«أحاول هنا التفرغ لعرض بعض الأفكار حول التحديات التي تفرضها الهجرة والتنوع في أوروبا ونحن نعرف أن رجال السياسة وأنا واحد منهم لا نستخدم عبارة «التحدي» إلا حين نعني عادة بأننا نواجه مشكلة، فهل نحن حقاً نواجه مشكلة كبيرة؟ يبدو أننا نواجه مشكلة ونحتاج إلى وضع جدول عمل من أجل حلها. لكنني رغم ذلك أتعجب وأتساءل في بعض الأحيان حول ما إذا كانت جميع الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية في أوروبا تفهم حقاً المسائل المرتبطة بهذا الموضوع. ففي الانتخابات التي جرت قبل وقت قصير في ألمانيا على سبيل المثال لم يتم التطرق بأي شكل لهذه القضية. وأنا لا أستطيع أن أتصور، وأعتقد أن تكون ألمانيا هي الدولة الوحيدة التي لا تظهر فيها أي مشاكل للهجرة أو لإدارة التنوع!؟ فنحن في أي مكان نعيش فيه في أوروبا لا نتعرض أو نتطرق بشكل كافٍ لما تفرضه الهجرة من تحديات وتنوع. فنحن نتنكر لهذه المشاكل وننفي وجودها ولا نشير إلا إلى قصص النجاح، وبالإضافة إلى ذلك غالباً ما يجعلنا هذا الموقف أكثر سذاجة وأقل تقبلاً للنتائج عندما تظهر الأخطاء في عملية الهجرة. وهذا الشعور يلازمني حتى حين ألاحظ محاولة الاشتراكيين الديموقراطيين إبعاد الانتقادات الموجهة للتعدد الثقافي حين يعلنون عن عدم وجود أي جديد في مشاكل الهجرة. وما يقوم به الاشتراكيون الديموقراطيون بهذه الطريقة يصح أيضاً على ما يقوم به آخرون يلجأون إلى التهرب من هذه القضية. فالهجرة محتمة وهذا ما نقوله دوماً ونضيف إليه بأننا بحاجة إلى المهاجرين من أجل المحافظة على استمرار النمو في اقتصادنا وهذا صحيح تماماً. ولذلك من المهم جداً التعامل مع قضية الهجرة ومشاكلها في المراحل المبكرة من ظهور هذه المشاكل. \r\n \r\n \r\n التضامن هو أساس القيم الاشتراكية الديموقراطية \r\n \r\n أعتقد أن أحد الأسس التي تستند إليها القيم عند الاشتراكيين الديموقراطيين وتدافع عنها دوماً هي التضامن. وإنني على قناعة بأن التضامن بدأ يتعرض للخطر من الهجرة والتنوع. لكن هذا لا يعني أنه لم يعد في مقدورنا عمل أي شيء تجاه التضامن، بل على النقيض من ذلك دعونا نعترف بوجود احتكاك واختلاف. والتضامن لا يعني أنه مسألة تتعلق بشكل كامل أو حاسم بالإيثارية. فالكثيرون من علماء الاجتماع اعتبروا أن دولة الرفاه الاجتماعي لا تقوم على الإيثارية، وإنما على المصالح الخاصة المتنورة. ونحن جميعاً نسير في المخاطرات نفسها، ولذلك يمكننا العمل على تأمين أنفسنا ضد هذه الأخطار. فلا أحد يرغب أن يعيش في أحياء تتولد فيها فرص تزايد عدد المتسولين والمواطنين الذين لا مأوى ومنزل لهم سوى الأرصفة على الدوام، مثلما لا يرغب أحد بالعيش في منازل يمكن أن يتسلق إليها ويكسر أبوابها شبان صغار لا عمل لهم. ولذلك لا بد من قيامنا بتعليم هؤلاء الشبان الصغار والمهاجرين وتحسين مستوى وفرص عيشهم. ومن الواضح أن المجتمعات المتضامنة هي من أكثر المجتمعات تنظيماً ودعماً لأفرادها حيث يتمكن فيها المواطنون من تحقيق مصالح مشتركة والتعرض للمخاطر العامة نفسها في التجارة والعمل. ويتبين دوماً أن المجتمعات التي تتفهم بعضها البعض تزيد من قدراتها في التغلب على المخاطر طالما أن المصالح المشتركة هي التي تجمعها في النهاية. لكن المأساة في بعض مجتمعات أوروبا الغربية وخصوصاً في هولندا هي أن هذه الأسس التي تقوم عليها قيم التضامن بدأت تتعرض للزعزعة والتحديات بسبب الهجرة وبسبب فشل هذه المجتمعات في دمج واستيعاب المهاجرين الجدد في مجتمعاتها. وكلما ازداد التنوع في مجتمع