\r\n لكن الشيوعيين لم يكونوا جميعهم ادوات طيعة وعملاء للاتحاد السوياتي, كما بينّت ذلك الصين ويوغسلايا. كما لم تكن جميع حركات التحرر الوطني تحت قيادة الشيوعيين, بل كانت في الغالب بقيادة القوميين. ثم كان هناك المشكال كلّه لليسار في العالم, من الاشتراكيين والشيوعية الاوروبية وقادة الاتحادات النقابية, ومؤيدي »الطريق الثالث« بين الشرق والغرب. ومن الخطأ وسمهم جميعاً في سلّة واحدة على أنهم »شيوعيون«. \r\n \r\n كان هذا عموماً هو النقد الليبرالي للمعاداة الصارمة للشيوعية عند المحافظين الجدد. وواصل محاربو الحرب الباردة من المحافظين صيحتهم »إياكم والشوعيين«, وهكذا أضاعوا فرصاً أتت من وضع تمايزات أكثر حنكة وذكاء. \r\n \r\n ومع هذا, لم يكن هذا النقد من دون حيثيات. فمع مرور الزمن, قرّرت الولاياتالمتحدة فعلاً الافادة من الانشقاق الصيني - السوفياتي, وفارقت بين مختلف الدول الشيوعية في أوروبا الشرقية والوسطى, وتعلّمت فعلاً كيف تتعامل مع الاشتراكيين وقادة النقابات العمالية وغيرهم من الذين نبذتهم الحكومات الامريكية في زمن ما. \r\n \r\n وبالطبع, فقد مضى اليسار الليبرالي بعيدا في وجهة نظره بعض الأحيان. فتبيّن, مثلاً, أن هو تشي منه كان زعميا قوميا وشيوعيا في آن. ولما أطاحت الجبهة الساندينية بدكيتاتورية سوموزا في نيكاراغوا عام ,1979 لم تنشر ذلك الخبر صحيفتا نيويورك تايمز والواشنطن بوست كانتصار للاتحاد السوفياتي او كوبا. بل على العكس من ذلك, فقد عارضتا هذا الحكم على مدى عقد او يزيد من الزمان. وحدا ذلك بالجبهة الساندينية نفسها ان تؤكد على انها سعت منذ بدايتها الى ان تضاهي الموديل الكوبي, وان تتحالف مع الاتحاد السوفياتي. \r\n \r\n فلنقارن العقلية الليبرالية والصحافية المنفتحة خلال الحرب الباردة, حيث كانت الشيوعية هي الموضوع المطروح, بالصرامة المميزة لهذه الدوائر ذاتها, القائمة اليوم, عندما يكون الحديث عن مجموعة مختلفة من الناس: المسلمون الشيعة. فقد كان احتساب الأصوات ما يزال جارياً في العراق, عندما نشرت نيويورك تايمز في الجملة الأولى من مقالتها على الصفحة الاولى, بأن المرشحين للفوز في الانتخابات العراقية, هم على الأرجح »ائتلاف الأحزاب الشيعية التي تهيمن عليها جماعات دينية ذات ارتباطات وثيقة مع ايران«. وبعد عشرة أيام, مضت الواشنطن بوست لتتقدم على تقرير نيويورك تايمز تقول في مانشيت عريض مثير يقول: »الفائزين في العراق المتحالفين مع إيران ذوو رؤية مخالفة للرؤية الامريكية«. وتساءل المحرر روبرت شير عن »الأسباب التي جعلت الولاياتالمتحدة تهدر اموالا لا تحصى من الموارد البشرية, واموال دافعي الضرائب والنية الدولية الطيبة, من اجل تقسيم العراق, ثم اعادة بنائه بصورة عدونا »محور الشر« اللدود والمحاذي. او كما يقول جيمس كارفيل ببلاغة اكبر: »ها قد دفعنا نصف تريليون دولار كي تقوم حكومة موالية لايران«. \r\n \r\n لكننا دفعنا مثل هذا المبلغ ثمنا للتمييز الحكيم في الماضي, ومثله ثمناً للتعقيد, ومثله أيضا ثمنا لاتاحتنا لمرور وقت قصير