«زي النهارده» في ‌‌23‌‌ يوليو ‌‌1952‌‌.. قيام ثورة ‌‌23‌‌ يوليو ‌‌1952    كليات تبدأ من 68%.. مؤشرات تنسيق الثانوية العامة أدبي بالمرحلة الأولى    سعر اليورو اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025 مقابل الجنيه.. بكام في الأهلي ومصر؟ (آخر تحديث)    أسعار سيارات Genesis في السوق المصري    قصف موقع قيادة للاحتلال وتدمير ناقلة جند إسرائيلية ب قذيفة «الياسين 105»    منها جون إدوارد، 3 أسباب لفشل صفقة انتقال تيدي أوكو إلى الزمالك    عودة القائد.. حارس الصفاقسي يرحب ب معلول (صورة)    الصفقات الجديدة والراحلين يشعلون غضب يانيك فيريرا في الزمالك.. تقرير يكشف    مقتل 4 أشخاص في مشاجرة بالأسلحة النارية بين عائلتين أولاد عمومة بقنا    رابط نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 عبر بوابة الأزهر الشريف فور اعتمادها رسميًا    تظلمات نتيجة الثانوية العامة 2025 «الخطوات والرسوم والمواعيد الرسمية»    حمزة نمرة يطرح اليوم الدفعة الأولى من ألبومه "قرار شخصي"    نقابة الموسيقيين اللبنانية عن تقبيل راغب علامة في حفل العلمين: تعبير عن محبة واحترام    طريقة عمل الحواوشي بالعيش، أحلى وأوفر من الجاهز    ترامب يتهم باراك أوباما بالخيانة بشأن تدخل روسيا في انتخابات 2016    إحالة وزيرة فرنسية وكارلوس غصن إلى المحاكمة.. ما السبب؟    التعليم العالي: 1.1 مليون متقدم للتنسيق وفرص طلاب الثانوية الحديثة أعلى في الهندسة والحاسبات    سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 23-7-2025 مع بداية التعاملات    المتحدثة باسم البيت الأبيض تنصح عائلة جو بايدن بالصمت    بانوراما أيامنا الحلوة تجسّد مشاعر الحنين إلى الماضي على المسرح المكشوف بالأوبرا    لنقلهم إلى درعا.. دفعة جديدة من الحافلات تصل السويداء لإخراج المحتجزين    فيروس شيكونجونيا.. ما هو وباء البعوض الذي حذرت منه منظمة الصحة العالمية ويهدد 5 مليارات شخص؟    إعلام فلسطيني: الاحتلال يشن غارات على دير البلح وخان يونس    "مستقبل وطن" يحشد جماهير مطاي في مؤتمر لدعم مرشحيه بانتخابات الشيوخ 2025    رئيس اتحاد الخماسي يُكرم طالب بني سويف الأول على الجمهورية ب100 ألف جنيه    لمدة 7 ساعات.. قطع التيار الكهربائي عن 12 منطقة في البحيرة    جامعة الإسكندرية تستقبل وفد المركز الإعلامي الأوزبكستاني    رئيس "بنك الطعام": نقدم نموذج شمولي فريد بالتعاون مع 5 آلاف جمعية    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    كتائب القسام: قصفنا موقع قيادة وناقلة جند إسرائيلية بالقذائف والصواريخ    عبد المنعم سعيد: الاستقرار في مصر والسعودية نتاج قرار وطني ينبذ التفرقة الطائفية    الأولى على الثانوية العامة شعبة أدبي ل«المصري اليوم»: «بكيت فرحًا وسألتحق بالألسن»    عبدالمنعم سعيد: المنطقة كانت تتجه نحو السلام قبل 7 أكتوبر    سعر الزيت والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة 2025 .. نصائح لاختيار الجامعة والكلية المناسبة لك    شخص مقرب منك يؤذي نفسه.. برج الجدي اليوم 23 يوليو    محمد التاجي: جدي «عبدالوارث عسر» لم يشجعني على التمثيل    محمد التاجي: فهمي الخولي اكتشف موهبتي.. ومسرح الطليعة كان بوابتي