الذهب يتراجع 50 جنيها وعيار 21 يسجل 4650    جهاز تنمية المشروعات: قدمنا 57.5 مليار جنيه تمويلات للمشروعات خلال 11 عاما    وزير الكهرباء والطاقة المتجددة يبحث مع رئيس هيئة الطاقة الصينية سبل دعم وتعزيز التعاون والشراكة وزيادة الاستثمارات الصينية    الجيش الإسرائيلي يستهدف مواقع لحزب الله بصواريخ ارتجاجية    المجر: انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبى والناتو يضع الكتلتين فى حالة حرب مع روسيا    ترتيب هدافي كأس العالم للأندية بعد دور المجموعات.. وسام أبوعلي في المقدمة    بالأسماء.. 19 وفاة في حادث تصادم الطريق الإقليمي.. ومعظم الجثامين مجهولة الهوية    مصدر أمني يوضح حقيقة تكوين تشكيل عصابي لتجارة المخدرات بمنطقة الحضرة بالإسكندرية    المعمل الجنائي.. ماس كهربائي وراء حريق شقة سكنية بفيصل    العثور على جثة عامل داخل منزله فى قنا    بعد الإعدادية.. كيف تلتحق بمدرسة الإنتاج الحربي للتكنولوجيا التطبيقية؟ (في 12 تخصص)    أيمن بهجت قمر يعلن دخول ريستارت قائمة أعلى 10 أفلام في تاريخ ايرادات السينما المصرية    اليوم.. عرض ملحمة السراب بقصر روض الفرج ضمن مهرجان فرق الأقاليم المسرحية    نيللي كريم عن «هابي بيرث داي»: فكرته لمست قلبي والسيناريو عميق    أسماء أبو اليزيد بعد مسلسل فات الميعاد: لو رأيت رجلا يعتدي على زوجته سأتمنى أن أضربه    فضل شهر الله المحرّم.. بداية عامك بالأجر والمغفرة| فيديو    إنجاز بحثي مصري يُحدث طفرة في فهم أمراض الركود الصفراوي الوراثية لدى الأطفال"    بيع 10 محال تجارية وصيدلية فى مزاد علنى وحملة على المخالفات بمدينة بدر    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة نفيسة    حصيلة الانزلاق الأرضي في كولومبيا ترتفع إلى 16 قتيلا    مصرية من أوائل الثانوية العامة بالكويت ل«المصري اليوم»: أهم حاجة الثقة في ترتيبات ربنا    ضبط 352 قضية مخدرات و85259 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    مقررة أممية: الحديث عن وجود "حق بالصحة" بقطاع غزة بات مستحيلا    هجوم أوكرانى بطائرة مسيرة على موظفى محطة زابوروجيه النووية    مستوطنون يعتدون على منازل جنوب الخليل.. وإصابة فلسطينية في مسافر يطا    «التعليم العالي» تصدر تقريرا حول تصنيفات الجامعات المصرية خلال 11 عامًا (التفاصيل)    مروة عبدالمنعم تكشف عن إصابتها ب «فوبيا».. والجمهور: «مش لوحدك»    صداع مؤجل    النواب يوافق على اعتماد إضافي للموازنة ب 85 مليار جنيه (تفاصيل)    هل يجوز صوم يوم عاشوراء منفردًا إذا وافق يوم السبت؟. أمين الفتوى يكشف    سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه بداية تعاملات اليوم 27 يونيو 2025    طب عين شمس: توزيع المهام.. وإدارة غرف العمليات باتت جزءًا من تقييم الأطباء    توقيع الكشف على 872 مواطناً في قافلة طبية بشمال سيناء    نقابة المهندسين: تطوير شامل لمصيف المعمورة يشمل الوحدات والمرافق والأنشطة    ماكرون: ترامب عازم على التوصل لوقف إطلاق نار جديد في غزة    جامعة عين