\r\n \r\n قبل أيام من مقتل رفيق الحريري الشهر الماضي، كان هذا السياسي اللبناني قد استضاف وليد جنبلاط القائد الدرزي في منزله في بيروتالغربية. كان لدى الحريري تحذير لصديقه القديم: السوريون يسعون وراءنا. \r\n \r\n وقال جنبلاط لصحيفة التايمز: \"أخبرني أنه خلال اليومين القادمين سيكون الضحية إما أنا أو هو. كان من الواضح أنه كان يظن أن شيئاً ما سيقع\". \r\n \r\n فعلاً وقع هذا الشيء. ففي 14 شباط قتل الحريري عندما انفجرت قنبلة وزنها 600 رطل وكان من الواضح أنه تم إخفاؤها تحت الشارع خارج فندق سانت جورج في بيروت وقد انفجرت تحت السيارة. \r\n \r\n تردد صدى الانفجار في جميع أنحاء العالم، وقد تظاهر مئات الآلاف من اللبنانيين في بيروت، كما توحد العالم في مطالبة سوريا بسحب قواتها من لبنان، الأمر الذي اعتبر دفعة قوية للديمقراطية في المنطقة. \r\n \r\n كررت سوريا ادعاءاتها بالبراءة، كما أنه لم يتم التوصل بعد إلى دليل لا يقبل الجدل حول تورطها، لكن إعادة ترتيب الأحداث التي سبقت مقتل الحريري، والمقابلات التي أجريت مع العشرات من المسؤولين اللبنانيين والأجانب، وحتى السوريين، لا تدع أدنى مجال للشك أن خيوط المؤامرة قد حيكت في دمشق. وقد علمت صحيفة التايمز أن الحريري أغضب السوريين عندما ألهم الأممالمتحدة بإصدار القرار الذي يطالبها بالتوقف عن التدخل في لبنان. وكان مسؤولون أمريكيون وآخرون في الأممالمتحدة قد كرروا تحذيراتهم لسوريا ألا تسبب الأذى للحريري خلال الأشهر التي سبقت موته. \r\n \r\n في منتصف كانون الثاني، وتحت ضغط من دمشق، قامت الحكومة اللبنانية بسحب 70 عنصر أمن قوي كانوا يعملون لديه، وبعد موته مباشرة تم مسح مسرح الانفجار من أجل إزالة أي دليل يشير إلى تورط سوريا. يقول دبلوماسي غربي رفيق المستوى: \"فعلاً لا يبدو أن هناك أي سيناريو آخر\". \r\n \r\n مقتل الحريري، رجل الأعمال اللبناني الواسع الثراء الذي قام بإعادة إعمار بلاده بعد 15 عاماً من الحرب الأهلية شهد انهيار علاقاته مع الرئيس السوري الأسد منذ الصيف الماضي. ففي آب، وتحت ضغط من أمريكا لسحب قواتها من لبنان قامت سوريا بهندسة تغييرات في الدستور اللبناني بحيث تسمح لحليفها الرئيس لحود بتمديد مدة رئاسته. \r\n \r\n كان الحريري وقتها رئيس الوزراء وعلى منافسة حامية مع الرئيس لحود لذلك عارض هذه الحركة، لكن الأسد استدعاه إلى دمشق، وبعد اجتماع مع القائد السوري دام 15 دقيقة أعلم الحريري أن القرار قد اتخذ وكان من المتوقع منه أن يصوت لصالح هذا القرار في البرلمان اللبناني. \r\n \r\n عاد الحرير إلى لبنان وتوجه مباشرة إلى منزله الصيفي الواقع في الجبال المطلة على بيروت، ويذكر أحد مساعديه السابقين أن الحريري لم يخف حالته النفسية السيئة، وقد نقل المساعد عنه قوله: \"بالنسبة للسوريين نحن جميعاً مثل النمل\". \r\n \r\n لكن الحريري انتقم فيما بعد، فقد استخدم علاقاته الوثيقة مع الرئيسين بوش وشيراك وساعدهما بصورة سرية على عرض القانون رقم 1559 على مجلس الأمن، وهذا القانون يطالب سوريا بسحب قواتها من لبنان. قال مسؤول في الأممالمتحدة أن \"القرار 1559 كان طفل الحريري، وهو كان فخوراً