للاحتراف    الرابعة على الثانوية: تنظيم الوقت سر النجاح.. وحلمي أكون طبيبة    فرصة لإدراك تأثير جروح الماضي.. حظ برج القوس اليوم 23 يوليو    تعليم البحيرة تهنئ الطالبة نوران نبيل لحصولها على المركز السادس فى الثانوية العامة    «الأهلي بياخد الدوري كل أثنين وخميس».. نجم الزمالك السابق يتغنى ب مجلس الخطيب    منها السبانخ والكرنب.. أهم الأطعمة المفيدة لصحة القلب    «الإندومي» والمشروبات الغازية.. أطعمة تسبب التوتر والقلق (ابتعد عنها)    بدون أدوية.. 6 طرق طبيعية لتخفيف ألم الدورة الشهرية    دروجبا: محمد شريف هداف مميز.. والأهلي لا يتوقف على أحد    وساطات بتركيا تسعى لإطلاق سراحه .. إعلام "المتحدة" يُشيع تسليم محمد عبدالحفيظ    موندو ديبورتيفو: الخطيب بحث إمكانية مواجهة برشلونة بافتتاح استاد الأهلي خلال زيارة لابورتا    "التعليم": إعلان تنسيق المرحلة الأولى خلال 4 أيام من ظهور نتيجة الثانوية العامة    درس حصوله على الجنسية المصرية.. شوبير يكشف مفاجأة بشأن وسام أبو علي    محافظ الشرقية يهنئ ياسمين حسام لتفوقها: نموذج مشرف لأبناء المحافظة    من 4% إلى 70%.. الطالبة ميار حماده تحقق قفزة دراسية لافتة في قنا    إلى الحبيب الغالي.. رسالة من ممدوح عباس إلى حسن شحاتة    ما حكم الاعتداء على المال العام؟.. أمين الفتوى يجيب    ما هي كفارة اليمين؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز الوضوء مع ارتداء الخواتم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أدعية لطلاب الثانوية العامة قبل النتيجة من الشيخ أحمد خليل    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



'دولة يهودية' أم 'دولة لكل مواطنيها'؟
نشر في التغيير يوم 18 - 02 - 2010

جوزف الغازي* JOSEPH ELGAZI طوال شهر آب/أغسطس، كانت وسائل الإعلام في العالم كلّه تلفت إلى اعتدال الجيش والشرطة الإسرائيليين، خلال عملية إخلاء إحدى وعشرين مستوطنة في قطاع غزة وأربع في الضفة الغربية. وما كان الأمر ليجري بهذا الشكل قبل خمس سنوات، عندما عبّر فلسطينيّو إسرائيل عن تضامنهم مع أخوتهم في الأراضي المحتلة التي سقطت في القدس، بعد زيارة الجنرال أرييل شارون لباحة المسجد الأقصى في 28 أيلول/سبتمبر عام 2000، والتي فجرت الانتفاضة الثانية. وكان من شأن عملية القمع الدموية أن تركت جراحات عميقة في أوساط المواطنين العرب في الدولة اليهودية.
\r\n
ففي مطلع تشرين الأول/أكتوبر عام 2000، وفي غضون أيام، قتلت وحدات الصدم في الشرطة مع القنّاصة والمشاركين في المذبحة ضدّ العرب في ذكرى حرب يوم الغفران، في 8 تشرين الأول/أكتوبر عام 2000، 13 عربياً، 12 منهم مواطنون إسرائيليون وواحد هو من سكان الأراضي المحتلة، وجرحت عشرات الأشخاص. وقد عمد في حينه رئيس الحكومة الإسرائيلية، السيد إيهودا باراك، ووزير الشرطة في حكومته، السيد شلومو بن عامي، ووزير داخليته، السيد حاييم رامون، وثلاثتهم من زعماء حزب العمال الحاكم ومحسوبون على \"الحمائم\"، إلى تبرير المجزرة على أساس شرعيّ، إذ أوضحوا انه لا يمكن لدولة إسرائيل أن تسمح بقطع إحدى الطرق الكبرى [1
].\r\n