شمس تنشئ وحدة داخلية لمتابعة ودعم جائزة مصر للتميز الحكومي    وسام أبو علي يقترب من الرحيل عن الأهلي مقابل عرض ضخم    محمد شريف ينتظر 48 ساعة لحسم مصيره مع الأهلى.. والزمالك يترقب موقفه    البصل ب7 جنيه... أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ اليوم    سعر الحديد اليوم الجمعة 27 يونيو 2025    حملة قومية للتبرع بالدم بجميع محافظات الجمهورية تحت شعار تبرعك بالدم حياة    مرموش ضد بونو مجددًا.. مواجهة مرتقبة في مونديال الأندية    مصرع وإصابة 16 شخصا فى حادث مروع بالمنوفية    كريم محمود عبدالعزيز يتصدر تريند جوجل بسبب مملكة الحرير    ياسر ريان: طريقة لعب ريبيرو لا تناسب أفشة.. وكريم الديبس يحتاج إلى فرصة    "ياحراق اللجان".. شقيق رامي ربيعة يثير الجدل بهذا المنشور بعد خروج العين من المونديال    "لازم واحد يمشي".. رضا عبدالعال يوجّه طلب خاص لإدارة الأهلى بشأن زيزو وتريزيجيه    يكسر رقم أبو تريكة.. سالم الدوسري هداف العرب في تاريخ كأس العالم للأندية (فيديو)    قمة الاتحاد الأوروبي تفشل في إقرار الحزمة ال18 من العقوبات ضد روسيا    ملف يلا كورة.. جلسة الخطيب وريبييرو.. فوز مرموش وربيعة.. وتجديد عقد رونالدو    الورداني: النبي لم يهاجر هروبًا بل خرج لحماية قومه وحفظ السلم المجتمعي    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 9 مساجد في 8 محافظات    الإيجار القديم والتصرف في أملاك الدولة، جدول أعمال مجلس النواب الأسبوع المقبل    بحضور مي فاروق وزوجها.. مصطفى قمر يتألق في حفلة الهرم بأجمل أغنياته    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    طريقة عمل كفتة الأرز في المنزل بمكونات بسيطة    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    حسام الغمري: الإخوان خططوا للتضحية ب50 ألف في رابعة للبقاء في السلطة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا عجز الأميركيون عن فهم العراق ؟، أفكار معظم الأميركيين لم تتجاوز صدام إلى م
نشر في التغيير يوم 15 - 03 - 2005

فإلى جانب دعاة السلام ومناهضي الحرب في أميركا وغيرها يحدثنا الكتاب عن أميركي خاض حرب فيتنام، وذاق مراراتها وعانى كثيرا بعد انتهائها وعودته إلى بلاده. وهذا المحارب القديم أميركي من أصل ايرلندي اسمه باتريك ديلون جاء إلى بغداد على نفقته الخاصة حاملا آلة تصوير صغيرة ليقوم بانجاز فيلم وثائقي.
\r\n
\r\n
\r\n
ولكن الأهم من ذلك ما يحكيه المؤلف على لسان باتريك ديلون الذي تعرف عليه في فندق الفنار الذي ينزلان فيه، إذ يقول له إنه عندما كان شابا خدم كجندي أميركي في حرب فيتنام، وإن تلك التجربة حفرت في نفسه طوال حياته، واعترف للمؤلف بأنه ظل مهووسا بذكريات الحرب والقتل المزعجة منذ ذلك الوقت.
\r\n
\r\n
\r\n
وقال باتريك : لقد مت في فيتنام.. قتلت هناك وعدت إلى الوطن وفي أعماقي ثلاثة ملايين جثة ميتة، وقد قضيت السنوات الخمس والعشرين الأخيرة وأنا أحاول إعادة إيقاد الشعلة... شعلة الحب والبراءة وكل الأفكار الرائعة التي تحملها نفس سوية.
