فالتمثيل السياسي، والمناصب الحكومية، موزعة على 17 طائفة تنتمي إلى ثلاث جماعات دينية رئيسية هي: المسيحيون والمسلمون والدروز. والطاقة الفائقة والتنظيم غير المألوف، للمظاهرات الشعبية التي اندلعت عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري جعلا اللبنانيين من كافة الأطياف السياسية يخرجون إلى الشوارع مطالبين بالانسحاب السوري والإصلاح الديمقراطي. \r\n والاقتراع على البرلمان الجديد سيبدأ في التاسع والعشرين من الشهر الحالي. وسيقوم البرلمان بانتخاب رئيس جديد يتوقع - كما نصت على ذلك اتفاقية الطائف- أن يكون مارونيا مسيحيا. وسيقوم رئيس الجمهورية عقب انتخابه بتعيين رئيس للوزراء من الطائفة السنية، ثم يقوم البرلمان بانتخاب رئيس شيعي من بين أعضائه. \r\n واتفاقية الطائف صيغت بأسلوب ملتبس، جعل من الصعوبة بمكان خلق ديمقراطية عاملة في لبنان. فتلك الاتفاقية توزع التمثيل السياسي على الطوائف وفقا للعامل السكاني، ومن المعروف أن ذلك العامل يتغير بسرعة، وكنتيجة لذلك فإن اهتمام الممثلين يصبح مع مرور الوقت أكثر تركيزا على الأرقام منه على حل المشكلات. \r\n ومما يؤسف له أن الزعماء التقليديين الذين قادوا لبنان إلى مأزقه الحالي، قد أعادوه مرة أخرى إلى واجهة القيادة السياسية، كما أنهم قاموا أيضا بتنظيم قوائم الترشيح للبرلمان الجديد. ومما يؤسف له كذلك أن العقيدة السياسية أصبحت تأتي في مرتبة تالية للمال والوضع الاجتماعي في سياق السباق على السلطة السياسية. ففي أوساط الطائفة السنية نجد أن عائلة الحريري تقوم بتجنيد مرشحين من الطوائف المختلفة لتشكيل قوائم انتخابية يصعب هزيمتها في الانتخابات القادمة، كما ظهر نجل الحريري الأكبر، وأخته كسياسيين وطنيين قويين. \r\n أما بالنسبة للطائفة الشيعية، فإننا نجد أن حزب الله يقود الطائفة التي يقدر أن نسبتها تبلغ 35 في المئة من الشعب اللبناني. ومن المتوقع أن يحقق الحزب نتائج جيدة في الانتخابات، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان تمثيله الديمغرافي الكبير، وشعبيته ك\"قوة\" مقاومة. أما وليد جنبلاط وهو أستاذ في فن الخطابة والسياسات المسرحية فيقود الأقلية الدرزية في الحملة الانتخابية. \r\n يعتبر العماد ميشال عون, السياسي الأكثر شعبية في الطائفة المسيحية التي تقلصت ديمغرافيا على مدى العقود القليلة السابقة. وليس من السهل شرح أسباب شعبية عون، ولكن يمكن القول إن الرجل يتمتع بشعبية كبيرة في أوساط الشباب المتعلم الذي يحلم بالتغيير الجذري. فهو قائد سابق للجيش ورجل علماني وغير طائفي عاد إلى لبنان مؤخرا بعد فترة قضاها في المنفى في فرنسا. \r\n بيد أن شعبية عون تجعل منه تهديدا للعديد من السياسيين التقليديين داخل المؤسسة المسيحية؛ كما أن الصراع الطائفي الدامي الذي خاضه أثناء الحرب الأهلية، وظهوره المفاجئ على المسرح كوجه رئاسي قوي مؤخرا، أصبح يخيف الكثير من الناس الذين يخشون أن يكون الرجل قد تمكن من عقد الكثير من الصفقات المثيرة للجدل للحصول على دعم له. \r\n والمراقبون السياسيون لا يتوقعون الكثير من البرلمان الجديد، كما أن المسيحيين يشتكون بمرارة من القانون الانتخابي الحالي، ويدعون أن ذلك القانون، قد تمت صياغته بطريقة تؤدي إلى حرمان أفضل الأشخاص من التمثيل النيابي. وهم يتبنون حجة مؤداها أن المرشحين المسلمين الرئيسيين قد يضمون الكثيرين من المرشحين المسيحيين في قوائمهم، مما يؤدي إلى حرمان المسيحيين من صوت مستقل. كذلك، نجد أن الشيعة من جانبهم يشتكون سرا من أن حصتهم البالغة 20 في المئة من مجموع نواب البرلمان غير عادلة، على اعتبار أن ثلث سكان لبنان تقريبا هم من الشيعة. أما اللبنانيون في الخارج وهم في معظمهم من المسيحيين الأثرياء والمتعلمين وذوي النفوذ، فليس مسموحا لهم بالتصويت في الانتخابات اللبنانية. \r\n ولبنانيو المهجر مهمون للغاية لمستقبل لبنان خصوصا إذا ما عرفنا أن عدد اللبنانيين في الخارج يعادل عددهم في الداخل. ولكن المشكلة في هذا الصدد هي أن لبنانيي المهجر مترددون في الاستثمار السياسي والاقتصادي في وطنهم، طالما أن مصير مستقبل البلد يكتنفه الغموض الشديد. \r\n وحركة الإصلاح اللبناني التي انطلقت في الشتاء وبداية الربيع تعرضت للضعف. حيث لوحظ حدوث تقلص سريع في المطالب الشعبية الخاصة ببناء الأمة، والتي تتضمن: إلغاء المليشيات، والتحكم في الدين القومي المتصاعد، والتعامل مع الفساد ومع موضوع المصالحة الطائفية. وليست هناك طريقة سهلة للتعامل مع موضوع اقتسام السلطة على أساس طائفي، طالما أن الولاءات الدينية والعائلية تتنافس مع مصالح الدولة في لبنان. بيد أن هناك مع ذلك طرقاً يمكن بها جعل تمثيل الطوائف الدينية المختلفة عادلا, بدلا من أن يتحول إلى لعبة صفرية مدمرة يعني فيها تحقيق مصلحة أو مكاسب أي طرف الضرر للطرف أو باقي الأطراف الأخرى. \r\n فخلق صيغة تناوبية لتعيين \"رؤساء مجلس الوزراء\" تمثل الجماعات الدينية الرئيسية، قد يؤدي إلى تقليص التنافس الطائفي. كذلك فإن السماح للبنانيي المهجر بالتصويت، قد يؤدي من جانبه إلى تقليص التوتر الطائفي داخل لبنان ذاته. كما يمكن كذلك خلق صيغة متدرجة لعلمنة الدولة من خلال التعليم الشعبي، والزواج المدني، والتمثيل على أساس حزبي، كنماذج للإجراءات طويلة الأمد التي يجب على اللبنانيين مناقشتها. وفي النهاية فإن السياسيين اللبنانيين سيحسنون صنعا، إذا ما استمعوا إلى صوت الشباب المصمم على تغيير طبيعة السياسات القبلية الحالية. \r\n غسان ربيز \r\n كاتب ومحلل سياسي