أكثر من 150 ألف إسرائيلي يتظاهرون أمام منزل نتنياهو للمطالبة باستقالته (فيديو)    اندلاع حريق داخل حضانة أطفال في المنيا    تامر حسني يبهر جمهوره بالطيران في الهواء بحفل ثاني أيام العيد (صور)    تركي آل الشيخ يُعلن مُفاجأَة خاصة ل نانسي عجرم وعمرو دياب.. تعرف عليها    «الحمل الوديع الذي يأكله الذئب».. مدحت العدل يهاجم مجلس الزمالك بعد الخسارة أمام المصري    بوتين: روسيا وكوريا الشمالية تتعهدان بإفشال المخططات الغربية وفرض نظام عالمي جديد    مسؤول إسرائيلي يعلق على مصير عشرات الرهائن في غزة    آلاف الأشخاص يحتجون في القدس مطالبين حكومة نتنياهو بالاستقالة    ولي العهد السعودي يؤكد ضرورة الوقف الفوري للاعتداء بغزة    عبدالحليم قنديل: طرحت فكرة البرلمان البديل وكتبت بيان الدعوة ل25 يناير    منتخب فرنسا يبدأ مشواره فى يورو 2024 بالفوز على النمسا بهدف ذاتى    طاقم حكام مباراة زد أف سي وفاركو في الدوري    عاجل.. خطأ قانوني كارثي في مباراة الزمالك والمصري.. خبير تحكيمي يوضح    ملف مصراوي.. أزمة ركلة جزاء زيزو.. قرار فيفا لصالح الزمالك.. وحكام الأهلي والاتحاد    جوتيريش يدعو دول العالم إلى سرعة تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    شديد الحرارة نهارًا.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    ضحايا الحر.. غرق شخصين في مياه النيل بمنشأة القناطر    شهداء ومصابون فى قصف للاحتلال على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    واشنطن: تشكيل حكومة الحرب الإسرائيلية قرار لا يخصنا    إسعاد يونس: عادل إمام أسطورة خاطب المواطن الكادح.. وأفلامه مميزة    مفتي الجمهورية: نثمن جهود السعودية لتيسير مناسك الحج    عارفة عبد الرسول تكشف سرقة سيدة لحوما ب2600.. وتعليق صادم من سلوى محمد علي    فجرها خطيب وإمام المسجد الحرام، وفاة الداعية عمر عبد الكافي إشاعة أم حقيقة    إيهاب فهمي: بحب أفطر رقاق وفتة بعد صلاة العيد وذبح الأضحية    افتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ بمستشفيات جامعة عين شمس.. 25 يونيو    محافظ المنيا: حملات مستمرة على مجازر خلال أيام عيد الأضحى    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على صعود    وفاة أول حاج من الوادي الجديد خلال أداء مناسك الحج    حريق يلتهم مقلة لب بطنطا في ثاني أيام عيد الأضحى (صور)    مفاجأة عن الحالة الصحية للطيار المصري قبل وفاته، والشركة تبرر تصرف مساعده    «قضايا الدولة» تهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عودته بعد أداء فريضة الحج    تعرف على حدود التحويلات عبر تطبيق انستاباي خلال إجازة العيد    هيئة الدواء المصرية تسحب عقارا شهيرا من الصيدليات.. ما هو؟    8 أعراض تظهر على الحجاج بعد أداء المناسك لا تقلق منها    محمود فوزي السيد: عادل إمام يقدر قيمة الموسيقى التصويرية في أفلامه (فيديو)    «الأزهر» يوضح آخر موعد لذبح الأضحية.. الفرصة الأخيرة    الزمالك يهدد بمنتهى القوة.. ماهو أول رد فعل بعد بيان حسين لبيب؟    مرشحو انتخابات الرئاسة الإيرانية فى أول مناظرة يدعون لحذف الدولار.. ويؤكدون: العقوبات أثرت على اقتصادنا.. النفط يُهدر بنسبة 17% والتضخم تجاوز 40%.. ومرشح إصلاحي يعترف: عُملتنا تتدهور والنخب تهرب والوضع يسوء    تعرف على سعر الفراخ والبانيه والبيض بالأسواق اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    تهنئة إيبارشية ملوي بعيد الأضحى المبارك    االأنبا عمانوئيل يقدم التهنئة بعيد الأضحى المبارك لشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    تراجع سعر سبيكة الذهب اليوم واستقرار عيار 21 الآن ثالث أيام العيد الثلاثاء 18 يونيو 2024    بعد الارتفاع الأخير.