\r\n
\r\n
\r\n
أما عن زيارته للعراق فيقول باتريك: «جئت إلى هنا لأحاول تهذيب نفسي وقهر إدماني للحرب الذي حقن في دمائي كما تحقن المخدرات ».
\r\n
\r\n
\r\n
ومنذ فيتنام قضي باتريك ديلون بعض الوقت في إيرلندا الشمالية والصومال وكوسوفو باعتباره صانع أفلام مرة أو عاملا في مجال الاغاثة مرة أخرى.
\r\n
\r\n
\r\n
قلب الظلام
\r\n
\r\n
\r\n
في بغداد كان يحمل معه نسخة من رواية جوزيف كونراد «قلب الظلام» وذكر لجون أندرسون أنه ظل يقرؤها عدة مرات، وقرأ له الفقرة التي استقى منها كونراد عنوان روايته. وتقول تلك الفقرة: امتدت الجداول أمامنا، وأغلقت وراءنا، وكأن الغابة خطت على مهل عبر المياه لتسد علينا طريق العودة، وأخذنا نخترق طريقنا أعمق فأعمق إلى قلب الظلام».
\r\n
\r\n
\r\n
قد فات على مؤلف الكتاب الذي نعرضه تعريف قرائه بتلك الرواية ، وربما افترض أن الجميع يعرفونها. وقد نشر جوزيف كونراد روايته تلك عام 1902 وتناول فيها تجربته في الكونغو وفضح المآسي التي عانتها شعوب أفريقيا على أيدي المستعمرين الأوروبيين.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت الكونغو آنذاك ترزح تحت نير الاستعمار البلجيكي . وبعد انتهاك باتريك من القراءة التفت إلى جون أندرسون قائلا :« ألا تنطبق علينا تلك الفقرة من قلب الظلام» ؟.. هذا هو ما نحن فيه هنا .. والآن على وجه التحديد في بغداد » ثم وعده بإعطائه الكتاب بمجرد الانتهاء من قراءته.
\r\n
\r\n
\r\n
وخلال الأسابيع القليلة الأولى من شهر مارس ، وبينما كان بوش وبلير يناوران بضراوة للحصول على قرار جديد من مجلس الأمن الدولي لصالح شن الحرب في مواجهة معارضة شديدة من فرنسا وألمانيا وروسيا، بدأ كل شخص يعرفه أندرسون يتبضع تحسبا للطوارئ ويشتري كميات من الأغذية وزجاجات المياه.
\r\n
\r\n
\r\n
واشترى المقتدرون مولدات للكهرباء ووقوداً أيضا. وقام سباق محموم بين الصحافييين في فندق الرشيد لاستئجار غرف في فنادق أخرى كبديل احتياطي إذ انتشر اعتقاد كبير مفاده أن فندق الرشيد إما أن يصبح هدفا للغارات الجوية الأميركية، أو أن يعاني الحصار في خضم معركة ضارية للاستيلاء على بغداد عندما يحين أوانها. وكان السبب في ذلك السباق نابعا من المواقع الاستراتيجية للفنادق المملوكة للدولة والتي تقع في وسط العديد من الوزارات الحكومية.
\r\n
\r\n
\r\n
وتقترب كثيرا من محيط مجمع القصر الجمهوري. كذلك كان هناك اعتقاد يكاد يكون جازما بأن لدى صدام حسين شبكة انفاق سرية تمر تحت المدينة وترتبط بفندق الرشيد، وأنه كان قد استخدم الملجأ التابع للفندق تحت الأرض أثناء حرب الخليج كمركز قيادة. ولهذه الأسباب افترض الجميع أن الأميركيين. ربما وضعوا الفندق على رأس أولويات أهدافها التي تحتويها قائمة المباني المستهدفة في العاصمة العراقية.