ما كلما أصبح من الصعب أكثر فأكثر المحافظة على دعم فكرة التضامن وتجسيدها. ويبدو أن جزءاً من المشكلة يكمن هنا في فقدان القيم المشتركة بين أفراد المجتمع الأوروبي الغربي المتنوع. وهذا ما يمكن أن يدفع المواطن الذي يدفع الضرائب إلى التساؤل حول الأسباب التي تدعوه إلى بذل جهوده من أجل أناس لا يعرفهم ولا يفهمهم. \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n فقدان المصالح المشتركة \r\n \r\n لكن المسألة الأخرى التي تثير القلق في هولندا هي أن الهجرة ربما لا تؤدي فقط إلى فقدان القيم المشتركة، بل يبدو أنها ستؤدي إلى فقدان المصلحة المشتركة. ففي المجتمع الهولندي تتحدث الحقائق عن نفسها بنفسها لأن المخاطر لا يتعرض لها سوى جزء من أفراد المجتمع هم من المهاجرين الجدد والمهاجرين من فترة من الزمن الذين لا يجدون فرصة متساوية مع بقية أفراد المجتمع في التعليم. ومعظمهم عاطل عن العمل أو مريض، وفي النهاية يمضي نحو الجريمة والمخالفات الجنائية، وهذا ما يخلق بدوره تذمراً داخل الطبقة الوسطى من البيض الهولنديين الذين بدأوا يتساءلون: «هل سندفع الضرائب عن أنفسنا أو أننا سندفعها عن هؤلاء المهاجرين!». ولهذا السبب أشعر بالاقتناع بأن الهجرة غير المحدودة والفشل في دمج المهاجرين يشكلان خطراً على التضامن الاجتماعي وعلى تقاسم الرفاه الاجتماعي الذي نعتز به كإشتراكيين ديموقراطيين. ولا تكمن المسألة هنا حول ما إذا كنا نوافق على هذه النتيجة، بل إن كل ما نعرضه هنا حقائق، وهذه الحقائق تقلقني جداً. ومع ذلك هناك ما يمكن القيام به عن طريق الاشتراكيين الديموقراطيين وتأكيدهم على عدم وجود أي خطأ في دفع الضرائب من أجل مصلحة ومنفعة الآخرين. وإذا كانت منظومة القيم في البلاد أصابها الخلل فينبغي إعادة بنائها. \r\n \r\n \r\n خطة ايجابية لاستيعاب المهاجرين \r\n \r\n ولا بد من الاعتراف بأن الاشتراكيين الديموقراطيين في أوروبا لم يتعاملوا بشكل جيد مع هذه المشاكل الناجمة عن الهجرة وربما يعود ذلك إلى خوفهم من أن يتهموا بالعنصرية أو إلى خوفهم من شن اليمين حملة هجوم وانتقادات ضدهم في مسائل مرتبطة بالتنوع والتضامن في المجتمع الحديث. وبهذه الطريقة ترك الاشتراكيون الديموقراطيون هذه المهمة لليمين المحافظ بحجة أن ذلك ينقذنا من خيارات غير مريحة، فتبين أن هذا التلكؤ لم يقدم مساعدة للكثيرين من المهاجرين الذين يعتمدون علينا. وهذا ما يدعونا الآن إلى وضع إجابة تقدمية وخطة إيجابية تتشكل من العناصر التالية: 1 - علينا التركيز على خطورة غياب القيم الثقافية المشتركة التي تدعو الطبقات الوسطى إلى تقديم المساعدات من أجل التضامن الاجتماعي والاقتصادي في هولندا. وبسبب هذا الغياب علينا العمل من أجل خلق ثقة مشتركة وتفاهم بين الفئات المتعددة في مجتمعنا الهولندي. لكن العامل الأهم من هذه الثقة هو الإيمان بأن زيادة الاهتمام بالمهاجرين من ناحية اقتصادية لا يمكن أن ينجح إلا بوجود ثقة سياسية تستند إلى مصداقية اجتماعية بين الفئات الهولندية المتنوعة. وإن خطتنا ينبغي أن تؤكد على ضرورة قبول المواطنين مهاجرين كانوا أم أصليين بالحريات المدنية ومنها حرية التعبير والتعامل بشكل متساو مع المرأة والرجل والشاذين والشاذات، وفصل الدولة عن الدين والكنيسة، وقبول مبدأ الحكومة الديموقراطية وسيادة القانون. ولا شك أن هذه المبادئ الأساسية لم يتم تثبيتها بشكل دائم ولذلك علينا الدفاع عن الهجرة والمهاجرين طالما أننا ندافع عن هذه المبادئ ونسعى إلى تثبيتها في الحياة الاجتماعية بين