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 18 يونيو في ثالث أيام العيد    وزراء البيئة بالاتحاد الأوروبي يوافقون على قانون استعادة الطبيعة    وفاة 10 حجاج من أبناء كفر الشيخ خلال أداء مناسك الحج.. اعرف التفاصيل    معركة حسمها إيفان.. حكم الفيديو أنقذنا.. تعليقات الصحف السلوفاكية بعد الفوز على بلجيكا    بعد الفوز على الزمالك| لاعبو المصري راحة    وكيل «صحة الشرقية» يقرر نقل 8 من العاملين بمستشفى ههيا لتغيبهم عن العمل    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    وزيرة التضامن تتابع موقف تسليم وحدات سكنية    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرة على البندقية التي قتل بها ليتشمان، انفجارات العراق تردد أصداء أحداث العشرين
نشر في التغيير يوم 16 - 03 - 2005

وستانلي مود هو الجنرال البريطاني الذي استولى على بغداد من العثمانيين في 1917 ثم مات أثناء محاولته فرض الحكم البريطاني على القبائل العراقية.
\r\n
\r\n
\r\n
ويعود مؤلف الكتاب إلى سرد فقرات من ذلك المقال الافتتاحي تخاطب أولئك الجنرالات بقولها: «ننصحكم بتلقي دروس إضافية في علم الحساب والسياسة وفن الحرب، لأنكم تجاهلتم في حساباتكم نتائج الحرب السياسية والاقتصادية والعسكرية، ونعتقد أننا قلنا لكم كل شيء ما عدا المثل العراقي الذي يقول: وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟». ولعل قراءة سطور ذلك المقال، عندما كان مؤلف الكتاب في العاصمة العراقية، قبل أيام من الحرب، تختلف كثيرا عن قراءتها الآن بعد الانهيار السريع لقوات صدام حسين، عندما نشبت الحرب.
\r\n
\r\n
\r\n
تاريخ على الظهور
\r\n
\r\n
\r\n
لكن استشهاد كاتب الافتتاحية بالجنرال البريطاني السير ستانلي مود لم يأت من فراغ، فقد أرسلته الحكومة البريطانية إلى العراق لينتزع البلاد من أيدي العثمانيين أثناء الحرب العالمية الأولى. وعندما وصل في مارس 1916 كانت للأتراك اليد العليا في العراق. وبدأت الحملة البريطانية العسكرية على بلاد الرافدين بداية جيدة ثم ما لبثت أن عجزت عن التقدم.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت القوات البريطانية قد غزت العراق في أول الأمر في عام 1914 عندما جاءت بالبحر عبر الخليج واحتلت مدينة البصرة على وجه السرعة، ثم توجهت شمالا حتى أصبحت على بعد 18 ميلا من مدينة بغداد حيث لقيت مقاومة شديدة من الأتراك، وبعد معركة دامية اضطرت القوات البريطانية إلى التقهقر نحو الكوت على نهر دجلة وعلى بعد 120 ميلا جنوب شرقي بغداد.
\r\n
\r\n
\r\n
وهناك في يوم 3 ديسمبر عام 1915 حاصرت القوات التركية والعربية قوة الغزو البريطاني. وفي ابريل 1916، كان قد مرّ على الحصار ستة عشر شهراً، ولقي نحو 5 آلاف جندي بريطاني وهندي مصرعهم.. واستسلم البريطانيون. ولقد كان حصار مدينة الكوت أطول المعارك وأكثرها دموية في تاريخ الامبراطورية البريطانية، كما كان استسلام القوات البريطانية أكبر عار لحق بتلك الامبراطورية. وفجرت معركة الكوت غضبا جارفا، وشعورا بالخزي في بريطانيا، واتهمت وزارة الحرب البريطانية بأنها تركت جنودها لمصيرهم.
