وظهرت في المقابل ضغوط مضادة تهدد هذه النوايا الشاملة وتدفع عدم التوازن في الميزانية إلى أسوأ حالاته. وتشتمل هذه الضغوط على ما تشكله الحرب في العراق من نفقات باهظة لا يبدو أن نهايتها ستكون قريبة المنال وعلى التحولات العسكرية التي يراد تحقيقها عن طريق بعض الوسائل التكنولوجية التي لم تثبت نفسها بعد وتكلف نفقات كبيرة، وعلى الاعتماد على حرب تقليدية واسعة أكثر من الاعتماد على شن حرب على الإرهاب. فالنفقات المطلوبة على سبيل المثال للجزء الأساسي من برنامج إعداد المعدات والتجهيزات الحديثة للجيش ومشروع «النظام القتالي في المستقبل» باهظة جداً منذ الآن وقبل التصاعد الذي سيطرأ عليها أثناء التطبيق. وفي هذه الدراسة وما تعرضه من تقرير يقوم عدد من الخبراء في شؤون الجيش والأمن بعرض موجز حول طريقة تحقيق التوازن في ميزانية الولاياتالمتحدة العسكرية الأمنية دون زيادة المساوئ في أزمة الميزانية السنوية التي تعرضنا جميعاً للخطر. فهؤلاء الخبراء يحددون أن هناك (1،53) مليار دولار يمكن تخفيضها من الميزانية السنوية العسكرية للعام 2006 ويوضحون الأسباب التي لا تجعل ذلك يؤثر على الأمن. ويرون أيضاً ضرورة إضافة 5،40 مليار دولار على النفقات المخصصة للوسائل والأدوات غير العسكرية ويوضحون الدور الذي تلعبه هذه النفقات في بناء عالم أكثر أمناً للولايات المتحدة. وتشتمل البرامج المرتبطة بالأمن والتي لا تستخدم الوسائل العسكرية على نشاطات ومهام مثل العمليات الديبلوماسية التي تتولاها وزارة الخارجية الأميركية وشبكات الإذاعة الأميركية الموجهة للعالم، والاتصالات وبرامج حظر انتشار الأسلحة النووية ومساعدات الإنماء والتطوير الاقتصادي وتمويل المنظمات الإقليمية ومنظمات الأممالمتحدة وقوات حفظ السلام التابعة لها. ووجد الخبراء أن ميزانية الإدارة الأميركية تركز على الشؤون الأمنية ذات الصلة بالأعمال العسكرية على حساب الوسائل والأدوات الأمنية الأخرى فهي تخصص سبعة أضعاف نفقاتها على الجيش والنشاطات العسكرية بالمقارنة مع النشاط المخصص للأمن الداخلي ومع البرامج الأمنية غير العسكرية مجتمعة. وإذا أوجزنا هنا ما يراد تحقيقه من تغيير على هذه الميزانية يصبح المطلوب هو إجراء تغيير في هذه النسبة المحددة بسبعة أضعاف مقابل واحد إلى أربعة مقابل واحد وهو ما يحقق توازناً في الاحتياجات الأمنية الأميركية على المدى الطويل. ودعا التقرير إلى إزالة أنظمة الأسلحة الزائدة أو الفائضة التي لا صلة لها بمحاربة «الإرهابيين» لأن ذلك من شأنه تحرير المصادر والقدرات من أجل توجيهها بشكل مركز نحو عمليات تدخل ذات طراز صغير أو متوسط يناسب مجابهة «الإرهابيين» ونحو عمليات قوات المحافظة على السلام ودورها في تحقيق الاستقرار في دولة ما. ومن المؤكد أن تغييراً كهذا سيستلزم بشكل رئيس إجراء تحولات في العقيدة القتالية وإجراءات التدريب وفي التنظيم وليس بإيجاد معدات وأنظمة أسلحة جديدة. \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n مهام خاطئة واحتلال بائس \r\n \r\n وخلص الخبراء الأميركيون إلى الاستنتاجات الإضافية التالية: 1 إن القوة العسكرية الأميركية أصبحت أوسع امتداداً وانتشاراً لأن عدداً كبيراً منها تمّ تكريسه لمهام خاطئة ولعملية تنفيذ احتلال بائسة في العراق وليس في ملاحقة ومتابعة مهمات ترتبط بمجابهة «الإرهابيين». فالنزاع والحرب المستمرة في العراق اليوم تمتص قوة جيش يتعين توفيره من أجل مجابهة أخطار حقيقية على الأمن الأميركي. فقد أنجزت مهام إلحاق الهزيمة بالطالبان بعدة آلاف من القوات الأميركية ولن يكلف استمرار الجهود المبذولة لاعتقال أسامة بن لادن وقادة منظمة القاعدة الآخرين في أفغانستان سوى استخدام قوة لا يزيد عددها عن (20) ألفاً من الجنود. 