وفي الأول من أيلول/سبتمبر عام 2003، وبعد مضيّ عاميْن على هذه الأحداث، صدر عن لجنة حكومية برئاسة تيودور أور، العضو في المحكمة العليا، تقرير عن هذه الأحداث يقع في 831 صفحة. وقد كرّر هذا التقرير المبدأ القائل بأنه يحقّ للدولة أن تتدخّل لفتح الطرق الكبرى المقطوعة في البلاد، وبالقوّة إذا تطلّب الأمر، لكنه لفت إلى أنّ استخدام الرصاص الحيّ، وأكثر منه الاستعانة بالقنّاصة، لا يشكّلان وسيلة ملائمة لتفرقة الحشود
.\r\n
وقد ذهب التقرير أبعد من ذلك، إذ دعا الشرطة إلى التحرّر من ثقافة الكذب، والى إقناع قوّاتها بأنه يجب ألاّ يُعامل سكّان إسرائيل العرب على أنهم أعداء، كما أكّد أنّ الحكومات المتعاقبة لم تجد حلاً للمشاكل الخطيرة الناتجة عن سياسة التمييز تجاه الأقلية العربية الكبيرة. وحضّ السلطة على العمل على تحسين نوعية حياة هذه الأقلية
.\r\n
غير أنّ اللجنة لم تتّهم لا رئيس الوزراء ولا وزير الشرطة، مُسيئة بذلك إلى الناطقين باسم السكان العرب كما إلى الأوساط الديموقراطية اليهودية [2]. وقمّة الخطأ كانت في أنّ التقرير لم يُنشر حتى في اللغة العربية وهي اللغة الرسمية الثانية في الدولة اليهودية
!\r\n
وفي 14 أيلول/سبتمبر عام 2003، التزمت حكومة شارون كلامياً بتوصيات اللجنة، وشكّلت لجنة وزارية، برئاسة السيد يوسف لابيد، وزير العدل آنذاك. غير أنّ الممثّلين العرب قاطعوا هذه الهيئة لأنها ضمّت وزراء مؤيّدين لعملية \"الترحيل\" (ترانسفير)، أي طرد الفلسطينيين. وقد أوصت لجنة لابيد \"بإنشاء جهاز حكوميّ يعمل على تقدّم الأقليات غير اليهودية\"، وطالبت بالعمل على \"دمج شبّان القطاع العربيّ الذين لا يقومون بالخدمة العسكرية في إطار خدمة حكومية وطنية مدنية [3
]\".\r\n
ولم يكن عرب إسرائيل هم الوحيدين الذين انتقدوا علناً هذه المقترحات، فالقاضي \"أور\" نفسه اتّهم الدولة مرّات عديدة بأنها لم تعمل بالشكل الكافي لتطبيق توصيات لجنته، بغية وضع حدّ لأعمال التمييز. وإضافة إلى ذلك، وجّه لوماً \"إلى \"الشرطة العسكرية\" لأنها لم تحدّد المسؤوليات في أوساط المسؤولين المتورّطين في أعمال إطلاق النار القاتلة في تشرين الأول/أكتوبر عام 2000 [4
].\r\n
والاقتراح الأكثر إثارة للخلافات، كان ذاك الداعي إلى اعتماد خدمة مدنية بديلة للشبّان العرب الذين لا يؤدّون الخدمة العسكرية. والجدير ذكره أنّ إسرائيل، ومنذ إنشائها، تشكّ في ولاء العرب وتستبعدهم بالتالي من الخدمة العسكرية الإلزامية. أما بالنسبة إلى العرب، فإنهم يرفضون محاربة إخوتهم على الطرف الآخر من الحدود. وعلى كلٍّ، حتى الشبان غير اليهود، الذين يُستدعَون إلى خدمة العلم (من الطائفة الدرزية أو من أصل شركسي) أو حتى الذين يتطوّعون للخدمة (مثل بعض البدو وعرب آخرين من الطائفة المسيحية)، يعانون من أشكال التمييز التي تطال العرب. ولذلك، فإنّ اعتماد خدمة مدنية وطنية لن تغيّر في الأمور شيئاً، بحسب الناطقين باسم \"السكان العرب\" الذين يفضّلون نظام \"خدمة مدنية جماعاتي أو محلي\". لكنهم يضيفون أنه ليس من الممكن، في مطلق الأحوال، جعل المساواة بين المواطنين مشروطة
.\r\n