\r\n
\r\n
\r\n
ويذكر جون لي أندرسون في كتابه أن القوات المنهزمة لم تلق معاملة طيبة من آسريها وخلال السنتين التاليتين مات أكثر من نصف عدد جنود الحملة البالغ عددها نحو 13 ألف جندي، واقتيد الباقون عبر العراق إلى تركيا، وأجبر بعضهم على العمل بالسخرة في إنشاء خط السكك الحديدية من بغداد إلى البصرة، أما من وصل منهم إلى تركيا فقد تم تشغيلهم في مناجم الملح. ويزعم الكتاب أن أهل مدينة تكريت بشكل خاص أساءوا معاملة الأسرى البريطانيين، ويشير إلى أن تلك المدينة هي مسقط رأس القائد المنتصر صلاح الدين، وهي نفسها التي قدر لها أن تكون مسقط رأس صدام حسين.
\r\n
\r\n
وبعد أحد عشر شهراً من سقوط الكوت، استطاعت قوات الجنرال مود، أخيراً، إلحاق الهزيمة بالأتراك ودخول بغداد في شهر مارس عام 1917. وأصدر الجنرال البريطاني في العراق بيانا يصفه مؤلف الكتاب بأنه متغطرس، ويزعم البيان أن: «القوات البريطانية جاءت لتحرير شعب العراق».. يالسخرية الأقدار!!
\r\n
\r\n
\r\n
ويحق للقارئ أن يتساءل اليوم: ألا يعيد التاريخ نفسه؟!.. على أية حال لم يهنأ الجنرال مود كثيرا بانتصاره إذ لقي حتفه بعد شهور قليلة من دخوله بغداد عن ثلاثة وخمسين عاما بعد أن أصيب بمرض الكوليرا وبعد سنوات وصف تي.إي. لورانس في مذكراته «أعمدة الحكمة السبعة» الحرب البريطانية في بلاد الرافدين بأنها كانت فاجعة لا ضرورة لها، وقعت نتيجة مزيج من الغطرسة وقصر النظر.
\r\n
\r\n
\r\n
في ذلك الوقت كان لورانس عضواً شاباً في مجموعة بارزة في مؤسسة السياسة الخارجية البريطانية كانت تؤيد التحالف مع القوميين العرب في المناطق الخاضعة للحكم العثماني، وترى أن تلك هي الوسيلة المثلى لتقويض ذلك الحكم. وقد كتب لورانس يقول: «الظروف مثالية لقيام حركة عربية»، وأشار إلى أن حركة عربية مطالبة بالاستقلال قد بدأت بالفعل في ما بين النهرين، وأن مشاعر عدم الولاء قد انتشرت بين الجنود العرب في الجيش التركي.
\r\n
\r\n
\r\n
وأصر لورانس على أنه من الممكن أن يؤدي التعامل السليم مع قادتهم إلى كسب تأييدهم للجانب البريطاني. وقال أيضا: «إن الشيء نفسه ينطبق على القبائل في الجنوب والتي قد تتحول إلى جانبنا لو رأت دلائل على التعامل معها باحترام» غير أن مهمة ما بين النهرين أسندت إلى حكومة الهند البريطانية التي رفضت أي تحالف أو تعامل مع العرب.
\r\n
\r\n
\r\n
عندئذ كتب لورانس: «لسوء الحظ أن بريطانيا، التي كانت تتفجر آنذاك بالثقة في تحقيق نصر مبكر، قد اعتبرت تدمير تركيا مجرد نزهة، وتوجهت بقوة عسكرية متوحشة إلى البصرة، وكانت (قوات العدو) في العراق في معظمها تتشكل من العرب، وذكر لورانس أنها قاتلت بشكل سيئ.
\r\n
\r\n
\r\n
كما هو متوقع، وأخذت القوات البريطانية تكسب معركة بعد أخرى حتى ظن البريطانيون أن الجيش الهندي أفضل حالا من الجيش التركي، إلى أن بدأ البريطانيون في الاندفاع نحو بغداد لتواجههم قوات تركية تقاتل وتتصدى لهم بقلوب ملؤها الحماس. وبدأ سقوط القوات البريطانية وانهيارها، وهكذا بدأت مأساة الكوت الطويلة.