2 إن التحالفات الجديدة التي تشكلت في هذا العام لدعم النفقات المتزايدة للشؤون الدولية أصبحت ذات قاعدة عريضة وواسعة تضم عدداً من المنظمات الإنسانية والشركات الكبيرة، وكذلك عدداً من مستشاري الأمن القومي السابقين الذين عملوا مع إدارة ريغان وجورج بوش الأب وكلينتون. وإن التأكيد على إعادة النظر في تحديد اتجاهات المصادر وتوجيهها نحو تعزيز وسائل وأدوات الأمن غير العسكرية يستلزم تكيفاً جديداً تجاه حسابات الشؤون الدولية ومسائلها خصوصاً وأن العنصر الأكبر في حسابات الشؤون الدولية هو بيع الأسلحة الأميركية لدول معظمها غير ديموقراطية. 3 إن جميع من رشح نفسه لانتخابات الرئاسة في العام 2004 وافق على أن الأولوية العليا في السياسة الخارجية الأميركية ينبغي أن تتجه نحو احتواء أسلحة الدمار الشامل في العالم. وبعد أن أنفقت ما يزيد على 200 مليار دولار للبحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية ثم لم تعثر عليها ها هي الولاياتالمتحدة الآن تقترح في ميزانيتها السنوية للعام 2006 تخصيص ملياري دولار لأغراض منع انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى. ولا شك أن هذا المبلغ لا يتساوى مطلقاً مع عبارة الأولوية العليا للسياسة الخارجية والأمنية الأميركية. 4 إن المبالغة الشديدة لحماية الأمن القومي عن طريق القوة العسكرية بدأت تلقي بظلالها على نوعية ومستوى الحياة الأميركية وتؤثر عليها سلباً. فالتصعيد المتزايد في الميزانية العسكرية الأميركية الشاملة في السنوات القليلة الماضية بدأت مضاعفاته تتفاقم بسبب ازدياد العمليات العسكرية الأميركية وبسبب ترافقه مع سلسلة تخفيضات في الضرائب الرئيسية الكبيرة. فقد ازدادت ضغوط النفقات على المواطنين الأميركيين في المعيشة، وفي الرعاية الصحية وفي حماية البيئة وفي الضمان الاجتماعي وبقية الخدمات العامة الأخرى. ومن ناحية أمنية بدأت التخفيضات في الميزانية المخصصة لزيادة فاعلية الطاقة وإيجاد مصادر للطاقة المتجددة (غير البترولية) تؤدي إلى إبعاد الولاياتالمتحدة عن تحقيق الهدف المطلوب وهو التوصل إلى الاستقلال في تأمين الطاقة. فقد ازداد ارتباط الولاياتالمتحدة من ناحية أمنية بعالم أسواق النفط المتفجرة وازداد اعتمادها أكثر فأكثر على أنظمة حكم نفطية غير ديموقراطية. وتشير الأرقام التالية إلى الطلبات التي تقدمت بها إدارة بوش تحت عنوان: «البرامج غير العسكرية» في الميزانية السنوية العسكرية للعام 2006: 1 مساعدات للمنظمات الدولية (57،1) مليار دولار. 2 عمليات ونشاطات ديبلوماسية (6) مليارات دولار. 3 اتصالات دولية أميركية (ديبلوماسية عامة) (3،1) مليار دولار. 4 نشاطات لحظر انتشار الأسلحة النووية (2،1) مليار دولار. 5 مساعدات لقوات حفظ السلام الدولية (23،1) مليار دولار. 6 مساعدات لبناء السلام عبر الأممالمتحدة (500) مليون دولار. 7 مساعدات للإنماء والتطوير الاقتصادي (15،14) مليار دولار. 8 دفع عجز تمويل الأمن الداخلي الأميركي (50) مليار دولار. 