وبينما تنفذ الادارة الامريكية سياستها ازاء لبنان من خلال الدبلوماسية اليومية, تحتاج الى ان تبقي عينها مفتوحة على سوريا. لعل النظام في سوريا هو اكثر انظمة الحكم هشاشة في الشرق الاوسط. فالأمر هنا يختلف عما هو الحال عليه مع مصر والسعودية, مثلا, حيث توجد كوابح خاصة تعيق تصعيد الضغط الامريكي على كلا النظامين اهمها وجود احتياطي من الدعم المؤسساتي في البلدين للسياسة الامريكية. \r\n \r\n اما في حالة سوريا, فليس لامريكا مصلحة في دوام النظام القائم. والتصدعات في النظام السوري يمكن ان تحول بسرعة الى شروخ ثم الى زلازل بالطريقة نفسها التي يمكن بها احتواء التصدعات في دول اخرى. \r\n \r\n من المفيد لواضعي الخطط الامريكية ان ينفضوا الغبار عن دراسات قديمة عن مصادر اللا استقرار المحلي في سوريا وتداعيات تلك المصادر. وبوسع الاحداث ان تأخذ عددا من المسالك: فالشيوخ العلويون الذين يتوجسون من نتائج الوضع الحرج الذي انتهت اليه سوريا على الصعيد الدولي قد يقررون استبدال رؤوس النظام بآخرين, او ان يقوم احد كبار الضباط الذين ازعجتهم الكيفية التي انسحبت بها القوات السورية من لبنان بتنصيب نفسه بديلا للقيادة الراهنة, او ان يحذوا آلاف العمال السوريين الذين طردوا من لبنان حذو الجماهير اللبنانية التي سعت الى التنفيس عن غضبها بالتظاهر. \r\n \r\n وما ان تبدأ هذه العمليات فما من احد سيكون قادرا على التنبؤ بالنهاية التي ستصل اليها او بالتداعيات التي تنجم عنها. \r\n \r\n مما لا شك فيه ان مجيء ديكتاتورية بعثية اكثر فاعلية او تمكين المتشددين الاسلاميين السنة الذين طال ابعادهم عن السلطة لا يشكل نتيجة يمكن ان ترضي واشنطن. كما ان من المؤكد ان النظام الحالي سيلوح باحدى هاتين النتيجتين لابعاد شبح التدخل الدولي ضده. ولهذا, فإن على واشنطن ان تركز على ثلاث نقاط هي: \r\n \r\n * الاستثمار في عملية جمع المعلومات الاستخبارية عن ديناميات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاثنية في سوريا ليس هناك ما يدعونا الى الاعتقاد بأن الخدمات الاستخبارية الامريكية تعرف عن الشؤون الداخلية في سوريا اكثر مما كانت تعرفه عن العراق او ايران. \r\n \r\n \r\n بل ان سوريا التي ليس فيها ما يقابل كردستان العراقية (أي منطقة حرة معارضة داخل البلاد) او مجاهدي خلق (اي جماعة معارضة تضم آلاف الانصار وتصلح مصدرا للمعلومات الدقيقة عن النظام) لم تسمح للاستخبارات الامريكية بأن تجمع المعلومات الكافية عن اوضاعها الداخلية. ولا بد من تجاوز هذه الحال في هذا الوقت الذي يهمنا فيه كثيرا ان نعرف المزيد عن شيوخ العلويين, والاكراد السوريين, والقوة الحقيقية للاخوان المسلمين في سوريا. \r\n \r\n * البدء بالحديث عن الديمقراطية وحقوق الانسان وحكم القانون داخل سوريا. فما ان يغادر السوريون لبنان حتى يتوجب على واشنطن ان تسلط الاضواء على سلوك الحكومة السورية التعسفي ضد المواطنين السوريين. وما دامت الولاياتالمتحدة تدعو الى اعتماد مبدأ »الاختيار« في الترويج لانتخابات تعددية في مصر والمملكة العربية السعودية, فإن المكان المناسب للبدء بهذه الدعوة هو الدستور السوري الذي يمنح حزب البعث العربي الاشتراكي الزعامة الوحيدة على الحياة السياسية السورية. ان مدة رئاسة الرئيس بشار الاسد تنتهي في عام ,2007 وليس من المبكر البدء بحملة تسعى الى فتح ملفات النظام السياسي في سوريا. \r\n \r\n * عدم القاء حبال النجاة لهذا النظام. تقليديا, استخدم السوريون