وإضافة إلى الخدمة الوطنية، هناك مسائل أخرى كانت مثار جدل، بدءاً بالهوية الوطنية للمواطنين العرب. ذاك أنّ مؤسسة الدولة تطالب السكان العرب ب\"ولاء\" تامّ لدولة إسرائيل التي تصنّفها \"دولة يهودية\"، أو \"دولة اليهود\" أو الدولة اليهودية الصهيونية\" أو، بحسب نصّ الدستور الأساسي، \"دولة يهودية ديموقراطية\". وهي صيغ كثيرة تتجاهل وجود جماعة عربية واسعة أقلوية تشكّل حوالي 20 في المئة من السكان في إسرائيل، تُختزل إلى وضع \"أقلية غير يهودية\". أما المواطنون العرب وممثّلوهم فيرون أنّ إسرائيل يجب أن تكون \"دولة لجميع مواطنيها\" أو \"لكلّ أُممها: وهي تحديدات تستبعدها كلياً مؤسسة الدولة. والحجة القائلة بأنّ الوضع مشابه في الدول العربية تبدو مستغربة، فهي تقارن دولة تدّعي الديموقراطية بدول استبدادية
.\r\n
وإذا ما أخذنا ببعض التحقيقات السوسيولوجية الصادرة مؤخّراً، فإنّ 63,1 في المئة من المعنيّين يرون أنّ وصفهم \"بالعرب الفلسطينيين في إسرائيل\" هو الأكثر ملاءمة لوضعهم. وكثيرون منهم يدعون إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلّة وتحويل إسرائيل دولة ثنائية القومية يتمتّعون فيها بوضع مساوٍ لوضع المواطنين اليهود. غير أنّ هذا الموقف يثير أيضاً بعض التحفّظات. فهناك عدد من الشبّان العرب في عمر الخامسة والعشرين يرفضون،منذ الانتفاضة الثانية، اعتبار أنفسهم \"فلسطينيين إسرائيليين\". وهذا ما ينطبق أيضاً على جيل أهلهم الذين يذكرون من جهتهم يوم الأرض، في 30 آذار/مارس عام 1976، حيث قتل الجيش الإسرائيلي ستة من المتظاهرين سلمياً. أما بالنسبة إلى جيل الأجداد، فإنهم يتحدّثون عن \"النكبة\" وعملية \"التهجير\" في العام 1948
.\r\n
فمنى أبو بكر، الصحافية الشابة، \"ترفض القبول بدولة صهيونية، لسبب وحيد، هو رفض هذه الدولة التام وجود الإنسان العربي الفلسطيني في هذه البلاد (...) فكيف أوافق على مبدأ ينفي وجودي كإنسان متجذّر في حضارة نهضت على مدى قرون في هذا الوطن، موطني، فلسطين؟ (...) فهويّتي أحدّدها عندما أستيقظ وأسمع الأخبار على راديو \"كلّ إسرائيل\" (إذاعة الدولة)، عندما أسير في الشارع وأسمع الناس من حولي، عندما أستقلّ القطار ذاهبة إلى عملي،عندما أجلس بين جنود يحملون البنادق وكأنهم أناس عاديّون، عندما أسمع الدعوات إلى الكراهيّة ضدّ أهلي، وعندما أرى أنه يُطلب مني أن أحبّ أكثر الفتاة اليهودية لكي اقبل في الجامعة (...) وأنا لن أنتقل للعيش في دولة فلسطين عندما تنشأ، لكن هذا لا يعني أنني سأتنكّر لفلسطين، فهي حيّة في قلوبنا وتُلازمنا في حلّنا وترحالنا [5
]\".\r\n
موضوع آخر يثير جدالات عاصفة، وهو المطالبة \"باستقلالية ثقافية عربية\". فالدولة وغالبية اليهود ترفض كلّياً ما يعتبرونه مقدّمة للمطالبة بال\"استقلالية السياسية\" التي تغذّي المشاعر الانفصالية، وحتى الانضماميّة. فعالم الاجتماع (اليهودي) سامي سموحة، الأستاذ في جامعة حيفا والخبير جداً منذ سنوات بآراء اليهود والعرب، يعتقد من جهته أنّ حسنات الاستقلالية الثقافية العربية هي أكثر بكثير من سيئاتها\"،لماذا؟ \"لأنّ الاستقلالية الثقافية تشكّل خطوة مهمّة على طريق التعدّدية الثقافية التي لن يكون لها أيّ معنى إذا لم تتمتّع الأقليات، التي ترفض الانضواء تحتها، باستقلالية ثقافية. وهذه التعدّدية، إذا خُصّصت لها الموازنات المناسبة، سوف تعزّز موقع العرب وتحسّن صورتهم وتعترف بالقيمة النوعية لثقافتهم ولرموزهم الوطنية وتساعدهم في دراسة التاريخ والأدب والثقافة الفلسطينية
.\"\r\n