المهاجرين وبقية المواطنين. ثانياً: لا بد من الإشارة إلى غياب المصلحة المشتركة. فإذا شعر الجميع في هولندا أننا جميعاً نواجه أخطاراً مشتركة فسوف يكون من الأسهل حينئذ إيجاد دعم واسع لتدابير الرفاه الاجتماعي وتقاسمها بشكل مقبول. ولتحقيق هذه الغاية ينبغي على الأحزاب والقوى السياسية في هولندا العمل من أجل تحقيق الهدف التقدمي الرامي إلى تطوير قدرات المواطنين الأقل تطوراً ومحاربة العنصرية والتمييز العرقي والإتني الذي يعرقل أو يحول دون انضمام جزء من المهاجرين إلى المواطنين. فنحن نهدف إلى تشكيل حياة اجتماعية يتساوى فيها الجميع سواء كان أبيض أو أسود، مسيحياً أو مسلماً، في فرص تحقيق حياة كريمة. وهذا كله في مصلحة الجميع تماماً وليس في مصلحة فئة واحدة. ثالثاً: لا بد من إدراك الصعوبات الكبيرة التي تعترض تحقيق هذا الهدف. فاندماج المهاجرين بتنوعهم المختلف يتطلب جهوداً كبيرة من الجميع سواء ممن ولد في هولندا أو ممن جاءنا كمهاجر جديد من أصل غربي أو شرقي. ولا شك أن إنجاز مثل هذه المهام يستلزم جهوداً من أصحاب العمل والمستثمرين الهولنديين ومن رجال السياسة والزعماء الروحيين والصحفيين وشركات البناء. ومع ذلك نحن ندرك أن كل مجتمع له طاقة بهذا القدر أو ذاك تجاه استيعاب المهاجرين الجدد، ومن هنا لا يمكن أن يتحقق الاستيعاب المناسب والناجح إلا بوضع سياسة تحد من الهجرة لأن طاقة هولندا على الاستيعاب ليست لامتناهية. \r\n \r\n \r\n تفهم الحدود، ومسألة الإرهاب \r\n \r\n من المسائل المهمة التي يتعين النظر إليها بحيوية مسألة الإرهاب فعلى النقيض مما يروجه البعض في هولندا لا يوجد للإرهاب سوى دور محدود وضئيل جداً في الإخفاق الذي تتعرض له التعددية الثقافية. ولا شك أن إعطاء الإرهاب دوراً كبيراً في الفشل في التعايش والتضامن داخل المجتمع الهولندي لا يدل على الحقيقة بل يشير إلى عدم تقدير هذه الحركة الإرهابية السياسية المنظمة التي يجري تمويلها دولياً. وإذا ما اعتبرنا أن العمليات الإجرامية المنسوبة للإرهاب هي نتيجة لفشل سياسة الاندماج، فإننا نقع بهذه الطريقة في الفخ الذي يريدنا الإرهابيون الوقوع فيه. ففي هذه الحالة نكون مثل الذي يضع الإرهابيين في مرتبة الشبان المسلمين المواطنين نفسها الذين لا يلقون في المجتمع إلا دوراً هامشياً، والحقيقة هي أن الإرهابيين هنا في هولندا لا يحبون الشبان المسلمين الهولنديين الذين يحاولون الاندماج بالمجتمع والحياة في هولندا ويبذلون جهوداً كبيرة من أجل تحقيق هذه الغاية. ويميل أفراد المجموعات الإسلامية المتشددة إلى تجنيد الشبان المسلمين ممن يعارضون الاندماج وممن يميلون إلى الاندماج في الوقت نفسه. وهذا ما تشير إليه العمليات التفجيرية التي نفذت في جزيرة (بالي) في إندونيسيا وفي الدار البيضاءوأمستردام ولندن. بل إن هذه المجموعات الأصولية المتشددة تسببت بقتل مسلمين أكثر من غيرهم، وإذا كان التحليل الذي أتقدم به إلى الاشتراكيين الديموقراطيين صحيحاً فإن الرد على هذا الخطر الجديد الذي نواجهه في مجتمعنا الهولندي ينبغي أن يكون رداً ذرائعياً وعملياً يقوم على تعزيز قوة الأمن والمخابرات من أجل إبعاد هذه المجموعات عن المسلمين الهولنديين المواطنين. بناء الجسور بين أفراد المجتمع ولذلك لا تكمن المشكلة في موضوع رفض الاندماج لأن المسلمين المهاجرين في هولندا وبقية أوروبا لن يعارضوا الاندماج في مجتمعاتنا مثلما لا تكمن مشكلة فشل قبول تعدد الثقافات في وجود الإرهاب أو في التسبب به. أما العوامل التي تساهم في الحل عندئذ فهي