به جداً\"، ومع ذلك فإن مساعدي الحريري قللوا من أهمية مساهمته في إصدار هذا القرار. \r\n \r\n في الأول من تشرين الأول أصيب مروان حمادة، الوزير السابق وأحد أصدقاء جنبلاط بجروح خطيرة عندما انفجرت سيارته وسط بيروت، وأدى الانفجار إلى مقتل حارسه الشخصي. \r\n \r\n تم تفسير هذا العمل على أنه رسالة تحذير لجنبلاط، وقال مساعد الحريري معلقاً: \"كان الحريري في باريس في ذلك الوقت وقد جن جنونه عندما سمع الخبر\". \r\n \r\n بعد أسبوعين استقال الحريري من منصبه كرئيس وزراء، وتحول بعدها على الفور إلى عامل جذب للمعارضة المتنامية ضد سوريا، وكان من المتوقع أن يستخدم قواه السياسية والمالية لكي يقود المعسكر المناهض لسوريا في الانتخابات البرلمانية المنتظرة في أيار. \r\n \r\n بعد محاولة الاغتيال تلك أرسلت باريس وواشنطن رسائل إلى دمشق تحذر السوريين من اغتيال زعماء المعارضة، وخاصة الحريري وجنبلاط. وقد كرر ريتشارد أرميتاج مساعد وزير الخارجية الأمريكي هذا التحذير خلال الاجتماع الذي عقده مع الرئيس الأسد في دمشق في كانون الثاني. \r\n \r\n لكن في شهر كانون الثاني نفسه تم سحب قوة الأمن التابعة للحريري والتي تتألف من 70 عنصراً من قوات الأمن الداخلي اللبناني، وهي وحدة شرطة برلمانية. وقد تمت مهاجمته في الإعلام بصورة متكررة من قبل شخصيات موالية لسوريا. كما تم اعتقال عدد من العاملين في جمعياته الخيرية. \r\n \r\n كان الحريري متأكداً أن السوريين لن يجرأوا على مسه لأنه كان محمياً من قبل واشنطن وباريس، وقال مساعده الشخصي: \"لم يكن الحريري يشعر بالقلق في ذلك الوقت. كان يقول: إنك تموت فقط عندما تحيا. لكن هذا المشهد من الحصانة كان على وشك أن يتغير قريباً، ففي 10 شباط التقى تيري رود لارسن مبعوث الأممالمتحدة مع الأسد في دمشق وطلب منه أن يقلص جهاز مخابراته في لبنان، وحاول أيضاً إقناع الأسد بعقد اجتماع سري مع الحريري لتسوية الخلافات لأنه كان يخشى من تجدد العنف في حال لم ينزع فتيل الأزمة سريعاً. وقال مصدر لدى الأممالمتحدة: \"لارسن كان يعرف أنه بدون الحوار فإن الأمور ستنتهي بشكل سيئ. كان يعرف أن عليه التحرك بسرعة\". في تلك الليلة كان هذا المصدر قد التقى الحريري في العشاء في بيروت، ويقول أن الحريري كان مستعداً للتحدث مع السوريين لكن كند وليس كخاضع. \r\n \r\n بعد ذلك بيومين التقى الحريري مع جنبلاط في منزله، وتنبأ وقتها بدقة باحتمال موته. الانفجار الهائل الذي حصل في مساء يوم 14 شباط سُمع في جميع أنحاء بيروت. \r\n \r\n قامت قوات الأمن اللبنانية على الفور بتطويق المنطقة، ويقول أحد كبار الدبلوماسيين البريطانيين: \"لقد مسحوا موقع الجريمة بعد الانفجار. وهم يعيقون التحقيق\". في البداية حاولت قوات الأمن إلقاء اللوم على الميليشيات الإسلامية المتطرفة وقالوا أن التفجير تم بعمل انتحاري. \r\n \r\n لكن ثلاثة وزراء سوريين التقت معهم التايمز خلال هذا الشهر كلهم أنكروا أن تكون دمشق قتلت الحريري، لكن لا أحد منهم تمكن من وضع نظرية بديلة مقنعة، على الرغم من أن سوريا تملك شبكة مخابرات واسعة في لبنان. \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n