وهذا الحديث يفصّله عالم النفس شفيق مصالحه الأستاذ في جامعة تل أبيب. فهو، إذ يشدّد على ناحية التعدّدية الثقافية في المجتمع الإسرائيلي، يُبدي تخوّفه من مشاعر الكبت والسّخط في أوساط المواطنين العرب في مواجهة دولة، وخصوصاً إزاء تربية وطنية تضرب صفحاً، بشكل منتظم، على انتماء الشبيبة العربية إلى ثقافتها الخاصة. ويضيف قائلاً: \"إنّ وجود العديد من الثقافات في مجتمع ما ليس نقمة إنما هو بركة.\" وهذا ما سيكون عليه وضع إسرائيل أيضاً، إذا ما عمدت هذه الدولة إلى \"التخلّي عن مفهوم الهيمنة الثقافية المسيطرة حالياً، لصالح مفهوم يعترف بالهوية المتميّزة لكلّ ثقافة، وتشجّع الانفتاح والتفاعل بين كلّ الحضارات\". وهو، إذ يتوجّه إلى مواطنيه، يحذّرهم من أنّ \"استقلالية إحدى الثقافات في مجتمع يضمّ حضارات متعدّدة، هو أمر كفيل بأن يصبح خطّاً في اتجاه واحد لا رجوع عنه، يُفضي إلى الاستبعاد التامّ، والى قطع روابطها مع سائر الثقافات، حتى وإن تكن هذه الروابط هشّة. والحال أنّ أيّ فصل بين الثقافات (...) يؤدّي تلقائياً إلى تعزيز الموقف الشوفيني إزاء الثقافة المستفيدة من الاستقلالية
.\"\r\n
يبقى أنّ أحداث تشرين الأول/أكتوبر عام 2000، قد زعزعت في العمق ثقة المواطنين العرب في الدولة اليهودية، كما في وسائل الإعلام العبرية، فبحسب استفتاء أجراه مؤخّراً مركز الإعلام العربي \"إيلام\"، فإنّ غالبية العرب الإسرائيليين يصدّقون أخبار وسائل الإعلام العربية أكثر من وسائل الإعلام الإسرائيلية. وهكذا نجد أنّ 64,4 في المئة يثقون بقناة الجزيرة التلفزيونية مقابل 4,3 يثقون بالقناة الثانية الإسرائيلية، و56,9 في المئة يصدّقون أولاً الصحافي العربي مقابل 5,5 في المئة يصدّقون صحافياً يهودياً. وعلى هذا تُعلِّق أمل جمال، من جامعة تل أبيب، وهي التي أجرت هذا التحقيق: \"إنّ الجمهور العربي في إسرائيل، ولكي يُلبّي حاجاته إلى الشعور بهويته، يشاهد القنوات العربية، لكنه يستعين بوسائل الإعلام الناطقة بالعبريّة لكي يلبّي حاجاته إلى الأخبار اليومية
.\"\r\n
ولهذا الوضع السيئ الذي يعيشه عرب إسرائيل ما يفسّره، فهم في مختلف المجالات لا يزالون يرزحون تحت أشكال التمييز منذ إنشاء الدولة. وأسوأها يتعلّق بتأمين فرص العمل، فالمدن والقرى العربية هي أكثر من تصيبها البطالة التي تضرب بنوع خاصّ فئة الشباب، حيث متوسّط أعمار فلسطينيّي إسرائيل هو 19 عاماً. ورسمياً، إنّ نسبة البطالة في أوساط اليد العاملة العربية هي 13,3 في المئة مقابل 10,4 في المئة في أوساط اليد العاملة اليهودية، غير أنّ هذه النسبة هي على أساس المُسجَّلين في مكاتب العمل [6]. والحال أنّ الحكومة تجبر العاطلين عن العمل على القبول بالعمل المعروض عليهم، وكلّ من يرفض يُشطَب من الإحصاءات ويُحرَم تعويض البطالة
.\r\n
وكما في الكثير من الدول الغربية، يجري خفض قيمة المساعدة الاجتماعية بذريعة حضّ \"المستبعدين\" على العودة إلى \"الإنتاجية\". وهذا التوجّه، بحسب ما صرّح مؤخّراً مدير المؤسسة الوطنية للتأمين السيد ييغال بن شالوم، نتيجته \"ليست \"تعويض أقلّ وعمل أكثر\" وإنما \"تعويض أقلّ وبؤس أكثر\" [7]\". وفي الواقع أنّ نسبة العاملين في أوساط الفقراء قد ارتفعت من 33,5 في المئة عام 1990 إلى 43,1 في المئة عام 2003، ونسبة الفقراء بين العاملين ارتفعت من 13,6 في المئة عام 1990 إلى 20,3 في المئة عام 2003 [8
