فقد عززت الحكومة الايرانية موقفها بهدوء في العراق من خلال توفير الدعم المالي لعدد من المجموعات الشيعية البارزة ومن خلال ارسال العديد من عملاء الاستخبارات الى العراق. والحركة على طول الحدود البالغة 900 ميل بين ايران والعراق اكثر سهولة الآن مقارنة بما كان عليه الحال خلال حكم الرئيس المخلوع صدام حسين، كما هو واضح في الأعداد المتزايدة من الايرانيين الذين يقصدون المدن الشيعية المقدسة في العراق فضلا عن التهريب اليومي للبضائع والاشخاص ايضا. اما اكثر ما يثير قلق المسؤولين الاميركيين، فهو علاقات ايران الوثيقة مع رجال دين شيعة بارزين مثل آية الله علي السيستاني، الايراني المولد، ومقتدى الصدر، الذي ظل يقود تمردا شرسا ضد القوات الاميركية على مدى الأشهر الثلاثة السابقة. ويعتقد مسؤولون اميركيون ان ايران ربما يكون لها دور في تمويل حركة مقتدى الصدر. وعلى الرغم من ان الشيعة يشكلون غالبية سكان كل من العراق وايران، فإن الشيعة العراقيين موزعون على عدة ولاءات دينية وقومية، إلا انه لم يعرف بعد مدى وحجم النفوذ الذي يمكن ان تمارسه ايران في العراق. إلا ان هناك من يحذر من لعب ايران دورا صامتا كوسيط للسلطة خلال الفترة التي يترقب خلالها العراق إجراء الانتخابات العامة في يناير (كانون الثاني) المقبل. ويعتقد مسؤولون غربيون ان ايران تهدف الى لعب دور في صياغة عراق يحكمه سياسيون شيعة يحكمون نيابة عن رجال الدين في البلدين. ويقول دبلوماسي غربي ان ايران تريد ان تفشل مهمة الولاياتالمتحدة في العراق، لكنهم يأملون في نفس الوقت ان يظل العراق مستقرا حتى لا يتسبب في زعزعة الاستقرار في ايران. وأضاف قائلا ان افضل الخيارات بالنسبة لايران يتمثل في استقرار الاوضاع في العراق مع قيام سلطة شيعية في بغداد تعارض قوات الاحتلال. ويأمل البيت الابيض الآن في ان تحكم شخصيات شيعية علمانية مثل اياد علاوي، رئيس الحكومة العراقية المؤقتة، عراقا ديمقراطيا يمكن ان يؤثر بدوره مستقبلا في إحداث تحول في ايران، التي يعتبرها الرئيس جورج بوش ضلعا في «محور الشر» الى جانب العراق وكوريا الشمالية. وقال الدبلوماسي الغربي ان ايران ظلت تشعر منذ الغزو الاميركي للعراق وافغانستان انها باتت محاطة بالاميركيين او اصدقائهم. ويقول بعض الخبراء ان استيلاء ايران في يونيو (حزيران) الماضي على ثلاثة زوارق تابعة لسلاح البحرية البريطاني في شط العرب كان حادثا صغيرا، لكنها وسيلة مهمة لايران للتأكيد على ان مصالحها في المنطقة لا ينبغي تجاهلها. وكانت ايران قد عبرت عن عدائها للحكومة الانتقالية العراقية وقبولها المتحفظ لها في نفس الوقت، مما يعكس المعارك الداخلية في اوساط القيادة الايرانية، اذ ظل يتبع المعسكران الرئيسيان داخل القيادة الايرانية، المحافظون بقيادة محمد خاتمي والمتشددون بقيادة علي خامنئي، سياسات خارجية متباينة. إلا ان لدى الكثير من العراقيين شكوكا ازاء ممارسة ايران نفوذا كبيرا على الاحزاب الشيعية الرئيسية في العراق. فقد اظهرت نتائج استطلاع أجرته سلطة التحالف المؤقتة في مايو (أيار) الماضي ان اكثر الاحزاب السياسية شعبية في العراق هي الاحزاب الشيعية التي تربط بينها وايران علاقات قوية. وتقول جوان كول، خبيرة دراسات المذهب الشيعي في جامعة ميشيغان الاميركية، ان الامر الواضح هو ان طهران تحاول ممارسة نفوذها على جميع الاطراف. اما الاحزاب الشيعية، فتؤكد من جانبها انها مستقلة عن الحكومة الايرانية، لكنها تشير في نفس الوقت الى ان ايران هي الدولة الوحيدة التي قبلت ايواءهم خلال حكم الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، وبالتالي ليس من الغرابة في شيء ان تظل علاقاتها مع ايران قوية. ويرى مراقبون ان التدخل الايراني لا يخلو من مخاطر ومجازفات. فقد قتل زهاء