\r\n
\r\n
\r\n
مع شاعر صدام
\r\n
\r\n
يعود جون لي أندرسون في كتابه إلى يوم 6 مارس ليقول إنه تلقى في مساء ذلك اليوم دعوة إلى العشاء من فاروق سلوم، الشاعر العراقي الذي كان يلقى تقديراً كبيراً من صدام حسين، كما كانت تربطه صداقة بناجي صبري وزير الخارجية العراقي، وقد التقى به أندرسون في زيارتيه السابقتين لبغداد ودار الحديث بينهما حول الثقافة العراقية وصدام.
\r\n
\r\n
\r\n
وهو رجل وسيم في منتصف الخمسينات من عمره، وهو من أبناء مدينة تكريت أيضا. ويحكي لنا أندرسون أن فاروقاً كان في لقائهما الأول يتمتع بمزاج حماسي، بعد أن قضى الأمسية السابقة مع صدام حسين، الذي كان قد دعاه مع مجموعة من الشعراء للحضور إلى أحد قصوره، وطلب منهم أن يحضروا معهم ما نظموه من شعر من أجل النشيد الوطني، وكان هذا اللقاء مذاعاً على شاشات التلفزيون.
\r\n
\r\n
\r\n
ويقول مؤلف الكتاب أن الشاعر فاروق سلوم ذكر له أن ذلك اللقاء كان مثيراً، ولكنه لم يكن أول لقاء له بصدام، فقد كان الرئيس معتادا على استدعائه وعدد قليل من الأشخاص في بعض الأمسيات الخاصة للتحدث عن الشعر والثقافة، وعلى الرغم من أنه فلاح من أسرة فقيرة، إلا أنه كان مهتما بالثقافة، ولم يتنكر لأصوله المتواضعة، فضلاً عن عشقه للطبيعة وحبه لصيد السمك ورعي الغنم في الصحراء، كما كان يفعل وهو صبي. ويعلق أندرسون على ذلك بأنه لم يصدق ما قاله فاروق سلوم، ولكن الشاعر أصر على أنه يذكر الحقيقة.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي ذلك المساء من يوم 6 مارس وصل جون أندرسون إلى منزل الشاعر لحضور حفل العشاء، واستقبله فاروق بحرارة، وعانقه، وأخذه من يده لكي يقدمه إلى بقية الضيوف، وعندما فعل ذلك قال لهم مازحا إن أندرسون ربما يكون جاسوسا أميركيا. وكان في الحفل نحو إثنى عشر ضيفاً من بينهم فلسطيني واثنان من الرجال ومثلهما من النساء من المنظمة الأهلية الاسكندنافية للإرشاد المسيحي الليبرالي، وكان أحد الرجال يرتدي الياقة الكنسية.
\r\n
\r\n
\r\n
وبدأ فاروق الحفل بالعزف على العود وغنى أغنيتين، إحداهما حزينة، وتدور عن الحب، وهي إحدى أغاني أم كلثوم، أما الأغنية الثانية فقد كانت كلماتها من تأليفه هو، وشرح فاروق لضيفه أنها تدور حول حب مفقود وامرأة خدَّاعة. ثم أخذ الشاعر يعد العشاء بنفسه، وكان الطبق الرئيسي فيه سمك المسجوف.
\r\n
\r\n
\r\n
وأثناء قيامه بعملية شواء المسجوف، قال لضيوفه إن طريقة الشواء تلك تعود إلى أيام سومر القديمة. ويقول جون لي أندرسون: «وبينما كان فاروق يشرح لنا هذا الجانب وقف إلى جواري ضيف اسمه دين وهو صاحب خبرة طويلة بشؤون العراق، وعلق الضيف على ما ذكره الشاعر قائلا إنه ينظر إلى كل هذا ويفكر في تاريخ العراق الطويل وكيف امتدت هذه الثقافة وعاشت حتى اليوم، وعندما يأتي الأميركيون إلى هنا فإنه لا يملك إلا أن يفكر فيهم باعتبارهم أشباه البرابرة الجدد».
\r\n
\r\n
ومع امتداد الأمسية شابتها أحاسيس يائسة، وأصر صاحب الدار على أن يشرب الجميع نخب الفن والموسيقى والحب والسلام والصداقة. وكان المكان قد امتلأ بمجموعة رائعة من أعمال الفن العراقي الحديث، بالإضافة إلى عدة صور فوتوغرافية تجمع بين فاروق وصدام حسين. وطلب فاروق من بعض ضيوفه أن يتبعوه إلى الحديقة ليشاهدوا بئر الماء الجديد التي حفرت استعدادا للحرب، مثلما فعل كثير من العراقيين في الأيام الأخيرة.