\r\n
\r\n
\r\n
وتوقع كثير من الناس أن يصبح الجزء الغربي من المدينة، حيث يقع الفندق، محاصرا وأن تنقطع صلته بالجانب الشرقي بمجرد أن تبدأ الحرب فيتحول إلى جزيرة معزولة، خاصة إذا دمرت الجسور فوق نهر دجلة. ولهذا فمن الحكمة حجز غرف في فنادق مختلفة في أنحاء المدينة لمواجهة أي طارئ.
\r\n
\r\n
\r\n
وبدأت وسائل إعلام كثيرة في اقتناص غرف في فندق شيراتون وفي فندق فلسطين الذي حجزت فيه شبكة «سي. إن. إن» عددا من الطوابق العليا المطلة على قصور صدام حسين على الضفة الأخرى من نهر دجلة مما يتيح رؤية غير محددة للمنطقة التي يتوقع أن تكون أول أهداف القصف. وعندما اشتد السباق على حجز غرف الفنادق ، قرر مؤلف الكتاب أن يجوب بغداد بحثا عن غرف خالية، ورافقه في هذا بول ماك الإيرلندي - الاسترالي والكاتب الصحافي العالمي في صحيفة «سيدني مورنينغ هيرالد ».
\r\n
\r\n
\r\n
وكان قد قام بتغطية حرب الخليج عام 1991 ثم عاد إلى العراق عدة مرات ويصفه المؤلف بأنه مراسل مغامر موهوب لا تخطئ عيناه أية قصة إخبارية جيدة . وقد قضى صيف عام 2001 متنقلا على نفقته الخاصة في أنحاء أفغانستان أيام حكم طالبان ، وكان في نيويورك سيتي يوم 11 سبتمبر، وبعد نحو أسبوعين توجه مرة أخرى إلى أفغانستان ليغطي الحرب ضد طالبان. ولما وصل إلى بغداد كان واضحا أنه أعد نفسه لكل الاحتمالات .
\r\n
\r\n
\r\n
فبالإضافة إلى السترة الواقية من رصاص ، والخوذة ، والسترة الواقية من الحرب الكيميائية - البيولوجية، جلب معه أيضا صندوق أدوية وعدة مصابيح كهربائية محمولة على الرأس، وكذلك ما يسمى «عدة الجمل» وهي عبارة عن حاوية ماء ذات أنبوب للشرب منها، وعدة صناديق كبيرة من الكربون ملأها بالوجبات الجاهزة التي اشتراها من الشركة نفسها التي توردها للقوات الأميركية.
\r\n
\r\n
\r\n
وأسر بول لمؤلف الكتاب بأنه جاء معه برقم فلكي من الأموال مقداره أربعون ألف دولار نقدا، واحتفظ بها في أجزاء مختلفة من جسمه. وعندما لاحظ بول دهشة زميله قال له إنه يعتقد من واقع خبرته الماضية أن المال هو المفتاح الحقيقي للبقاء على قيد الحياة في الحرب . وكان جون أندرسون قد حمل معه خمسة عشر ألف دولار اعتبرها كمية مبالغا فيها جدا آنذاك ولكن نصفها تبخر بعد مرور أسبوعين في بغداد.
\r\n
\r\n
\r\n
وبعد بحث مضن قرر أندرسون استئجار غرفة في مواجهة النهر في فندق قديم مفضل لديه وتديره عائلة عراقية ، وهو فندق السفير في شارع «أبو نواس» على بعد نحو نصف ميل من فندق الفنار حيث يقيم باتريك ديلون. وفي الوقت نفسه تمكن بول من حجز جناح من غرفتين بفندق الحمراء بمنطقة الجادرية السكنية الهادئة، وبذلك أصبح لديهما مكانان في وقت واحد في حالة حدوث أي طارئ لأحدهما، وانطلقا يشتريان مخزوناً من المواد الغذائية والماء في كل منهما إلى جانب ما وضعاه في فندق الرشيد. وبدأ عدد الصحافيين الآتين إلى بغداد يتقلص.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان بعض المراسلين قد عجزوا عن الحصول على تأشيرة صحفية لأسباب مختلفة فأقبلوا إلى بغداد تحت غطاء كاذب باعتبارهم من الدروع البشرية. وكان من بينهم صديقان لجون أندرسون مؤلف الكتاب وهما مايثو ماك أليستر المراسل الاسكتلندي لصحيفة «نيو داي» ومصوره الفلسطيني - البيروفي - الاسباني واسمه موسى سمعان ، وكانا يحاولان عدم الظهور كثيرا في إنتظار اندلاع الحرب ، كذلك ابتعدا عن الدروع البشرية الأخرى وعن فندق الرشيد بكل ما فيه من مراقبين وجواسيس .