].\r\n
وهنا يُسمّى سير العمل \"مشروع ويسكونسن\"، على اسم الولاية الأميركية التي كانت أول من اختبره. فالناصرة، المدينة العربية الكبيرة وجارتها ذات الغالبية اليهودية وال4500 عاطل عن العمل فيها ما باتوا، منذ شهر آب/أغسطس الماضي، موضوع تجارب تحت راية شركتيْن، الأولى إسرائيلية والأخرى هولندية. وفي كتيّب نُشر مؤخّراً، ندّدت جمعية \"صوت العمل\" \"بإعلان الحرب ليس على البطالة، وإنما على العاطلين عن العمل، بهدف حرمانهم التعويضات الاجتماعية\". لدرجة أنّ بعض العاطلين عن العمل الساخطين قد خرّبوا، في 27 تموز/يوليو الماضي، مكاتب الشركتيْن المكلّفتيْن بمشروع ميسكونسن في الناصرة. وفي 24 آب/أغسطس، تظاهروا بالمئات ضدّ هذا المشروع
...\r\n
وكذلك في المدن المختلطة، فإنّ الفلسطينيين لا يفلتون من أشكال التمييز. فمدينة اللدّ مثلاً تضمّ 000 21 مواطن عربيّ (28 في المئة من السكان) و000 53 يهوديّ (72 في المئة). ويتركّز سكن العرب في شمالها وغربها، فيما اليهود في جنوبها وشرقها. وزيارة بسيطة تكفي لتبيّن الفرق في معاملة الأحياء. هكذا، وبحسب ما تشرح الوضع الناشطة المحلية السيدة بثينة دابت، فإنّ 60 في المئة من ال2930 أسرة عربية في اللدّ يعيشون في مساكن موبوءة، وتقدّر أنّ عدد المساكن الجديدة التي يجب بناؤها فوراً هو 1600. لكن لا يوجد فيها أيّ رافعة. وبالعكس، فإنّ السلطة تستمرّ في تدمير المساكن المُشيَّدة دون رخصة من أجل مواجهة النقص في المساكن
.\r\n
وسكّان وسط مدينة عكا، البالغ عددهم 000 8 نسمة، ليس نصيبهم بأفضل. فالحيّ القديم، وهو طرفة هندسية فريدة، بآثاره الكنعانية والفينيقية والبيزنطية والصليبية والإسلامية والعثمانية، يجتذب آلاف السوّاح. لكنهم لا يرون الخراب المنتشر وراء واجهات المباني. وبشيء من السخط، يقول السيد أحمد عودة، عضو المجلس البلديّ: \"إنّ السلطة لا تهتمّ إلاّ بالحجارة، مُهمِلة الأولاد والنساء والرجال الذين يعيشون هنا. ومعظم المنازل عمرها أكثر من مائتي سنة، لكنها لم تلقَ العناية اللازمة وهي تكاد تتهدّم على رؤوس ساكنيها، حتى أنّ الأمر تطلّب تدعيم الكثير منها. والحال أنّ معظم العائلات هي في حالة فقر مدقع وتعيش بستة أو سبعة أشخاص في الغرفة الواحدة. وكان من شأن البؤس والإهمال أن جعلا من المدينة القديمة مكاناً تنتشر فيه المخدّرات والدّعارة والجنوح والإجرام
.\"\r\n
لكن يجب الذهاب إلى النّجف، تلك الصحراء الممتدّة في جنوب إسرائيل، من أجل مواجهة المنبوذين الفعليّين في البلاد، أي البدو. فعشية قيام دولة إسرائيل في العام 1948، كان عديدهم 000 60 لم يسلم منهم من التهجير سوى 000 11. وبالرغم من نسبة الوفيات القياسية البالغة 14,6 في الألف (أكثر بثلاثة أضعاف من النسبة لدى اليهود)، فإنّ عديدهم قد تضاعف أربع عشرة مرة، ويُقدَّر عددهم حالياً بما بين 000 140 و000 165 نسمة. و60 في المئة مثلاً من سكان مدينة الرباط البدوية هم في عمر أصغر من 17 عاماً، و1,5 في المئة فقط هم ما فوق ال65 عاماً. ويساهم تعدّد الزوجات أيضاً في هذا النموّ السكاني، فهناك بدويّ على خمسة متزوّج من امرأتيْن
...\r\n