نصف مليون عراقي خلال الحرب العراقية الايرانية التي استمرت من عام 1980 حتى عام 1988، اذ ان العداء لا يزال موجودا والجراح لم تندمل كلها بعد. وعندما يتحدث المواطن العراقي العادي حول التفجيرات والاغتيالات في العراق، فإن المسؤولية توجه الى عملاء ايران بعد توجيه اصابع الاتهام الى الولاياتالمتحدة واسرائيل. \r\n وتنفي الاحزاب العراقية الشيعية التي كانت منفية في ايران خلال فترة حكم الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، وعلى وجه الخصوص حزب الدعوة والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، ان تكون لها الآن علاقات مباشرة مع الحكومة طهران، رغم الدعم المالي السخي الذي كانت تقدمه لهم الحكومة الايرانية، إلا ان مسؤولين في واشنطن يقولون عكس ذلك. وقال مسؤول عسكري اميركي بارز في رسالة بريد إلكتروني ان الجيش الاميركي لاحظ «وجود كميات كبيرة من العملات الايرانية التي وصلت الى المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، وهو التنظيم الذي تأسس عام 1982 بواسطة رجل دين عراقي في المنفى الايراني. من جانبه، أكد همام بكر حمودي، وهو واحد من مسؤولي المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، ان لا علاقة للمجلس بإيران وان للحكومة الايرانية مواقف ووجهات نظر مختلفة. وأضاف قائلا ان المجلس تسلم اموالا من عدة مصادر جهات في دول شرق اوسطية، بما في ذلك ايران، وأوضح ان التبرعات التي يتسلمها المجلس تأتي في الغالب من افراد وليس حكومات، مؤكدا ان الاموال تصل الى المجلس عبر الحدود العراقية الايرانية بسبب عدم توفر وسيلة يعتمد عليها في التحويلات المالية الى العراق. ويقول مسؤول شيعي عراقي بارز مطلع على تطورات الوضع الأمني ان تحويلات مالية تصل من ايران الى عدة احزاب شيعية، بما في ذلك الميليشيات التي يقودها مقتدى الصدر الذي اصبح اكثر شعبية مقارنة بالسابق عقب قيادته تمردا ضد القوات الاميركية. وكان الجيش الاميركي، الذي يسعى الى تفادي الدخول في حرب شوارع في النجف، المدينة المقدسة لدى الشيعة، قد تراجع عن وعوده بقتل او اعتقال مقتدى الصدر. جدير بالذكر ان جنودا اميركيين صادروا كميات كبيرة من العملة الايرانية خلال اعتقال مساعدين لمقتدى الصدر، غير انه لم يتضح بعد ما اذا كان ذلك يشير الى تدخل مباشر للحكومة الايرانية في التمرد المذكور. ففي شهر مايو، عندما تصاعدت المعارك ضد القوات الاميركية في الكوفة، اذاع المسجد الرئيسي هناك، وهو من معاقل الصدر، نداءات للتبرع بالدماء بالعربية والفارسية. وفي ذلك الوقت لم تكن المدينة خالية من الزوار الايرانيبن، مما اثار الشكوك الى انضمام مقاتلين ايرانيين الى ميليشيات الصدر. \r\n وذكر واحد من سكان الكوفة في مقابلة خلال التمرد انه فتح باب بيته في يوم من الايام ووجد رجلين من الميليشيات يتحدثان الفارسية يعدان موقعا لقذائف الهاون. \r\n وكان الصدر صريحا بخصوص تحالفه مع آية الله الخميني. ففي الشهر الماضي، قال واحد من مساعدي الصدر في خطبة في مسجد بالكوفة ان الصدر «يتعهد لله وللدول الاسلامية» بأنه «سيستمر في السير على خطى الخميني. ما بقي على قيد الحياة». وواحدة من اكثر وحدات الصدر تشددا تطلق على نفسها اسم الخميني. \r\n ويرجع ارتباط الصدر بآية الله الخميني من علاقات اسرية طويلة عبر الحدود وتاريخ العداوة في ظل صدام حسين. \r\n ولا يزال مرجعه آية الله كاظم الحائري يعيش في مدينة قم. ويعترف مركزا كل من رجلي الدين في النجف ان الصدر يعمل كممثل للحائري في العراق وان هناك معاملات مالية كبيرة بينهما. \r\n وكان عمه الراحل محمد باقر الصدر واحدا من اكثر المفكرين الشيعة احتراما في القرن الماضي، صديقا لآية الله الخميني ولعب دورا ناشطا في السياسة العراقية عن طريق