دفع عملية الاندماج إلى درجة من الفاعلية وبناء الجسور والصلات التي تربط بين أفراد مجتمع متنوع الثقافات وتربطه المصالح والقيم المشتركة في الحياة والتقدم والتضامن. وهذا من شأنه خلق ولاء للمجتمع والحياة والمستقبل في هولندا وسوف يؤدي إلى توليد الأمل عند الشبان المسلمين ولا يدفعهم نحو التطرف الأصولي. ومن المهم هنا التأكيد على ضرورة أن يؤمن المواطنون الهولنديون مسلمين وغير مسلمين بأن الحكومة الهولندية هي التي تمثلهم وتشكل المرجعية وهي التي تدافع عنهم وتحميهم. والمطلوب الآن هو تجسيد التعامل بالمساواة بين جميع المواطنين من دون النظر إلى لونهم أو دينهم من قبل الحكومة وأجهزتها. وحين يتم تنفيذ هذه الشروط على الأرض سيشعر كل مواطن بأنه يتمتع بالحماية وبالعضوية في هذا المجتمع وهذا ما سوف يحول دون نجاح المجموعات الإسلامية المتشددة من تجنيد الشبان المسلمين الهولنديين أو استغلال عواطفهم الدينية أو مشاعر الغربة التي قد تتولد داخلهم. إن الحل هو أن نكون في هولندا وفي أوروبا كلها طموحين من أجل دمج جميع الأقليات الاتنية والدينية في هولندا ومجتمعها الديموقراطي. فالمطلوب هو تحويل هذه الأقليات إلى جزء من «نحن» التي توحد الجميع من أجل الكفاح ضد كل من يهدد ويعرض للخطر قيمنا الإنسانية في هولندا». \r\n \r\n \r\n زيادة عدد المهاجرين خلال ثلاثين عاماً \r\n \r\n لم يكن عدد الأجانب المهاجرين في داخل هولندا يزيد عن نسبة 2% من السكان الأصليين البيض الهولنديين في عام 1970. وفي عام 1980 ازدادت نسبة الأقليات المهاجرة إلى هولندا فأصبحت 4% وفي عام 1991 أصبحت النسبة 5% داخل السكان الهولنديين الذين بلغ عددهم في ذلك الوقت 15 مليوناً فقط. ومنذ السبعينات تأثر الاقتصاد الهولندي بشكل سلبي وتراجعت قدراته بسبب أزمة النفط وحظره في أعقاب حرب عام 1973 في الشرق الأوسط. وفي عام 1988 بلغ عدد العاطلين عن العمل نصف مليون تقريباً ومعظمهم من الأقليات التي لم تستطع لأسباب عدة تعزيز قدرتها على الاندماج رغم توفر الفرص المناسبة لها. ويعيش في هولندا مسلمون من الأتراك، والمغاربة، وإندونيسيا وبعض الدول الآسيوية إضافة إلى نسبة من الآسيويين القادمين من مستعمرات هولندا السابقة. وكان الهولنديون أنفسهم قد تشكلوا من عدد من الاتنيات الأوروبية مثل (الشيل) و(الأكزو). وإذا ما استقر الحل الذي يطرحه الاشتراكيون الديموقراطيون وتعزز وجوده على قاعدة التضامن والمصلحة المشتركة، فمن المتوقع أن يعكس هذا أجواء طيبة في فرنسا تجاه الأزمة التي تولدت من الأقليات ومعاملتهم السيئة وغير المتساوية. ويبدو أنه لم يكن من الصدفة أن تكون نتائج الاستفتاء في فرنساوهولندا تجاه دستور الاتحاد الأوروبي سلبية حين رفضت الأغلبية في كلا الدولتين ذلك الدستور وتسببتا بتعطيله. وعز المحللون أسباب رفض الأغلبية إلى أسباب اقتصادية بشكل رئيس وأسباب ترتبط بزيادة عدد غير الفرنسيين وغير الهولنديين في كل من فرنساوهولندا ومضاعفاته على الثقافة الفرنسية والهولندية.. ومع ذلك، تشير نتائج الدراسات السياسية في أوروبا إلى أن أي نجاح للاشتراكيين الديموقراطيين في الانتخابات البرلمانية المقبلة في عام 2006 سيؤدي إلى وضع الحلول المناسبة لهذه المشكلة خصوصاً بعد الاحتمال شبه المؤكد بسقوط جاك شيراك في أعقاب أحداث الشغب التي وقعت في باريس قبل أسابيع قليلة. ويذكر أن هولندا نفسها واجهت نسبة قليلة من حوادث الشغب حين وقعت مجابهات بين المسلمين الهولنديين والسلطات في أمستردام قبل فترة وجيزة.. \r\n \r\n \r\n \r\n