\r\n
\r\n
\r\n
وكان هناك أيضا اثنان آخران هما سايره شاه ومصورها جيمس ميللر، اللذان سبق أن أنتجا فيلماً وثائقيا عن أفغانستان بعنوان «تحت الحجاب» نال إحدى الجوائز السينمائية، ولكنهما بعد وصولهما إلى بغداد قررا مغادرة العراق وقالا إنهما ينويان السفر إلى قطاع غزة لإنتاج فيلم عن أطفال الانتفاضة الفلسطينية.وبعد شهرين حملت الانباء خبر وفاة جيمس ميللر المأساوية بعد أن أطلق عليه جندي إسرائيلي النار فأرداه قتيلا ، وكان واضحا أن هذا الجندي تعمد قتله.
\r\n
\r\n
\r\n
كلام في الحرب
\r\n
\r\n
\r\n
يصف المؤلف حالة التوتر والقلق والترقب التي سادت بين المراسلين الأجانب الذين جمعهم لقاء في جناح الصحافيين مايثو وموسى في الطابق العاشر بفندق الحمراء . وكانت في ذلك الجناح شرفه كبيرة توفر منظرا بانوراميا للمدينة وكثيراً من القصور الضخمة والمباني الحكومية التي افترض الجميع أنها ستكون الهدف الأكبر للقصف المتوقع.
\r\n
\r\n
\r\n
ويقول المؤلف : «كان لقاؤنا معا في تلك الليلة ممتعا وغريبا في آن واحد، وهيمن عليه نوع من المرح الاسود، والحديث عن خطط الهروب في الحالات الطارئة، ومقارنة جودة ستراتنا الواقية من الحرب الكيمائية - البيولوجية. وعلى الرغم من أننا كنا ننوي قضاء أمسية جيدة معا، إلا أن الحقيقة الراهنة لوجودنا هي أننا جئنا إلى بغداد لنشاهد حربا، وأن تلك الحرب وشيكه الوقوع، ولكن ما من أحد منا يعلم بالضبط ما يمكن أن يحدث. وقد توقعنا جميعا حمامات دم في بغداد.
\r\n
\r\n
\r\n
وبينما كنا نلقي نظرة على المدينة عبر سماء سادها ظلام الليل أخذنا نتساءل بلا إنقطاع عن الجزء الذي قد يكون أكثر أمانا في المدينة عندما يحين الوقت. وخيم على جو اللقاء توتر مخيف مثل ذلك الذي ينتاب شخصا يصعد إلى أعلى صاري سفينة مرتفع ليلقي نظره على بحر هادئ قبيل هبوب العاصفة.
\r\n
\r\n
\r\n
وأصبحنا جميعا مدركين جيدا إلى أي حد نحن معرضون للخطر في بغداد ونحن واقعون تحت رقابة حكومية محكمة ونقيم في عدد قليل من الفنادق. وكان في إمكان عدد قليل جدا من بيننا الاعتماد على الاختباء في منازل بعض معارفهم من العراقيين الذين سيعرضون أنفسهم لمخاطر الانتقام منهم ، غير أن معظمنا استبعد هذا الخيار، وخشينا من احتمال قيام صدام حسين باعتقالنا كرهائن مثلما فعل مع بعض الغربيين أثناء حرب الخليج».
