ويتألف هذا الاختبار، من سؤال واحد فحسب هو: هل تعتقد أن أقصر مسافة بين نقطتين، هي الخط المستقيم؟ فإذا ما جاءت الإجابة بالإيجاب، يعد المتقدم راسباً، ولا يجوز له العمل مطلقاً في العراق. يمكن لمثل هذا المسؤول العسكري أو الدبلوماسي أن يعمل في كوريا أو اليابان أو ألمانيا، ولكن قطعاً ليس في العراق. ويعني هذا أن جواز العمل في العراق، ينطبق حصرياً، على من يدركون أن أقصر مسافة بين نقطتين، ليست هي الخط المستقيم في الشرق الأوسط. فهؤلاء وحدهم، يجوز لهم النهوض بعبء السياسات الأميركية هناك. وبعد قضائي أسبوعاً كاملا في منطقة الخليج العربي، فإن الذي يثير قلقي ويقض مضجعي حقاً في هذه اللحظة، هو أننا دخلنا بالفعل مرحلة \"أرابيسك\" شديد التعقيد في العراق. فهو يتطلب الكثير من الفهم والإدراك لتعقيدات السياسات العراقية والعربية إجمالا، فضلا عن القدرة والمهارة في الوصول إلى النتائج والخواتيم. وما أصعب هذا الواجب الأخير، بسبب أن الوصول لا يتم عبر الوسائل التقليدية، ومنحى الاستقامة الذي تنحوه الولاياتالمتحدة الأميركية، وإنما عبر السياسات الغريبة، والطرق المتعرجة المعقدة، التي تسلكها الأمور في ذلك الجزء من العالم. على سبيل المثال، فمع بقاء ستة أسابيع فحسب، تفصل بيننا وبين الانتخابات العراقية المرتقبة، ومع نشاط إيران المحموم، في ممارسة نفوذها وأموالها بهدف الدفع بمرشحيها إلى صدر القائمة الانتخابية الرابحة، فإن ما يتحرق إليه شوقاً أعضاء إدارة بوش من المحافظين الجدد، هو \"بعث جديد\" في العراق! وأعني بذلك حاجتهم إلى إيجاد إطار سياسي من شأنه الدفع والترويج لمصالح الوطنيين العراقيين، المؤيدين لحركة البعث هناك، شريطة أن يكون هذا الإطار، قادراً على تحقيق هذه الأهداف، على نحو أكثر تقدماً وجماعية مما كان يعمل نظام البعث القديم بقيادة صدام حسين. هذا هو ما يجب أن نسلط عليه معظم اهتمامنا في الوقت الحالي، بدلا من انشغالنا أكثر مما يجب، ببعبع النفوذ الإيراني. فالحقيقة التي لا مراء فيها، أنه ما من سبيل أصلا لتفادي النفوذ الإيراني على العراق. فهي دولة في الجوار مباشرة، فضلا عن أن لها صلات اقتصادية وثقافية عديدة ومتشابكة مع الشيعة العراقيين. وأهم من ذلك كله، أن من المؤكد أن الانتخابات العراقية المقبلة، ستسفر عن فوز أغلبية شيعية في البرلمان الجديد. ومع ما لبعض الشيعة العراقيين من ميول قوية إزاء إيران، إلا أن غالبيتهم لا تتطلع إلى أن تحكم بغداد من طهران. والحقيقة هي أن الشيعة العراقيين، عرب وليسوا فارسيين، علاوة على أنهم يعون جيداً انتماءهم العربي. وفوق ذلك، فإن أي عراقي، يقدم نفسه على أنه مخلب قط لطهران، سيواجه ردة فعل شعبية غاضبة لا محالة. \r\n \r\n وعليه فإن أفضل سبيل للحد من النفوذ الإيراني في العراق، وتفادي نشوب حرب أهلية هناك، هو توفير الضمانات لأوسع مشاركة سنية ممكنة في الانتخابات، بحيث يتمكن السنة والأكراد الأكثر علمانية، من حفظ التوازن بينهم وبين الشيعة الأكثر تشدداً في تدينهم، لحظة صياغة الدستور العراقي الجديد. وما لم يتم تمثيل المسلمين السنة بما يكفي في الانتخابات، فإن هذا الحدث الانتخابي سيؤدي إلى تأجيج نار الحرب الأهلية، بدلا من صب الماء فوقها. كيف لا، والنتيجة هي ذهاب كافة مقاعد الحكم والبرلمان، لتكون من نصيب الشيعة والأكراد، في حين سيشعر السنيون بالمزيد من الغبن والتهميش؟ \r\n \r\n ولكل هذه الأسباب جميعاً، فإن على فريق إدارة بوش، أن يعمل معاً إلى جانب كل من الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، بل وحتى مع سوريا، كي تستخدم كافة هذه الدول علاقاتها وصلاتها مع العراقيين السنة، وتدفع بهم باتجاه مشاركة واسعة في الانتخابات المقبلة، شريطة أن تكون الجيوب منتفخة بالأموال، ضماناً لذهاب الناخبين إلى مراكز الاقتراع، خاصة عندما تتجه الاتصالات إلى زعماء القبائل السنية. وللمزيد من الوضوح والمباشرة، فإن من الضروري أن ندفع بالسنة إلى صناديق الاقتراع والتصويت، حتى وإن اضطررنا إلى شراء بعضهم. ومما يؤسف له أن أصدقاء أميركا من العرب، لا يفعلون شيئاً إيجابياً هذه اللحظة، على حد ما روى لي أحد كبار المسؤولين العراقيين. وقال لي ذلك المسؤول أيضاً، إنه لابد للأميركيين من أن يلحوا في الطلب على أصدقائهم العرب. ومع أن فكرة أن تحكم دولة عربية من قبل طائفة الشيعة، تثير مشاعر القلق والفزع لدى الكثير من القادة العرب، إلا أنهم يدركون في الوقت ذاته أن نشوب حرب أهلية في العراق، سيؤدي إلى إثارة حالة من البلبلة وعدم الاستقرار، في وقت تعلم فيه كافة الأنظمة العربية أن ساعة الإصلاح قد أزفت، وأن عليها أن تفعل شيئاً الآن. \r\n \r\n \"صحيح أن الغزو الأميركي للعراق، خلق للولايات المتحدة أعداء جدداً، إلا أنه أطلق في ذات الوقت، حواراً واسعاً في العالم العربي حول ضرورة الإصلاح السياسي\" هذا ما قاله عمار عبد الحميد، المدير المساعد في \"دار إعمار\" وهي منظمة مؤيدة للإصلاح في سوريا. واستطرد عمار قائلا: بالنسبة للبعض، فقد فرض هذا الغزو الإصلاح فرضاً عليهم، إلى درجة أنهم قالوا، فلنغير أنفسنا بدلا من أن يغيرنا الأميركيون. وهناك من الليبراليين العرب، من يريد استغلال الوجود الأميركي في المنطقة، من أجل ممارسة المزيد من الضغط على الأنظمة وحثها على المضي قدماً في التغيير. ومن جانب آخر، فقد شعرت بعض الأنظمة، أن السبيل الوحيد لتجنب الشر الأميركي، هو التظاهر بأنها ماضية في خطى الإصلاح. ومهما يكن، - والحديث لا يزال للسيد عمار عبد الحميد- فقد فرضت المسألة العراقية أمر الإصلاح على الجميع بلا استثناء. وفي بعض الأحيان، بدا هذا الأمر مستقلا عما يجري في العراق. \r\n \r\n ولا يزال في وسع واشنطن، التوظيف الذكي لسياسة العصا والجزرة، مع سوريا. كما تستطيع إيران وحلفاء أميركا من العرب، لعب دور فاعل وإيجابي، في إجراء انتخابات لائقة ومبشرة في العراق. وها هي لحظة العمل في هذا الاتجاه قد أزفت. فهل نتحرك الآن؟. \r\n _________________________________________________ \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n