معارضة حزب البعث الحاكم. وقد قتله صدام حسين في الثمانينات. \r\n كما امر صدام ايضا بقتل محمد صادق الصدر والد مقتدى، الذي رشح الحائري قبل وفاته عام 1999 ليتولى مرجع التقليد. وقد نظم مكتب آية الله الحائري في قم تبرعات لمقتدى الصدر وللميليشيا التي يقودها «جيش المهدي». \r\n * خدمة «نيويورك تايمز» وبالرغم من الاشارات والتلميحات على التأييد الايراني للصدر، فإن مجموعة من الشخصيات الايرانية تشعر بالقلق عندما قاد انصاره في تمرد علني، مع احتمال نشر الزعزعة وعدم الاستقرار في العراق. وفي اواخر شهر ابريل (نيسان) الماضي، في الوقت الذي كان فيه الصدر يحث الميليشيات على شن هجمات على الاميركيين، اصدر آية الله حائري بيانا اعلن فيه عدم تأييده لتصرفاته. \r\n وفي منتصف شهر ابريل، بعثت ايران ممثلين الى النجف فيما وصفته بأنه محاولة للتفاوض لإنهاء تمرد الصدر، ربما لأن القتال يعرقل خطة الاميركيين لتسليم السلطة الى الاحزاب الشيعية. واغتيل دبلوماسي ايراني في بغداد آنذاك، واشار مسؤولون اميركيون كبار الى انهم لا يريدون تدخل ايران في شؤون العراق. \r\n وقالت ايران ان «سياسة اليد الحديدية» الاميركية ادت الى فشل مهمة الوفد. وخلال خطبة في مرقد الإمام علي في النجف، انتقد صدر الدين القبانجي وهو واحد من قادة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية الحكومة الايرانية لعدم سيطرتها على الصدر المتقلب. \r\n تجدر الاشارة الى ان اقوى رجل دين في العراق اليوم هو آية الله السيستاني وهو ايراني في الثالثة والسبعين من عمره انتقل الى النجف في العشرينات من عمره. وفي التسعينات، بدأت منظمته في تقديم تبرعات مالية كبيرة الى رجال الدين في ايران، وهو الامر الذي قربه من رجال الدين في ايران. \r\n الا ان علاقة آية الله السيستاني مع رجال الدين الايرانيين ليست بالضرورة علاقة التبعية او حتى التحالف الايديولوجي. وتجدر الاشارة الى ان الاموال تتدفق عبر الجهتين، وذكر المساعدون ان السيستاني يتلقى تبرعات من مكتبه في قم. وكان ابو القاسم الخوئي في النجف هو الأب الروحي للسيستاني من مؤيدي المدرسة «الهادئة» في المذهب الشيعي، التي تنادي بضرورة انسحاب كبار رجال الدين من المشاركة المباشرة في السياسة - وهي وجهة نظر تتعارض مع وجهة نظر الخميني. \r\n واشار المقربون من آية الله السيستاني انه ينوى تحويل النجف الى مركز شيعي لمنافسة قم، التي تدعم موقفها في الثمانينات مع تدفق رجال الدين الشيعة الهاربين من النجف خلال حكم صدام حسين. ويمكن ملاحظة تأثير ايران حتى فيما وراء علاقاتها المباشرة برجال الدين في العراق، والمناسبات الدينية والجنوب الشيعي. \r\n فهناك شكوك في وجود علاقات قوية بين ايران واحمد الجلبي، المنفي السابق والسياسي الذي كان يحظى بدعم من البنتاغون. \r\n وكان مكتب المباحث الفيدرالي قد فتح تحقيقا في اتهامات من المسؤولين في الاستخبارات بأن الجلبي ابلغ المسؤولين الايرانيين ان الاميركين اكتشفوا سر الشفرة التي تستخدمها ايران، وهي التهمة التي نفاها الجلبي. \r\n وفي شمال العراق ذكر الجنرال جون باتيستا قائد فرقة المدفعية الاولى انه «من المؤكد وجود نشاط ايراني منذ وصولنا هنا». ورفض الجنرال تقديم اية تفاصيل. واشار مسؤول عسكري اميركي آخر ان رجال الاستخبارات الايرانية كانوا يعملون في منطقة قيادة الفرقة التي تقع على الحدود مع ايران. \r\n وفي شهر فبراير (شباط)، وقبل تدفق الزوار الدينيين من ايران على العراق بمناسبة الاحتفال بذكرى عاشوراء، ذكر مسؤولون عسكريون اميركيون انهم يراقبون رجال الاستخبارات الايرانية الذين يعملون في وسط بغداد. \r\n واوضح المسؤول العسكري «ايران هي القوى الاقليمية. وهم يحاولون اعداد المسرح لاستيلاء الشيعة على السلطة». \r\n