\r\n
\r\n
\r\n
هكذا كانت مشاعر القلق التي سادت بين الإعلاميين كما يصفها مؤلف الكتاب، وقد تزايدت وطأة هذه المشاعر يوما بعد يوم إذ أصبح واضحا أنه لا سبيل أمامهم لضمان سلامتهم، ومن ثم قرر البعض الإنسحاب، أما جون لي أندرسون فقد كلفت وزارة الإعلام شاباً اسمه خالد ليكون مرافقا له، وكان شخصا متجهما ويضمر شعورا بالبغض إزاء الغربيين، وهو أمر يصفه المؤلف بأنه غير عادي بين كل العراقيين الذين تفيض نفوسهم بالود والدفء.
\r\n
\r\n
\r\n
ولم يشعر أندرسون بالإرتياح حيال مرافقه ولكن لم يكن بيده حيلة واضطر لقبول بعض اقتراحاته بشأن بعض المقابلات التي أشار خالد عليه بإجرائها وفي مقدمتها لقاء مع محمد مظفر النائب عن حزب البعث وعميد كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد، وهو رجل في أواخر الخمسينات من العمر .
\r\n
\r\n
\r\n
وفي الجامعة قادهما أحد الحراس إلى مكتبه الذي علقت على حوائطه عدة صور لصدام حسين . وعندما سأله أندرسون عن رأيه في الحرب الأميركية الوشيكة على العراق أجاب قائلاً: «أعتقد أن الموقف السياسي ضد خطط الحرب الأميركية: أعرف أن في إستطاعتهم المجئ إلى هنا وتدمير بعض قواعد حياتنا وإحتلال بعض مدننا ، ولكن سيكون صعبا عليهم الاستمرار في ذلك. لقد قصفونا ثلاثة وأربعين يوما عام 1991 وعندما رأوا الحرس الجمهوري طالبوا بوقف إطلاق النار. وفي عام 1998 قصفونا لمدة خمسة أيام ولكن لم يتحرك أحد ضد الحكومة على عكس ما كان الأميركيون يعتمدون عليه».
\r\n
\r\n
\r\n
ومضى محمد مظفر قائلا «كان البريطانيون يستخدمون اللغة نفسها هنا في عام 1920 كما يفعل الأميركيون اليوم ، وكان البريطانيون يقولون إنهم جاؤوا لإنقاذنا من العثمانيين، وكان ذلك سببا في اندلاع ثورة ضدهم وهزموا في نهاية الأمر واضطروا إلى منح العراق استقلاله».
\r\n
\r\n
\r\n
وأضاف في ختام إجابته: «يا مستر أندرسون.. العراقيون يحبون الأجانب، ولكنهم لا يريدونهم أن يحكموهم. ولست أدرى ما الذي سيحدث، ولكن الأميركيين سيخسرون على المدى الطويل، ففي نهاية الأمر يتوحد العراقيون دائما في وجه العدوان الأجنبي». ويشير أندرسون إلى أن محمد مظفر استمر بعض الوقت في سرد وجهة نظره التي ترى أن الأميركيين يسعون في المقام الأول إلى السيطرة على نفط العراق كجزء من محاولة شاملة للسيطرة على الكون، وأن الإسرائيليين هم العقل المدبر وراء هذه الخطة التي تشمل أيضا طرد الفلسطينيين من المناطق التي تحتلها إسرائيل.
\r\n
\r\n
\r\n
وأضاف: «بالسيطرة على نفط العراق سيسيطر الأميركيون على العالم كله بما في ذلك أوروبا واليابان اللتين تعتمدان على النفط العراقي اعتمادا كبيرا. وباحتلال العراق ستربطه أميركا بالمنطقة التي سبق أن احتلتها في أفغانستان». وبدأ محمد مظفر واثقا من مصير العراق في الحرب المقبلة وهو يقول لأندرسون: «العراقيون يعيشون سلفا حالة حرب وهم يعرفون ماذا تعني. أما بالنسبة للموت فأنت تعرف أننا مسلمون نؤمن بأن هناك ميعادا للموت قدره الله ولا يستطيع الإنسان تغييره. وأعتقد أننا مستعدون للحرب في المدن، وكذلك نظام القبائل في الريف ولا يريد الأميركيون خسارة جنودهم ولا قتال المدن.