9 أمن المرافئ الأميركية مليارا دولار. وهناك ستة مليارات أخرى لأغراض وخدمات تقع تحت نفس هذا العنوان. الميزانية العسكرية الأميركية منذ أحداث 11 أيلول / سبتمبر وتصاعدها المتزايد دفعت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر (2001) الموضوع الأمني والعسكري الأميركي إلى مقدمة جدول العمل. وظهر ذلك جلياً في برنامج الأمن الداخلي الأميركي وفي شن الحرب على دولتين (أفغانستان والعراق)، والبدء بشن الحرب الشاملة العالمية على «الإرهاب». وتبين بالتالي أن حل هذه المسائل لا يتم إلا بالعمل العسكري واستخدام القوات الأميركية المسلحة. وتمّ ترجمة هذا العمل العسكري من خلال ميزانية بلغت ما بين عامي 2001 و2005 نحو تريليوني دولار دون إضافة ما أنفقته على القتال في الحربين ضد أفغانستان والعراق. وأنفقت واشنطن 163 مليار دولار على برنامج الأمن الداخلي خلال تلك الفترة. وتقترح إدارة بوش اليوم تخصيص 442 مليار دولار للميزانية السنوية العسكرية الأميركية وهي لا تشتمل نفقات الحرب الجارية حتى الآن في العراق وأفغانستان. وفي أعقاب انتخابات عام 2004 ظهر أن الناطقين الرسميين باسم الإدارة الأميركية بدأوا يحاولون الإعلان عن تغيير في مظاهر السياسة الأميركية، وذكر المساعدون لبوش للصحافيين أن الإنجازات التي تحققت في الحرب الشاملة على «الإرهاب» عن طريق القوة العسكرية في أفغانستان والعراق أصبحت توفر الآن إمكانية التأكيد على العمل الديبلوماسي في فترة الولاية الثانية للرئيس بوش. وحين تقدمت بشهادتها أمام الكونغرس حوّلت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الجديدة هذه التصورات إلى دعوة رسمية حين قالت: «آن الأوان للعمل الديبلوماسي الآن». وإذا صح هذا القول فإن هذا التغيير سيكون ناجماً عن التوصيات التي تقدمت بها لجنة تقييم ما حدث في 11 أيلول/ سبتمبر ومنها وضع السياسة المناسبة التي تحول دون وقوع هذه التفجيرات في المستقبل. وتوصي اللجنة في تقريرها بشن حملة ضد «الإرهاب» عن طريق زيادة استخدام سلسلة واسعة من الأدوات الأمنية المتوفرة مثل: الديبلوماسية، وحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، وزيادة الإنماء والتطوير الاقتصادي للدول الفقيرة. \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n الهوة ساحقة بين الانفاق العسكري الأميركي والانفاق العالمي \r\n \r\n وكان «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية» قد نشر أرقاماً عن الميزانيات العسكرية لعدد من دول العالم للاطلاع على الهوة الواسعة بين ما تنفقه الولاياتالمتحدة وما ينفقه العالم سنوياً. فقد تبين أن الولاياتالمتحدة خصصت 405 مليارات دولار لنفقاتها العسكرية عام 2003 مقابل 295 ملياراً خصصتها مجموعة كبيرة من الدول الحليفة للولايات المتحدة في العام نفسه. وتبين أن روسيا خصصت 65 مليار دولار لميزانيتها العسكرية السنوية في العام نفسه، وخصصت الصين (56) ملياراً، وكوريا الشمالية 6 مليارات، وإيران 3 مليارات وسورية مليارين وكوبا ملياراً والسودان 400 مليون وليبيا ملياراً. وتعتبر كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا وأستراليا ودول حلف الأطلسي كلها من الدول الحليفة للولايات المتحدة والتي بلغ مجموع ميزانياتها العسكرية للعام نفسه 295 ملياراً أي أقل بكثير من ميزانية الولاياتالمتحدة. ومع ذلك كان الرئيس بوش قد أكد في خطابه الأول للأمة بعد فوزه في الولاية الثانية عام 2004 بأن رؤيته التي حققت تزايداً في عدد الدول الديموقراطية في العالم لم تتجسد بفعل المهام العسكرية بشكل رئيس. وقامت مجموعة داخل إدارة بوش باستغلال هذه الفكرة وتبني الدعوة لزيادة الميزانيات المخصصة للشؤون الدولية والعمل الديبلوماسي. وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي وقع 156 عضواً في الكونغرس على رسالة يدعون فيها الرئيس بوش إلى زيادة الميزانية المخصصة