\r\n
\r\n
كذلك شاهدوا كمية من التمر المجفف بدأ في تخزينها فضلا عن صفائح الجاز لتشغيل مولد الكهرباء في الحديقة. وقال للضيوف: «هأنتم ترون أن عندي كل شيء» ثم نظر إلى السماء التي خلت من القمر، قائلا: «سيكون في مقدوري الوقوف هنا لمراقبة صواريخ كروز وهي تمر فوق رؤوسنا في طريقها إلى أهدافها، بالضبط مثلما كنت أفعل في عام 1991».
\r\n
\r\n
\r\n
وكان يشير، بالطبع، إلى عملية قصف بغداد التي سبقت حرب الخليج الأولى، ولعل الحديث زاد من قلق الحاضرين لأن جون أندرسون يقول إن الضيف الاسكندنافي ذا الياقة الكنسية اقترب منه، وسأله في هدوء: «ما رأيك فيما قد يحدث قريبا؟» فأخبره بأنه يعتقد أن الحرب وشيكة، وتلك هي الإجابة الوحيدة على سؤاله في ذلك الوقت المبكر من شهر مارس وفي العراق. وهز الرجل رأسه بالموافقة على رأي أندرسون. ثم مضى يتحدث عن تجربته في أفغانستان زاعما أن حملات القصف الأميركي ضد طالبان لم توقع خسائر جسيمة بين المدنيين، وقال إن لديه انتقادا واحدا لتورط الأميركيين في أفغانستان، وهو أنهم يفتقرون للمتابعة بعد الحرب.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي منتصف الليل، أعلن فاروق أنه يأسف لاضطراره لإنهاء الحفل، لأنه سوف يغادر بغداد في المساء المقبل إلى مدريد في رحلة عمل، إذ تلقى دعوة للسفر في مهمة رسمية. فقد كان فاروق موظفا كبيرا في وزارة الثقافة العراقية إلى جانب كونه شاعرا أيضا، كما سبق أن شغل منصب مدير إدارة السينما والتلفزيون، وأصبح الآن مديرا لإدارة الموسيقى والرقص.
\r\n
\r\n
\r\n
وأوضح الشاعر لضيوفه أن عليه توديع زوجته قبل سفره وهي راقصة باليه رئيسية، وكانت تجلس صامتة معظم وقت الحفل والى جوارها ابنتها. وكان عليهم أن يسافروا بالطائرة إلى سوريا، غير أن فاروق لم يوضح للحاضرين لماذا اختاروا سوريا بالذات، غير أن واحداً من المرافقين أخبر جون أندرسون أن عائلة الزوجة استأجرت منزلاً في دمشق منذ فترة قصيرة، وأنها في انتظارهم هناك.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان العديد من كبار المسؤولين في حكومة البعث قد قاموا بإجلاء عائلاتهم قبل أن تنشب الحرب. وهمس مرافق أندرسون قائلا له إنه لا يظن أن فاروقاً سيعود.. وبينما أخذ الضيوف في الرحيل وقف فاروق على مدخل البيت ملوحا لهم، وهو يصيح قائلا: «أضيئوا شمعة من أجلنا أضيئوا شمعة من أجل السلام ومن أجل أطفال العراق».
\r\n
\r\n
ويختتم مؤلف الكتاب تلك الصورة الحزينة بقوله: «وفي تلك الليلة نفسها، في الولايات المتحدة، ظهر الرئيس الأميركي بوش على شاشة التلفزيون القومي ليعلن أن الحرب على العراق أصبحت قريبة جدا».
\r\n
\r\n
\r\n
في أغرب متاحف بغداد
\r\n
\r\n
\r\n
لسنا ندري، ما الذي دفع مؤلف الكتاب إلى إهمال حديث الحرب الذي كان يسود جميع أنحاء العالم، لا العراق وحده أو دول المنطقة وحدها، فنجد أن جون لي أندرسون الكاتب الصحافي والمراسل الموفد خصيصا لكي يغطي مجريات الأمور في العراق وما حوله قبل الحرب وأثناءها وبعدها.