\r\n
\r\n
\r\n
وقد ضاعفت الحكومة كميات المواد الغذائية ولدينا الماء، ولذا فنحن جاهزون لمواجهة الحصار. ولست أعتقد أنها ستكون حربا قصيرة بل هي حرب طويلة. وفي مقدور الأميركيين شن الغارات علينا ولكنهم في النهاية لابد أن يحتلوا الأرض، وكما قلت لك لن يكون ذلك سهلاً».
\r\n
\r\n
\r\n
ويذكر المؤلف أنه حاول استفزازه بإبداء ملاحظات حول ما قيل إن هذه الحرب سوف تكون مختلفة عما سبقها، وحول ما ساد في واشنطن من أنباء تفيد أن العراق سيتعرض للقصف بالألوف من صواريخ كروز في حملة سميت «الصدمة والرعب»، وعندما سأله أندرسون: «ألا يقلقك هذا»؟ سخر محمد مظفر من ذلك وشعر أندرسون أنه يستخف بالأمر إذ يقول الرجل: «صواريخ كروز؟.. ما هي؟
\r\n
\r\n
\r\n
نحن نعرف هذه الصواريخ ولا نخشاها» وضحك طويلا ثم قال: «في 1991 كان لأميركا ما يزيد على نصف مليون جندي في المنطقة، والآن لديهم مئة وخمسون ألفا فقط.. فهل تعتقد أنهم سيحتلون العراق حقاً؟ أنا أعرف صدام حسين معرفة وثيقة جدا وأعلم أنه سوف يقاتل حتى اللحظة الأخيرة من الحرب، وأنا أيضا مستعد للموت لأنني لست على استعداد لقبول المحتلين الأميركيين في بلادي».
\r\n
\r\n
\r\n
ولعل المؤلف أطال الحديث عن هذا اللقاء لكي ينقل للقارئ ما يسميه الانعكاس الصادق للعقلية التي كانت سائدة بين كبار أتباع صدام حسين إذ ينسب المؤلف إلى محمد مظفر إدعاءه في نهاية اللقاء أن نظام الحكم ديمقراطي بقوله: «العراق دولة ديمقراطية ولدينا برلمان لمندوبين من جميع المدن والقرى. ويوجد لدينا إنترنت.. هذه بلاد حرة ويستطيع الناس التعبير عن آرائهم. أما بالنسبة للنظام الرئاسي الفردي الذي لدينا فإن هذا تقليد عربي كما في مصر واليمن وسوريا والأردن.. ما الفرق بين سوريا والعراق، وبين الأردن والعراق ؟.. ولماذا تعتبرون العراق وحده دولة ديكتاتورية؟».
\r\n
\r\n
\r\n
ويعقب جون أندرسون على لقائه مع محمد مظفر بقوله إنه كان من الصعب وجود أي شخص في بغداد يحيد عن هذا الخط فيما عدا حالتين استثنائيتين، إذ كان هناك واحد من العراقيين القلائل جدا الذين تجاسروا على مناقشة سياسة صدام حسين وظلوا على قيد الحياة، وهذا الشخص هو وميض عمر نظمي أحد أساتذة العلوم السياسية البارزين والمحاضر في جامعة بغداد وهو ينتسب إلى عائلة عراقية عريقة في بغداد ويقطن في بيت كبير على ضفاف دجلة بالقرب من الأعظمية.