وقد عملت دولة إسرائيل، وبالقوّة غالباً، على جمع ثلثي السكان البدو في النجف في سبعة تجمّعات سكنية تشبه المحميّات. أما الباقي فإنهم يعيشون في 45 قرية غير معترف بها، إذ هي لا تظهر على الخريطة ولا تستفيد من معظم الخدمات العامة. وليس لسكّانها الحقّ في البناء ولا في المساكن حتى المؤقّتة منها التي يمكن أن تُدمَّر بالقوة العسكرية. وبشكل أعمّ، فإنّ الدولة لا تعترف لهم بحقّ الملكيّة على أراضيهم، وفي النتيجة هي غالباً ما تتلف المزروعات حتى بطائرات ترشّ موادّاً سامّة
.\r\n
وتحتلّ التجمّعات السكنية البدوية رأس اللائحة في الإحصاءات المتعلقة بالبطالة وأسفلها في تلك المتعلقة بمستوى المعيشة. فالحدّ الأدنى لمدخول الفرد الشهري، في مجمع \"أومير\" اليهودي، هو عشرة أضعاف المدخول نفسه في البلدة البدوية المجاورة عرارة (7627 شاقلاً مقابل 730). وما يجدر ذكره أنّ عدد السكان الذين يتقاضون تعويض بطالة في الأولى هو ثلاثة أضعاف من يتقاضونه في الثانية [9]، ومع ذلك فإنّ عدد البدو الذين لا يعملون هو أكبر بكثير
...\r\n
وللمفارقة، فإنّ الإعلان عن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة قد أثار بعض المخاوف لدى السكان العرب، ذاك أنّ هذا الانسحاب قد ترافق مع فكرة إعادة إسكان قسم من المستوطنين في منطقة الجليل وفي النجف. ففي نيسان/أبريل عام 2005، نظّمت الدولة والوكالة اليهودية، بنوع خاصّ، حلقة دراسية تحت عنوان \"تنمية شمال البلاد والجليل\"، وقد دُعيَ إليها العديد من الوزراء وكبار الموظفين في الإدارات المركزية والمحلية و... ممثل واحد فقط عن السكان العرب. ويرى المختار السابق لبلدة \"إيلابون\" العربية، السيد حنا سويد، أن الأمر يتعلق بإعادة إطلاق مشروع \"تهويد\" الجليل، بمعنى آخر قلب الواقع الديموغرافي في هذه المنطقة حيث 51 في المئة من السكان هم من العرب، غير أنهم لا يسيطرون إلاّ على 12 في المئة من الأراضي
.\r\n
وحتى أنّ العرب، المُتعرّضين للتمييز أساساً، يعانون من ذلك في مجال الحقوق العائلية [10]. ففي أواخر تموز/يوليو، وبناءً على طلب جهاز الأمن العام، الشاباك، أقرّ الكنيست بغالبية واسعة، من ضمنها وزراء ونواب من حزب العمل، قانوناً يحظّر بشدّة أيّة عملية جمع شمل بين فلسطينيّي إسرائيل وفلسطينيّي الأراضي المحتلة. ومن الآن وصاعداً، بات يحقّ فقط للرجال ما فوق الخامسة والثلاثين من العمر والنساء ما فوق الخامسة والعشرين أن يتقدّموا من وزارة الداخلية بطلب الحصول على الجنسية الإسرائيلية [11]. ويُطبَّق هذا الإجراء حتى على المتزوّجين من قبل، ذاك أنه منذ آذار/مارس عام 2003، جمّدت السلطات كلّ الطلبات التي لا يكون أحد طالبيها حاملاً الجنسية الإسرائيلية [12]. وقد شكّل هذا القانون موضوع انتقاد شديد من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، لدرجة أنّه أصبح موضوع حملة صحافية مناهضة للعرب ذات عنف غير مشهود. فإذا ما أخذنا بأقوال الناطقين باسم الحكومة ووسائل الإعلام، إنّ الزواج بين فلسطينيّي إسرائيل والأراضي المحتلة يشكّل تهديداً ديموغرافياً، وبالتالي خطر محتمل على أمن الدولة اليهودية. وقد أدلى بعض الوزراء بدلوهم في هذه الحملة المنظّمة، ومن بينهم وزير الداخلية عن حزب العمل أوفير بينز. وهذا ما يغذّي، عند الحاجة، الجوّ الشوفيني والعنصريّ المنتشر في قطاعات واسعة من المجتمع اليهودي، والذي يغذّي بدوره مشاعر العداء لليهود في أوساط المواطنين العرب. وحتى مباريات كرة القدم تعاني من ذلك، ففي مدرّجات المدن اليهودية، عندما يتواجه فريقان، أحدهما يهوديّ والآخر عربيّ، غالباً ما تُسمَع هتافات من نوع \"الموت للعرب!\"، دون أن يستدعي ذلك أيّ عقاب
