واتفق معه في ذلك أكثر الناس؛ إلا أن هذا الاستنتاج يستحق بعض الوقت للتمعن.فعلى بالرغم من كل شيء، لم تصدر هذه التعليقات إلا بعد فشل القمة، وذلك خلال جلسة مطوّلة دامت حتى منتصف الليل، من أجل الاتفاق على ميزانية الاتحاد الأوروبي للسنوات من 2007-2013.ومع ذلك، لم يسبق أن تم الاتفاق على ميزانية لعدة سنوات إلا في الربيع الذي سبق وضعها حيز التنفيذ-وهذا يعني في هذه الحالة، آذار (مارس)أو نيسان (أبريل) من عام 2006.وتميزت جميع المفاوضات المتعلقة بالميزانية، ومنذ 25 عاماً، بنزاعات فرنسية بريطانية ملتهبة حول السياسة الزراعية المشتركة، وحول خفض حصة بريطانيا في ميزانية الاتحاد الأوروبي.وبالنظر إلى تاريخ قمم الاتحاد، فإن لقاء بروكسل لم يكن سوى عملاً كالمعتاد- وليس أزمة بالمعنى الدقيق.إلا أن جنكر لا يزال مُحقاً:فالاتحاد الأوروبي يواجه أزمة، وما حدث يعتبر نقطة تحوّل بمعناها الصحيح.ولم ينشأ هذا التحوّل عن الخلاف حول الميزانية، الذي سيتم تسويته بلا شك السنة المقبلة أو التي تليها، بل نشأ عن الرفض الحاسم لدستور الاتحاد الأوروبي من قبل ناخبي فرنسا وهولندا.وأقرت القمة بأنه، وما دام أن التصويت الرافض لهاتين الدولتين سيمنع الدستور من الدخول إلى حيز التنفيذ، فللدول الأخرى الآن مطلق الحرية بتعليق التصديق على الدستور.إلا أنها لم تُقدّم أية إجابة حول الإشارة الأشمل التي أرسلها الناخبون المستاءون، بعدم رضاهم عن هيكل الاتحاد الأوروبي، ولا عن انعزاله أو طرق العمل التي يمارسها.ومن المثير للسخرية أن مهمة صياغة مثل هذا الرد ستقع الآن على عاتق الرجل الموسوم على نطاق واسع بكونه المسؤول عن فشل ميزانية القمة:وهو توني بلير وزير خارجية بريطانيا، والذي سيتولى مسؤولية رئاسة الاتحاد الأوروبي بعد جنكر.ودفاع بلير المستميت عن خفض حصة بريطانيا من ميزانية الاتحاد، والذي سيجعلها في المرتبة التاسعة من حيث المساهمة في الدخل الصافي للاتحاد كحصة من الدخل القومي، مقارنة مع كونها تحتل المرتبة الرابعة حاليا، قد يكون أمراً غير مستساغ، على الرغم من أنه بالكاد يكون أسوأ من الشجار حول السياسة الزراعية المشتركة بين بلير و الرئيس الفرنسي جاك شيراك.إلا أنه بلا شك مُحقاًَ في وجهة نظره الأشمل، والقاضية بضرورة إعادة النظر في ميزانية الاتحاد ككل-وإن كان ذلك فقط لكونه نتيجة طبيعية منطقية ناشئة عن إعادة النظر في هدف الاتحاد الأوروبي.والأولوية القديمة التي يجب أن يضعها بلير في حسبانه هي تقريب الاتحاد الأوروبي من مواطنيه، وهو هدف مزعوم للدستور المشئوم.فبإمكانه اقتراح تغييرات مفيدة دون الحاجة إلى توقيع معاهدة جديدة.وقد تكون إحدى التغييرات هي الاجتماع العلني لمجلس الوزراء في المفوضية، الذي يمثل الحكومات الوطنية و يصدر التشريعات.وربما يكون هناك تغيير آخر وهو تطبيق مبدأ التفريع (العمل على أدنى مستوى في الحكومة).