما فوزاً كبيراً في الانتخابات "الإسرائيلية" نهاية الشهر المقبل. وعلى الرغم من أن حركة حماس وأية حكومة "إسرائيلية" جديدة سيتعين عليها التحلي بالروح العملية "البراغماتية" بدلاً من التصريحات الطنانة والخطب البلاغية، إلا أن الفلسطينيين و"الإسرائيليين" سيكونون أكثر بعداً عن تسوية الصراع والمستمر بينهما منذ عقود. وإذ عجز "الإسرائيليون" عن التوصل الى اتفاق سلام نهائي من خلال التفاوض مع الرئيس الراحل عرفات، ومن بعده الرئيس عباس، فإن عجزهم وفشلهم في هذا يبدو مرجحاً أكثر مع حركة حماس الأكثر صلابة وتشدداً. \r\n وعلى النقيض من الحكمة التقليدية المعروفة، فإن تسوية الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" وحدها التي يمكن ضمانها بسمعة الولاياتالمتحدة وهيبتها وأموالها، ولكن الوصول الى هذه التسوية ليس ضرورة او حاجة استراتيجية حقاً لبدء مفاوضات حقيقية وجادة وهذا ليس موجوداً لدى أي من الطرفين الآن وقد يبقى غير موجود لبعض الوقت مستقبلاً فإنه يمكن لواشنطن القيام بدور الوسيط المحايد وليس الضامن لأية تسوية. وفي هذه الأثناء يتعين على الرئيس بوش تتبع غريزته الطبيعية. \r\n \r\n * عضو وباحث بارز في المعهد المستقل، ومدير مركز السلام والحرية التابع للمعهد، وله عدة مؤلفات. والنص منشور على موقع "اندبندنت دوت اورغ" \r\n