فبعد الحرب العالميّة الأولى، اعترض أورتيغا على اعتبار أوروبا حلاً لمشكلة اسبانيا. ويدرج تحليل أورتيغا المشكلة الاسبانية ضمن ما يسمى اليوم صعوبات «بناء الامة». وعلى خلاف الدول الأوروبية الأخرى التي بنت أمتها بنجاح، فشلت النخب الاسبانية الحاكمة في بعث الحياة في انتماء الاسبان إلى هويّة قوميّة واحدة وجامعة. وأدى هذا الفشل الى المواجهة بين شرائح المجتمع الاسباني المختلفة، والى تقديم هذه الجماعات مصالحها الفئوية على المصلحة العامة. وغابت هذه المصلحة عن الاقاليم (زعامات محليّة انفصالية)، وعن المجتمع المدني (الطبقات الاجتماعية، وطوائف الحرفيين ونقاباتهم، وشبكات زبائنية من الموالين والمستفيدين) والمؤسّسات. وسعت هذه الجماعات الى سحق غيرها من الجماعات، وأثارت فوضى عارمة. وترتب غياب سلطة الدولة على فشل النخب الحاكمة الاسبانية. \r\n \r\n واستعمل خوسيه أورتيغا عبارات قد تبدو اليوم نخبويّة، في حديثه عن عجز قادة اسبانيا عن كسب احترام الشعب. وتصح هذه العبارات اليوم في وصف الطلاق بين النخب والمواطنين، وفقدان الثقة في الطبقة السياسية، وفقدان المؤسسات هيبتها، والسلطات العامة صدقيتها. وفي 1922، رأى أورتيغا أنّ مشكلة بناء الامة الاسبانية مماثلة لمشكلة بناء الامة الاوروبية. واعتقد أنّ هذه القارّة تتجه الى هاوية الهويات الخاصة والمنكفئة العدميّة، والى تدمير الثقة في سلطة المؤسسات. وبعد الحرب الثانية، ذهب أورتيغا الى وجوب السعي في دمج الاوروبيين كلهم في أوروبا. وصحة هذا الرأي ماثلة في تعرض مشروع بناء الامة الأوروبية الى الانهيار. ويُعزى رفض الدستور الأوروبي إلى خصوصية قومية وأسباب داخلية، أي إلى رفض الاندماج في أوروبا. ويجوز اعتبار رفض اتفاق الدستور الاوروبي ثورة على النخب الحاكمة. فالأوروبيون يعتبرون أنّ طبقاتهم السياسيّة منغلقة ولا تمثلهم. \r\n \r\n ولا شك في أن عمليّة بناء الامة الأوروبية أوليغارشية. وهي أوليغارشية حالت دون توقع واضعي المعاهدة الأوروبية رفض المواطنين الدستور الأوروبي، ما أدى الى شعور هؤلاء بالإقصاء عن صناعة القرار. \r\n \r\n ومردّ فقدان أوروبا دعائمها هو خصوصيّة مجتمعاتها المدنية، وافتقاد الطبقات السياسية الصدقيّة. ففي القرن التاسع عشر، بوشرت عملية بناء الامة (الدولة - الامة) بهدف جعل جماعات غير متجانسة ثقافياً أو إثنياً، ومتنافسة اقتصادياً، مجموعة متماسكة ومتحدة. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، سُعي الى دمج الشعوب الأوروبية في إطار واسع وجامع. ويفترض هذا السعي تقديم القيمين عليه مشروع عيش مشتركاً يجذب المواطنين المدعوّين الى الاندماج. وعلى خلاف المجتمعات الأنغلو – سكسونية، حيث بادر المجتمع المدني (الثورة البورجوازية في المملكة المتحدة، والثورة الليبيرالية في الولاياتالمتحدة) الى الاندماج السياسي، كان بناء «الامة» في أوروبا ثورةً هبطت على الجماعات المختلفة من القادة السياسيين. وكذلك هو الأمر في عمليّة بناء الامة الأوروبية، وهي ثمرة مفاوضات متعاقبة بين النخب في مختلف الدول. \r\n \r\n ولم ينجح الاتّحاد الأوروبي في جعل مواطني الدول الأعضاء أوروبيّين، وفي دمجهم في الوطن الاوروبي الاوسع. فشعوب أوروبا متنوعة ومختلفة، ومتعددة ومنغلقة في مجتمعات مدنية منفصلة لها لغة خاصّة ورأي عام خاص. وقد يكون الحل في السير على خطى بسمارك الذي وحّد الالمان بمنحهم نظام تقاعد عاماً وخدمات اجتماعية. وهذا ما لم تقم به بروكسيل. فهي ترفض توحيد الأوروبيين بواسطة سياسة تضامن وتكافل اجتماعيين. فالأوروبيون لا يشعرون بأنهم جزء من كيان أكبر، ويتمسكون بخصوصيّاتهم القوميّة. ويؤدي ضعف الاندماج هذا الى نشأة دول أشبه بالامبراطورية النمسوية - الهنغارية السابقة، أي دول عاجزة عن تشكيل كيان سياسي موحد في الادارة العامة. واذا ببروكسيل تنقلب نسخة عن بيروقراطية هذه الامبراطورية التي ولدت عبث كافكا وتحليل فرويد النفسي. \r\n