للنشاطات غير العسكرية في الشؤون الدولية في مشروع ميزانية عام 2006 واعتبارها استثماراً حيوياً في التصدي «للإرهاب» وبناء الاستقرار عن طريق تقديم المساعدات الاقتصادية وإبراز العاطفة الأميركية نحو شعوب العالم واحتياجاتها. وعندما جرت مناقشة مشروع الميزانية للعام 2006 اتحدت مجموعة من رجال الأعمال والمنظمات غير الحكومية الأميركية التي تعمل في شؤون إنسانية دولية تحت مظلة «منظمة حملة القيادة الأميركية للعالم» GLC)) . وأثنت هذه المجموعة على اعتراف الرئيس بوش والكونغرس بأهمية التركيز على النشاطات الدولية الأميركية ذات الطابع الديبلوماسي والإنساني في العالم. وانضم إلى هذه المجموعة «مجلس العلوم العسكرية» التابع لوزارة الدفاع الأميركية الذي يعمل فيه مدنيون وضباط متقاعدون وخبراء في شؤون الصناعات العسكرية الأميركية وتطويرها. واعتبر هذا المجلس أن وزارة الخارجية الأميركية ستكون بحاجة للمزيد من المصادر والتمويل والدعم البشري من أجل النجاح في مهمة تعزيز الاستقرار وإعادة البناء في العالم. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2004 قال ديفيد برودير أحد محرري صحيفة (واشنطن بوست) أن «الديبلوماسية وعدم اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية الأميركية ينبغي أن تصبح الأداة الرئيسة في مواجهة التحديات المفروضة على السياسة الخارجية». واعتبر برودير أن: «الديبلوماسية هي أقدم أداة في العلاقات الدولية وهي الآن المطلوبة والتي ينبغي انبعاثها». لكن جميع هذه الدعوات لم تستطع في النهاية تقريب الفجوة القائمة بين ما تم تخصيصه للأغراض العسكرية وبين ما تم تخصيصه للعمل الديبلوماسي الدولي ومساعداته. فبالملاحظ أن مشروع ميزانية عام 2006 طلب 449 مليار دولار كميزانية شاملة للدفاع وخصص 64 مليار دولار للنفقات المرتبطة بالعمل الديبلوماسي وتقديم المساعدات من أجل الاستقرار وتعزيز الديموقراطية والتنمية في العالم. وهذا يدل على أن واحداً على سبعة من الميزانية الشاملة العسكرية سيتم إنفاقه على هذه النشاطات الإنسانية غير العسكرية وهي نسبة ضئيلة في النهاية. وعلى الرغم من أن التقرير لم يحدد التغيرات المطلوبة في المساعدات العسكرية التي تقدمها الولاياتالمتحدة إلى عدد من دول العالم الحليفة والمهمة بالنسبة للمصالح الأميركية في ميزانية عام 2006 إلا أن هذه المراجعة وإجراء التغييرات على المبالغ المخصصة لهذه الدول ينبغي القيام بها والاهتمام الجدي بهذا الموضوع الملح. فما تزال إسرائيل تحصل على أكبر حصة من المساعدات العسكرية الخارجية المسجلة رسمياً: 22،2 مليار دولار في عام 2005، وهذا المبلغ سيزداد ويصبح مليارين و280 ألف دولار في ميزانية عام 2006. وكانت وزارة الدفاع قد اتفقت مع إسرائيل على زيادة مساعدتها لها بقيمة 60 مليون دولار سنوياً خلال عشر سنوات تبدأ من عام 2006. وتتلقى إسرائيل سنوياً 120 مليون دولار على شكل مساعدات اقتصادية يمكن لإسرائيل التصرف بها كما ترغب. ومع ذلك ينبغي دراسة مسألة تخفيض هذه المساعدات العسكرية التي تتلقاها إسرائيل في أعقاب العمليات السلمية التي تجري في منطقة الشرق الأوسط. وأصبح من الممكن تخفيض قيمة المساعدات العسكرية الخارجية التي تحصل عليها مصر وهي 3،1 مليار دولار سنوياً ويمكن إعادة النظر بمبلغ 300 مليون تحصل عليها باكستان وكذلك بمبلغ 206 ملايين دولار تتلقاها المملكة الأردنية خصوصاً وأن السلام مع إسرائيل وانتهاء نظام صدام حسين يوفر أرضية مناسبة للأردن». \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n