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n
كما نفهم من بين سطور الكتاب، نجده يترك كل ذلك، ويهتم كثيرا بزيارة ما يسمى متحف قائد النصر في بغداد الذي يضم مجموعة كبيرة من هدايا صدام حسين، ثم يكشف المؤلف عن سبب ذهابه إلى المتحف فيقول إنه أراد أن يلقي نظرة أخرى على البندقية التي قيل إنها استخدمت عام1920 لاغتيال الضابط البريطاني الشهير الكولونيل جيرارد إيفلين ليتشمان، ثم يصفه بأنه كان مثل زميله لورانس العرب واشتهر بالجرأة والشجاعة في الصحراء، وعاش بين العرب.
\r\n
\r\n
\r\n
وينهال المؤلف بالمديح، وذكر مناقب هذا الضابط الاستعماري، الذي كان من قادة الاحتلال البريطاني للعراق. ويذكر أن ليتشمان كان يغطي أجنحة القوات البريطانية المتقهقرة أثناء المراحل الأولى للحصار التركي لمدينة الكوت، وكان آنذاك خارج المدينة، فاخترق صفوف الأتراك لإنقاذ بعض الخدم العاملين معه، الذين كانوا قد وقعوا في كمين في القرية.ويشير أندرسون إلى أن ليتشمان التقى بلورانس أثناء الحصار، عندما وصل الأخير في مهمة سرية لكي يهيئ ممرا آمنا للحامية البريطانية المحاصرة. وكانت الصفقة مع الأتراك تقضي بدفع رشوة للأتراك قدرها مليونا جنيه.
\r\n
\r\n
\r\n
وقاده ليتشمان إلى مكان الموعد المحدد مع القائد التركي، غير أن أنور باشا، وزير الحرب العثماني رفض العرض، فغادر لورانس العراق متوجها إلى مصر، وما لبثت حامية الكوت أن أعلنت استسلامها.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي رأي المؤلف أن لورانس أصبح أكثر شهرة من ليتشمان بسبب القصص المثيرة التي نشرها الصحافي الأميركي لوريل توماس، وكذلك لأن لورانس كان كاتبا موهوبا، وعاش حتى كتب مذكراته. أما ليتشمان فقد كان خجولا أمام وسائل الإعلام والدعاية، ورجلا عسكريا مشغولا بالعمل ونادرا ما كتب شيئاً، وقد شجعت أنباء مصرعه القبائل العربية على التمرد، وأثارت فزع الجمهور البريطاني الذي كان منزعجا أصلا من أنباء ما يلاقيه الاحتلال البريطاني في الشرق الأوسط.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان ليتشمان قد جاء إلى العراق عام 1907 بعد أن اشترك في حرب البوير التي أصيب فيها، ثم خدم بعد ذلك في الهند. وقد قضى فترة قصيرة يعيش بين المجتمع الغربي الكوزموبوليتاني في مدينتي البصرة وبغداد، ولكنه اشتهر بسبب تحركه بين قبائل الفرات، وكان يرتدي الملابس العربية، ويمتطي ظهور الخيل والجمال في رحلات طويلة عبر أراض نائية لا وجود لها على الخرائط، ثم يعود ليكتب تقاريره عن المكائد بين زعماء القبائل خلال الأيام الأخيرة للامبراطورية العثمانية.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي ربيع 1910 كان ليتشمان في مهمة تجسسية في الصحراء، وقام أثناءها بزيارة معسكر الحرب الخاص بجد ناصر السعدون لقبه ابن سعدون باشا عدو الأتراك وزعيم قبيلة المنتفق القوية التي كانت تسيطر على مساحة كبيرة في الجنوب مدة أربعة قرون. كان ناصر السعدون مهندسا عراقيا لجأ إلى الأردن أيام حكم صدام حسين وبقى هناك مع أسرته، ويقول المؤلف إن هذا المهندس كان قد حكى له، في زيارة له في عمان، قصة ذلك اللقاء.