العملية السلمية العربية - الاسرائيلية كوسيلة لتفادي ادراجهم في قائمة دول محور الشر. والآن, والنظام يشعر بالضغوط المسلطة عليه, ينبغي لواشنطن ان لا توافق على اي دور في العملية السلمية يتيح للسوريين المطالبة بضمانة ضد الضغط الدولي الملح. \r\n \r\n لا يوجد بين المبادرات السورية ما يستحق انتباه واشنطن سوى مبادرتين هما زيارة يمكن ان يقوم بها الرئيس السوري لاسرائيل لكي يخاطب الشعب الاسرائيلي مباشرة بشأن قضية السلام وعملية طرد حقيقية لجميع المنظمات الارهابية المعادية للسلام من الاراضي السورية يصاحبها اعلان رسمي عن نبذ العنف او ما يسمى ب ̄ »الكفاح المسلح« و»المقاومة الوطنية« كوسيلة لحل النزاع العربي- الاسرائيلي. واذا لم توافق سوريا على دفع هذا الثمن لحيازة تذكرة الدخول الى عملية السلام فان على واشنطن ان لا تصغي الى المناشدات السورية التي تطلقها دمشق باسم السلام. \r\n \r\n خصوصية الوضع اللبناني \r\n \r\n يتمتع الوضع السوري - اللبناني بمجموعة من العوامل التي تميزه عن بقية الاوضاع العربية بقدر تعلق الامر بسياسة »اللااستقرار البناء« ويمكن تلخيص تلك العوامل بما يلي: \r\n \r\n »لبنان هو البلد الاول الذي لم تلعب فيه الولاياتالمتحدة دور العامل المحفز على مسار الاحداث, فقد كان اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري هو الذي اطلق دورة الاحداث الراهنة رغم ان تلك الدورة قد استندت على خليفة التمديد لفترة رئاسة الرئيس اميل لحود بضغط قوي من دمشق. \r\n \r\n * لبنان هو البلد الاول الذي تنضم فيه الدول الاوروبية وخصوصا فرنسا الى الولاياتالمتحدة كشريك كامل في معالجة الموقف. \r\n \r\n * لبنان هو البلد الاول الذي مس قلب حالة استقرار الانظمة التي شملت نظامين معا هما النظام اللبناني والنظام السوري وبغض النظر عن مدى الاثر المزعزع للجهود الامريكية الداعمة للديقراطية على الانظمة في بقية دول المنطقة, فإن تلك الجهود لم تصل لحد الان الى فرض هذه الدرجة من السخونة التي فرضتها الاحداث الراهنة على الوضع السياسي لكل من نظامي لحود والاسد. \r\n \r\n * لبنان هو البلد الاول الذي زاوج ما بين السياسة الخارجية الاشكالية لسوريا والعملية الديمقراطية اللبنانية محولا القضية اللبنانية الى قضية تعرض لاحتلال خارجي. \r\n \r\n * لبنان هو البلد الاول الذي يربط الاجندة الديمقراطية بالهموم الاستراتيجية التقليدية التي تمثل في حالته الجهد الدولي للبحث عن حل سلمي للمشكلة النووية الايرانية, فعلى ضوء الاستثمار الايراني الكبير في لبنان والاسناد الواسع لحزب الله اضافة الى الشراكة المعلنة بين طهرانودمشق, يكون من الصعب على ايران ان لا تعتبر القرار الدولي 1559 ومفاوضات الاتحاد الاوروبي-3 جزءا متمما للحملة الدولية الساعية الى تقليص التأثير الاقليمي الايراني. \r\n \r\n * لبنان هو البلد الوحيد الذي مس امن اسرائيل والعملية السلمية الاسرائيلية - الفلسطينية باثارته للجدل الداخلي في اسرائيل حول مكاسب الديقمراطية بمواجهة الاستقرار وبتحقيقه لمستوى غير مسبوق من الرصد الدولي للارهاب المعادي للسلام. \r\n \r\n وفي حين تعتبر كلا من النقاط المذكورة سمة خاصة بالوضع اللبناني, فانها في واقع الامر, مرتبطة فيما بينها فاسرائيل وايران, واوروبا والولاياتالمتحدة, وسوريا والفلسطينيون يشكلون جميعا طرقا تتلاقى في بيروت.0 \r\n \r\n عن »معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى« \r\n \r\n \r\n \r\n