قبل ان تقفز الى استنتاجات خطرة هي الأقرب الى البرهان على انها مبسطة. ان قسما كبيرا من هذا الجنون المعادي للشيعة يثيره عراقيون آخرون بالطبع, وذلك إما لأنهم مجرد خائبين في الانتخابات, وإمّا لأنهم يأملون في إضعاف نفوذ الشيعة في الحكومة الجديدة. فمعظم الزعماء في الدول العربية المجاورة من السنّة, ولا يخفون مشاعرهم المعادية للشيعة. ولكن هذا لا يعني ان على الامريكيين تبنّي هذا التعصب او هذا الجنون. فقد يلاحظ المرء, مثلا, ما دأب عليه فعلا زعماء الشيعة منذ فوزهم في الانتخابات, وهو التصريح بأن لا مصلحة لهم, ولا توجه لديهم لنسخ النموذج الايراني, او لجعل العراق حليفا لايران. وهذا بالضبط هو ما أبلغه عادل عبدالمهدي, احد كبار زعماء الشيعة, لمحطة »سي. ان. ان«. كما شدّد كذلك بالقول »اننا لا نريد حكومة شيعية ولا حكومة اسلامية«. اما عبد العزيز الحكيم, زعيم الائتلاف الشيعي الذي حصل على 48 بالمئة من الأصوات, فقد تعهّد بإقامة »حكومة وحدة وطنية«, ومن الواضح تماما فعلا ان المساومات الجارية بين القواعد الانتخابية في العراق ستسفر عن تشكيل حكومة بمشاركة قوية للأكراد والسنة على حدّ سواء. \r\n \r\n ثم هناك حقيقة ان الائتلاف الشيعي ذاته ليس متناغما تماما, بل يضم شخصيات علمانية بارزة ومعتدلة, مثل احمد الجلبي, ومتدينين معتدلين مثل ابراهيم الجعفري, ومتدينين محافظين ايضا. وهذا يعني انه حتى ان المزيد من المساومات, وعدم الاحتمال العملي لأية مجموعة من هذه الفئات - بما فيها أكثرالجماعات الشيعية تدّينا - هو الذي يطغى على الساحة, ويفرض نفسه من خلال التوزيع. \r\n \r\n نعم, يقول الصحافيون ذوو الميول المتناغمة. لكن أليس العديد من هؤلاء الزعماء العراقيين. الذين عاشوا فترة في ايران, يسعون الى الحصول على الدعم الايراني? بالطبع, نعم. فلما كان صدام حسين في السلطة, ويقتل الشيعة بعشرات الألوف, ويستخدم الاسلحة الكيماوية ضد الأكراد, بينما وقفت الولاياتالمتحدة واوروبا وبقية العالم صامتة لا تلوي على شيء, كان العديد من العراقيين يبحثون عن المساعدة من الدولة الوحيدة التي قدّمتها لهم. فهل يعني هذا اليوم, وقد اطيح بصدام, وان امامهم فرصة المشاركة في حكم بلدهم, بأنهم عملاء لإيران? وهل كان جورج واشنطن عميلا لفرنسا? قد يبقي بعضهم على علاقاتهم مع مؤيديهم الايرانيين في السابق, غير أن الرهان الأفضل هو ان شيعة العراق يريدون ان يكونوا مجرد شيعة العراق. ولتبق القومية في أذهاننا. فكما يبيّن الباحثون والعلماء المسلمون, مثل راؤول مارك غيريخت, فلعلّ زعماء الشيعة الايرانيين هم المنزعجون حاليا. وفي نهاية المطاف, قد يبرهن آية الله علي السيستاني وحلفاؤه بأنهم اصحاب نفوذ وتأثير داخل ايران اكثر من نفوذهم في العراق. \r\n \r\n ما من احد يستطيع معرفة ذلك معرفة مؤكدة بطبيعة الحال. لكنه حان الوقت الآن لقليل من البراعة والحكمة, ولبعض من الفطنة والذكاء, ولشيء من الأناة والصبر. وفي المقام الأول, آن لنا الآن أن نتخلّى عن خوفنا الجامح من الشيعة.0 \r\n \r\n الواشنطن بوست \r\n