.\r\n
وهذا ما يعني أنّ الاعتداء الإرهابي، الذي وقع في 4 آب/أغسطس في شفارام، لم يكن أبداً غيمة صيف. فالجنديّ الذي أطلق النار في الحافلة وقتل أربعة ركّاب، وهو من مؤيّدي حزب كاش المحظور دون أن يُفكَّك عملياً، هل يمكن وصفه بال\"مجنون\" وحسب؟ كلاّ، يجيب السيد الياس جبور، العضو السابق في مجلس بلدية هذه المدينة في الجليل، حيث يتعايش عرب من مختلف الطوائف (مسلمون ومسيحيون ودروز)، ويضيف: \"نأمل ألاّ يتمّ طمس هذه القضية بذريعة عدم إزعاج القاتل. وإذا ما اعتُمِدت هذه الذريعة، نعتقد أنّ هناك نيّة في التقليل من حجم هذه الجريمة وتخبئة شيء لنا. والحال أنّ هذا الاعتداء يطرح الكثير من الأسئلة ونحن نطالب بمعرفة الحقيقة كاملة. وفي رأيي أنّ شفارام وقعت ضحيّة العنصرية التي تستشري في البلاد. والقاتل قد تدرّج في صفوف جيش الاحتلال الذي ينظّم يومياً أعمال انتقام رهيبة في الأراضي المحتلة. وهذا هو الوضع الذي يجب أن يُوضع له حدّ حتى لا تتكرر جرائم من هذا النوع\". وبمعنى آخر، إنّ هذا الاعتداء قد قضى، بحسب الصحافي رفيق حلبي، على \"هدوء هذه المدينة شفارام، التي كانت تُعتبَر حتى ذلك الوقت رمز للاعتدال، وحمل آلاف الناس على النزول إلى الشوارع وشدّ الأواصر بين الجليل وغزة
\".\r\n
--------------------------------------------------------------------------------
\r\n
* صحافي (تل أبيب)
\r\n
-------------------------------------------------------------------------------
\r\n
[1] . راجع : " Mon Etat tue mon peuple ", Le Monde diplomatique, novembre 2000.
\r\n
[2] . راجع بنوع خاص ردة فعل المركز الشرعي للدفاع عن حقوق الأقلية العربية ، في 4 أيلول/سبتمبر عام 2003.
\r\n
[3] . من بيان حكومي صادر عن وزارة العدل في 2/6/2004.
\r\n
[4] . راجع على الأخص صحيفة \"هآرتس\"، تل أبيب، في 2/9/2004 وفي 22/6/2005.
\r\n
[5] . من مجلة \" Du-et \" (دورية عبرية) و\"لحن مزدوج\" وهي منشورة ثنائية اللغة صادرة عن مؤتمر الحوار بين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل، القدس، تموز/يوليو عام 2005. والشهادتان التاليتان مأخوذتان ايضاً من هذا العدد.
\r\n
[6] . صحيفة هآرتس في 3/3/2005.
\r\n
[7] . صحيفة هآرتس في 9/8/2005. اقرأ أيضاً : Anne Daguerre, " Emplois forcpour les bmficiaires de laide sociale , Le Monde diplomatique, juin 2005.
\r\n
[8] . \"ذو ماركر\"( The Marker)، الملحق الاقتصادي لصحيفة هآرتس، في 6/7/2005.
\r\n
[9] . راجع : Itsik Saporta, " Agglomtions dans le Nev, quelques comparaisons , www.haokets.org, 8 fOier 2004.
\r\n
[10] . اقرأ : Meron Rapoport, " Les libertmenac des citoyens dIsra, Le Monde diplomatique, f鶲ier 2004.
\r\n
[11] . صحيفة يدعوت أحرونوت، تل ابيب، في 28/7/2005.
\r\n
[12] .صحيفة هآرتس، 27/7/2005.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.