\r\n
\r\n
\r\n
ففي الوقت الذي كان آل السعدون يخوضون غمار حرب إقليمية مع قبائل صحراوية منافسة، كانت الروابط ضعيفة بين معظم القبائل والأتراك، بينما أخذ البريطانيون يغازلونها، ويتوددون إليها. وظل الضابط البريطاني ليتشمان ينتقل ذهابا وإيابا عبر خطوط القتال بين القبائل المتحاربة، والتقى بالأمير الشاب سعود قبل أن يتوجه إلى معسكر سعدون باشا.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت تلك هي المناسبة البريطانية الأخيرة للقاء آخر الزعماء الكبار لقبيلة المنتفق في بلاد ما بين النهرين، فلم تكد تمر سنة حتى وقع سعدون باشا في خديعة دبرها أعداؤه وأسره الأتراك الذين سجنوه في حلب بسوريا، ثم مات بعد ذلك بقليل بالسكتة القلبية، ولكن البريطانيين قالوا إنه مات مسموماً، وبموته تدهور نفوذ قبيلة المنتفق بسرعة، وانقسمت إلى مجموعتين متناحرتين.
\r\n
\r\n
\r\n
وفقدت تحالفاتها طويلة المدى، وبالتالي فقدت نفوذها في الجنوب. وفي إطار إحدى الحكايات العجيبة يقال إن عجيمي نجل سعدون باشا، الذي برز مرتدياً عباءة أبيه، انضم إلى جانب العثمانيين الأتراك المتهمين بقتل والده، ضد البريطانيين في الحرب التي نشبت بعد سنوات قليلة.
\r\n
\r\n
\r\n
ويصف الكتاب ليتشمان بأنه كان رجلا قاسيا، وعندما أعلنت الهدنة عام 1918، كان قد خاض معارك ضارية كثيرة، ونجا بحياته من عدة محاولات لقتله، وبعد الحرب أصبح متحجر القلب في ضرب الانتفاضات العربية. وبينما كان البريطانيون يستخدمون القصف الجوي لقهر القبائل المنتفضة، كان ليتشمان قد ابتكر حلا آخر أسماه «المذابح الشاملة بالجملة» ضد القبائل، واعتبر ذلك حلا نموذجيا، واختلف في التنفيذ عن كل من ونستون تشرشل وزير الحرب البريطاني آنذاك ولورانس اللذين كانا يؤيدان استخدام الغاز السام لقهر الثوار.
\r\n
\r\n
\r\n
وعندما بدأت الثورة الوطنية العراقية في مارس 1920 قام ضابط بريطاني زميل لليتشمان، وهو ه. جون فيلبي (والد الجاسوس البريطاني كيم فيلبي) بمرافقة الكولونيل بغارة تأديبية على قبيلة الدليمي، التي أعلنت الثورة المفتوحة. وقبل وصولهما كان ستة ضباط قد قتلوا خلال عشرة أيام. وقد كتب فيلبي يقول: لقد أسرع ليتشمان بوضع العرب على نصل السيف، فأحرق مساحة عشرة أميال من الأكواخ، وسحب الماشية، ودمر كل شيء تقع عليه الأبصار، ومسح من الوجود العرب القلائل الذين واتتهم الشجاعة لكي يقاوموه».
\r\n
\r\n
\r\n
وفي 12 أغسطس 1920، وبينما انتشرت الثورة، توجه ليتشمان بالسيارة من بغداد إلى مدينة الفلوجة على بعد نحو أربعين ميلا، لكي يقابل الشيخ ضاري الزعيم القبلي، الذي لم يكن رجاله يشاركون في الثورة العربية، ومازال الغموض يكتنف ما حدث بالضبط وما قيل في ذلك الوقت أو سبب اللقاء بين الرجلين، ولكن البريطانيين يميلون إلى الاعتقاد أن ليتشمان هوجم وأطلق عليه الرصاص وأن القاتل هو أحد أبناء الشيخ.
\r\n
\r\n
\r\n
وبعد سماع الأنباء كتبت غيرترود بيل السكرتيرة السياسية للمفوضية البريطانية السامية في بغداد، رسالة إلى أبيها تقول فيها: «أسوأ الأنباء أن الكولونيل ليتشمان وقع في كمين ولقي مصرعه».