بحيث تُطالب المفوضية الأوروبية بإرسال جميع مسوّدات القوانين إلى البرلمانات المحلية للمصادقة؛ إذا اعترض، مثلاً، ثلث البرلمان، أو إذا اعتقد أنه يجب معالجة المسألة على المستوى المحلي، فإنه يمكن للمفوضية أن تعد إما بتعديلها أو بسحبها.أما الأولوية الثانية التي يجب على بلير الاهتمام بها فهي إبقاء أبواب الاتحاد الأوروبي مفتوحة أمام انضمام أعضاء جدد.وهذا سيتطلب من زعماء الاتحاد الأوروبي إحكام قبضتهم بشكل أفضل مما فعلوا حتى الآن في إقناع الناخبين بأن التوسع الإضافي في الاتحاد أمر في صالحهم.ولا بد من أن تكون مثل هذه الحالة سهلة نسبياً بالنسبة لدول البلقان، حيث سيؤدي الفشل في توفير الاستقرار والطريق نحو ازدهار أكبر موعود من خلال عضوية الاتحاد الأوروبي، إلى أن تدفع باقي دول أوروبا الثمن غالياً.إلا أن الأمر سيكون أصعب بكثير في حالة تركيا، وكذلك دول أخرى مثل أوكرانيا.والمهمة الثالثة التي تقع على عاتق بلير هي إقناع دول الاتحاد الأوروبي التمسك بنهج الإصلاح الاقتصادي كسبيل وحيد طويل الأجل لتسريع النمو وتخفيض مستوى البطالة.وهذه المهمة أيضاً ستكون صعبة، بما أن الكثير من الناخبين لا يحبون الإصلاح الاقتصادي بنفس القدر الذي لا يحبون فيه الاتحاد الأوروبي:ويكرهون، بصورة خاصة، سماع المحاضرات من البريطانيين.إلا أنه، وفي مثل هذا المجال، فقد يساعد إعادة النظر في النزاع حول الميزانية بدفع الأمور بالاتجاه الصحيح.وإذا كان من الممكن البدء بتخفيض ميزانية السياسة الزراعية المشتركة، أو إعادة تأميم تمويلها، وإذا كان من الممكن تخفيض النفقات على مستوى الأقاليم في الدول الغنية، فيمكن حينها إنفاق المزيد على الأبحاث، والتعليم، والأهداف الأخرى لأجندة لشبونة للاتحاد الأوروبي المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي، والتي أصبحت موضع استهزاء الكثيرين.ويمكن أن يصبح هذا النقد الإضافي محفزاً مفيداً للحث على تبني الإصلاح، أو لتعويض هؤلاء الذين قد يخسرون من جراء تبنيه. \r\n \r\n وحيد على القمة \r\n سيكتشف بلير أن مهمته في رئاسة الاتحاد الأوروبي ليست سهلة على الإطلاق، وذلك لأسباب ليس أقلها علاقاته المتوترة مع شيراك، ومع المستشار الألماني جيرهارد شرودر، والعديد من زعماء الاتحاد الأوروبي، بفعل النزاعات التي حصلت في القمة.إلا أنه يستطيع تعزية نفسه بفكرة واحدة:وهي انه قد يصمد لمدة أطول من منافسيه.فعلى الأرجح أن شرودر سيخسر الانتخابات المُقرّرة في أيلول (سبتمبر) لصالح آنجيلا ميركل، التي تؤيد بصورة أكبر أهداف بلير، في حين أن الرئيس غير المحبوب شيراك سيصمد لفترة أطول، ولكن بالتأكيد ليس لأبعد من الانتخابات الرئيسية المُقرّرة في ربيع عام 2007.بل وحتى جنكر قد يكون في طريقه للخروج:فقد وعد بالاستقالة من منصبه إذا رفض ناخبوه دستور الاتحاد الأوروبي في الاستفتاءات التي ستُجرى في العاشر من تموز (يوليو).وهذا قد يكون كافياً لإقناع حتى مناصري الاتحاد الأوروبي في الدوقية المهيبة بالرفض . \r\n \r\n \r\n