في إقليم يموج بمتغيرات سياسية خطيرة, وفي ظل توقعات بمولد دويلات طائفية جديدة علي أنقاض المشهد السوري, الذي امتدت تأثيراته لدول الجوار خاصة العراق ولبنان، يتخندق الأن كل لبناني داخل أسوار طائفته التي يمتد ناظريها خارج الوطن القديم, إما لبناء تحالفات جديدة أو للاندماج مع طوائف أخري متشابهة في دويلة جديدة, إذا نجحت الفوضي الخلاقة في انجاز سيناريو' سايكس بيكو الجديدة' ومن هنا يمكن فهم طبيعة الصراع الدائر الأن وبقوة علي الأرض في كل من سوريا ولبنان والعراق, حيث توجد طوائف متشابهة ومنتشرة في الدول الثلاث من الشيعة والعلويين والأكراد والعرب السنة والمسيحيين. ويشهد لبنان استقطابا سياسيا طائفيا حول هذه المشكلة, فكل الطوائف يعتريها الخوف الوجودي من الآخر, والسعي للمحافظة علي الوجود السياسي والسلطوي الطائفي علي حساب الآخر بكل الطرق, بما فيها الشحن الطائفي والتلويح المبطن بإستخدام فائض القوة, بما أدي لمخاطر جدية علي مستقبل الدولة اللبنانية. وللطائفية في لبنان جذور تاريخية, فهي ليست دينية أو مذهبية فقط بل عرقية وثقافية أيضا, إذ يوجد في لبنان81 طائفة لكل منها هويتها المتميزة, إضافة إلي3 طوائف أخري غيرمعترف بها. وعلي الرغم مما يبدو علي السطح من احترام لصيغة الوفاق الوطني التي وفرتها اتفاقية الطائف لعام9891, استنادا إلي قيام لبنان علي مبدأ3491 لاقتسام السلطة, فإن ما تحته زاخر بالتطورات والتغيرات في موازين القوي بين مختلف الطوائف, فهناك تغيرات ديموجرافية في الأوزان النسبية لها بفعل الهجرة والتوالد قد تجعل للشيعة مكانا بارزا ومؤثرا بإعتبارها أكثر الطوائف اللبنانية نموا, خاصة وأنها كانت سببا في حرب أهلية لمدة51 عاما(57-0991) بسبب محاولة إعادة اقتسام السلطة بين الطوائف اللبنانية علي أسس الاستجابة للمتغيرات الديموجرافية والسياسية لوضع كل طائفة. وما يزيد المسألة الطائفية تعقيدا علي المستوي السياسي في لبنان, هو أن الطوائف الرئيسية أصبحت تتوزع كنتيجة للحرب الأهلية علي أساس جغرافي, فالشيعة يتمركزون في الجنوب من الساحل حتي البقاع الغربي والضاحية الجنوبية في بيروت, في حين استوطن الدروز جبل الشوف, أما الموارنة فيقطنون الضاحية الشرقية من العاصمة, وجزء كبير منهم في منطقة كسروان وإقليم المتن, والسنة استوطنوا الجزء الغربي من العاصمة بيروت وفي الشمال ومنطقة طرابلس. كما أن لكل طائفة أحزابها ومؤسساتها الاقتصادية والدينية وتعليمها وتاريخها ومدارسها ومحاكمها الشرعية ووسائل إعلامها من صحافة وإذاعة وتليفزيون, والأخطر أن طبيعة التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها لبنان الدولة, هي نفسها تعيد فرز الطائفية السياسية هناك ونلحظ ذلك في كيفية تعاطي الطوائف اللبنانية مع ما يحدث في سوريا, فنجد أن الشيعة وعلوي لبنان من خلال' حزب الله' يساندون عسكريا النظام السوري الشيعي العلوي, كما حدثت صدامات دامية في لبنان بين العلويين والسنة خاصة في طرابلس الجوار المحتمل للدولة العلوية المتوقعة في شمال سوريا, بينما السنة في لبنان يساندون الثورة السورية ضد النظام. وفي الوقت نفسه تراجع الطوائف المسيحية بقيادة الموارنة حساباتها وتحالفاتها وهي تنظر بعين خارج الوطن وبأخري إلي التاريخ لعلها تستطيع أن تعيد تأسيس الدولة المارونية مرة أخري, والتي أسست في الماضي في قلب الدولة العثمانية. والموارنة هم أكثرالطوائف انزعاجا علي مكانتهم في التركيبة السياسية اللبنانية, وقادوا جدلا ساخنا حول عدة موضوعات يرونها تهدد دورهم السياسي, ومنها ضرورة إعادة النظر في اتفاق الطائف, وبهدف انتاج برلمان علي أسس غير طائفية وتفتيت الطائفية السياسية المتمركزة علي أسس جغرافية كبيرة, وصياغة القانون الانتخابي لتحقيق ذلك بحيث يكون لبنان كله دائرة واحدة فلا يستطيع المسلم أن يتنكر للمسيحي أو الشيعي أن يتنكر للسني مع مراعاة القانون للتوازنات والاعتبارات الطائفية, كما يخشون من استمرار المخيمات الفلسطينية والفصائل اللبنانية المسلحة التي تعظم من أسباب الحرب الأهلية.