\r\n
\r\n
\r\n
وكان اغتيال ليتشمان لحظة حاسمة بالنسبة للثورة المعادية للاحتلال البريطاني، وأشعل مقتل شخص بارز مثله الحماس في قلوب الثوار، وامتدت الثورة بسرعة إلى جميع أنحاء البلاد. ومرة أخرى تكتب غيرترود بيل رسالة أخرى في يوم 5 سبتمبر تقول فيها: «نحن الآن في ذروة انفجار كامل للجهاد» وقد كانت بيل متعاطفة مع العرب، واعتبرت زمنا طويلا بطلة الاستقلال العربي، كما أنها تجيد اللغة العربية إجادة كاملة.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي السنوات الثلاث التي مرت منذ وصولها إلى بغداد في شهر ابريل 1917، بعد هزيمة قوات الجنرال مود بقليل، حاولت تهدئة مشاعر الإحباط المتزايدة لدى الوطنيين العراقيين في الوقت نفسه الذي كانت تحاول فيه العمل داخل اللوبي من أجلهم، ولكن من دون جدوى. ولم تدهش عندما تفجرت الثورة، وكتبت في ذلك الوقت تقول: «عندما يمعن الإنسان النظر في ذلك، فإنه من السهل جدا إدراك أن الناس الذين يفكرون يجب أن يتمردوا على نظام كوني يمكن أن ينتج أي شيء مدمر مثل الحرب العالمية الأولى.
\r\n
\r\n
\r\n
لقد فقدت الحضارة الأوروبية رصيدها، ومرة وراء أخرى قال الناس لي إن ما يصيبهم بالصدمة والدهشة أن يروا أوروبا تنزلق نحو البربرية. ولا أجد إجابة. بأي شيء آخر يمكن أن توصف الحرب؟ كيف يمكننا نحن الذين أدرنا شؤوننا بطريقة سيئة أن ندعي تعليم الآخرين إدارة شؤونهم بشكل أفضل؟!».
\r\n
\r\n
\r\n
وعندما قمعت الثورة بعد شهر كان قد قتل نحو خمسمئة جندي بريطاني ونحو عشرة آلاف عراقي من بينهم عدد كبير من المدنيين.وكانت الثورة عاملا حاسما في قرار بريطانيا تعيين ملك هاشمي، هو فيصل الأول ملكاً على العراق، وتم تنفيذ القرار بعد عام. ولا غرابة في أن تختلف رواية أحداث عام 1920 لدى البريطانيين عنها لدى العراقيين بدءا بظروف مقتل ليتشمان. وفي العراق الحديث أصبح يشار دائما إلى أن الرجل الذي قتله هو الشيخ ضاري، ويذكره الناس كبطل ووطني.
\r\n
\r\n
\r\n
ويعود بنا الكتاب إلى صباح يوم 7 مارس عام 2003 عندما توجه جون لي أندرسون إلى المتحف لكي يرى السلاح الذي قتل به ليتشمان. ولقد لاحظ أن كثيراً من الصناديق أصبحت خالية من المعروضات، ولم يجد أحد أثرا للبندقية المطلوبة، وعندما سأل أندرسون أحد الحراس عنها استدعى أمينة المتحف لتتحدث إليه، وسألته السيدة عن جنسيته، فأخبرها أنه من الولايات المتحدة.
\r\n
\r\n
\r\n
ولما سألها عن البندقية قالت له إنها نقلت من مكانها لحمايتها من الهجمات الأميركية المتوقعة على العراق لأنها شيء خاص جدا، وقد نقلت كل الأشياء الخاصة إلى مكان آخر. وتركته السيدة، غير أن أمينا آخر من الرجال لاحظ حيرة أندرسون، فاقترب منه وقال إنه سيحاول البحث عن البندقية، وهبط بضع درجات من السلم، وعاد بعد دقائق مع بعض الحراس حاملا بندقية ذات ماسورة طويلة.
\r\n
\r\n
\r\n
وأوضح له أمين المتحف أنها تشيكية من طراز برنو ومرخصة في بلاد فارس عام 1902 وقد صممت خصيصا للرماية الدقيقة من مسافة كبيرة. وأشار إلى كتابة فارسية على الماسورة، وقال الأمين مبتسما: «هذه هي البندقية التي قتلت الكولونيل ليتشمان». وسمح له بتفقدها بضع دقائق، ثم استعادها منه.
\r\n
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.