لقد حملت الإنتخابات العراقية في طياتها أملا في إحداث تغيير للصراع الدائر بانتقاله من حقبة تفجيرات السيارات المفخخة إلى عصر جديد تفرض فيها السياسة قوتها على العنف. ولم يتسن للانتخابات السابقة أن تستأصل شأفة العنف وإراقة الدماء لأنها فشلت في معالجة المشكلة الحقيقية التي تغذي جذور العنف عندما شعر السنة العراقيون بأن البساط قد سحب من تحت أرجلهم بعد أن حكموا العراق فترة طويلة إبان نظام صدام غير أنهم لم يجدوا لهم دورا في العراق الجديد. وقد رفض السنة الإشتراك في الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير الماضي ولكن هذه المرة كان لهم حضور قوي في مراكز الاقتراع حتى في المدن التي يشتد فيها العنف مثل الرمادي حيث تتواجد أعداد كبيرة من المقاتلين. \r\n وهناك عاملان وراء هذا التحول في موقف السنة العراقيين أولهما أن معظمهم قد أدرك أن المقاطعة تعني إقصاءهم عن العملية السياسية التي يتقاسم فيها الشيعة مع الأكراد موارد العراق . \r\n وفي شهر يوليو عندما كنت في بغداد أخبرني مثقفون وعلماء دين من السنة أنهم يعتقدون أن المقاطعة كانت قرارا خاطئا . وقد جاءت القوانين الجديدة للانتخابات والتي تضمنت مزيدا من المقاعد للسنة كحافز مقنع للمشاركة. \r\n الأمر الثاني هو التغير الجوهري الذي طرأ على السياسة الأميركية في تعاملها مع السنة . فخلال فترة الاحتلال التي تولى فيها بول بريمر إدارة شئون العراق لم تكن هناك استراتيجية للتعامل مع السنة ، وقام بريمر بحل الجيش العراقي وهو ما دفع كثيرا من قادة الجيش السنة إلى الانخراط في صفوف المقاومة ، كما تبنى بريمر سياسة تطهير ضد البعثيين وهو ما ترك كثيرا من الأعضاء السابقين في حزب صدام دون أمل في الحصول على فرصة للعمل. \r\n وخلال زيارة قمت بها للرمادي عام 2003 أخبرني زعماء قبائل سنة معروفين بأنهم كانت لديهم رغبة في العمل مع الأميركيين بيد أن الجنود الاميركيين بادروهم بمهاجمة منازلهم فما كان من البعض منهم إلا أنهم مدوا يد المساعدة إلى المقاتلين لصنع المتفجرات التي يهاجموا بها القوات الأميركية. \r\n إلا أن السفير الاميركي زالماي خليل زاد الذي وصل في يوليو شرع في التواصل مع قادة السنة أملا في القضاء على المقاومة وقد أظهر في ذلك حنكة دبلوماسية . وبدأت مؤشرات الأمل في الظهور . ففي الرمادي قام أفراد حراسة من القبائل السنة - وليس جنودا أميركيين أو عراقيين - بحماية مراكز الاقتراع ، وهذا في حد ذاته تغيرا جوهريا على ضوء ان أعداد السنة في الجيش العراقي الجديد ما تزال محدودة للغاية. \r\n وهناك مؤشر آخر جيد ان بعض الجماعات المسلحة مثل الجيش الإسلامي في العراق قد طلبت من أعضائها عدم مهاجمة مراكز الاقتراع على الرغم من أنها أوصت بمواصلة استهداف وقتل الجنود الأميركيين . وحتى القاعدة التي تشجب الانتخابات لم تهدد بأعمال عنف لإفساد الإنتخابات. وبمعنى آخر فقد أدرك المقاتلون أنهم لا يسعهم مجابهة الإرادة الشعبية. \r\n ومن ثم فقد وصل العراق إلى نهاية بداية حقبة ما بعد صدام حسين ، ولكن هل يمكن أن يتبع ذلك فترة يجلس فيها العراقيون لإنهاء خلافاتهم داخل الجمعية الوطنية ويتسنى للقوات الأميركية حينئذ الخروج من العراق ؟ \r\n الأمر لم يتضح بعد ، وما يزال كثير من المثقفين السنة يؤمنون - خطأ - بأنهم يمثلون الأغلبية . وقد خصص للكتلة السنية 20 % من مقاعد الجمعية الوطنية ، فهل يدرك السنة حجم دورهم بعد التغيير الجوهري الذي طرأ عليه ؟ \r\n والأكثر من ذلك فقد شارك كثير من السنة في الإقتراع الأخير رغبة في تدراك مخاوف مؤرقة تتمثل في احتمال قيام احزاب شيعية وكردية بتقسيم العراق . والدستور العراقي الجديد يسمح للمحافظات الشيعية والكردية بالهيمنة المشتركة على مناطق حيوية بها حقول نفط لم يتم استكشافها بعد. \r\n لقد حملت الانتخابات العراقية معها آمالا جديدة بيد أنها تفتقد إلى ضمانات يمكن ان تكفل إنجاحها ، ويبدو أن العراق الآن قد اجتاز نهاية البداية ودخل حقبة جديدة سوف تكشف الأشهر القليلة القادمة عن ابعادها الحقيقية. \r\n ترودي روبين \r\n كاتبة عمود وعضو في أسرة تحرير صحيفة فلادلفيا إنكوايرر \r\n خدمة كيه ار تي خاص ب(الوطن)