\r\n
\r\n
\r\n
ويعتبر من أعضاء حزب البعث القدامى القلائل الذين بقوا على قيد الحياة قبل أن يستولى صدام على الحزب ويجري عليه عملية تطهير ويحوله إلى أداة سياسية تخدم ديكتاتوريته الشخصية. وقد ظل وميض مقيما في العراق على أمل أن يحدث صدام انفتاحا سياسيا في الحزب، كما أن فكره ظل متشبثا بذكرى الأيام التي كان فيها الانتماء إلى الحزب يعني أن يكون العضو قوميا عربيا معاديا للاستعمار ومصلحا علمانيا تقدميا يعيش في منطقة متخلفة تخلصت من الحكم الاستعماري ولكنها ظلت مع ذلك تحت النفوذ البريطاني.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان جون أندرسون قد سبق له أن قابل وميض عدة مرات في السنوات الماضية ووجده إنسانا متزنا ومثقفاً تواقاً إلى المعرفة، ودائماً يسأله عن إصدارات لكتب غربية قرأ عنها، ولكنه لم يحصل عليها بعد، ولذلك اعتاد أندرسون أن يحضر له أحدث ما صدر من المجلات الأميركية والبريطانية التي تحتوي على مقالات عن الشرق الأوسط.
\r\n
\r\n
\r\n
وقد قام بأول زيارة له في صيف عام 2000 عند الغروب، وجلس الاثنان في شرفة مطلة على النهر يلفهما الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وقد غطت أعواد القصب الكثيفة ضفتي النهر وتردد في الأفق صوت مؤذن يدعو إلى الصلاة، بينما كانت تهب بسمات خفيفة من وقت لآخر. وقد ارتدى وميض دشداشة بيضاء وذكر لضيفه أنه يقضي معظم أمسيات الصيف على تلك الشرفة.
\r\n
\r\n
\r\n
بل ينام فيها لأنها أبرد مكان في البيت. وقد حصل وميض على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة سانت أندروز في انجلترا، ووصف نفسه لضيفه بأنه واحد من العراقيين القلائل الذين حصلوا على مستوى التعليم هذا والذين قرروا البقاء في العراق بعد حرب الخليج، واعترف بأن ذلك لم يكن بالقرار السهل إذ واجهوا كثيرا من المشاق ومعظمها اقتصادي. ولكنه أشار إلى النهر قائلا: «ولكنني أنتمي إلى هنا.. إلى دجلة»، وعندئذ أخذ يتحدث عن سوء العلاقات الذي طال بين العراق والولايات المتحدة قائلا: «أعتقد أن غزو العراق للكويت كان خطأ فادحا، وقد قلت ذلك صراحة من قبل».
\r\n
\r\n
\r\n
وتذكر الدكتور وميض الأيام السابقة على حرب الخليج عندما كانت القوات العراقية لا تزال تحتل الكويت والأزمة محتدمة، في ذلك الوقت دعي للتحدث أمام مجلس استشاري رئاسي، وطلب منه مستشارو صدام إبداء رأيه في الموقف، فقال لهم إنه يعتبر الغزو خطأ وإن على القوات العراقية الانسحاب من الكويت في أسرع وقت ممكن.
\r\n
\r\n
\r\n
وذكر أنه قال لهم آنذاك: «اليوم أفضل من الغد، والغد أفضل من اليوم الذي يليه»، وسارع وميض إلى تأكيد أنه لم يتعرض لأي عقاب عن إفصاحه عما يفكر فيه ولم تتخذ ضده أية إجراءات منذ ذلك الوقت، فسأله المؤلف عن سبب ذلك في رأيه فأجاب بأنهم يعلمون أنه رجل أكاديمي وأنه يتمتع بفكر ناقد ولكنه ليس متآمراً سياسياً، كما أن حقيقة بقائه في العراق تعني أن لديه بعض مشاعر الولاء والوطنية.
\r\n
\r\n
\r\n
ويصف أندرسون حديث الدكتور وميض بأنه كان ينتقي كلماته بدقة حين أعرب صدام قبول الإعلان علنا أن غزو الكويت كان «غلطة» ولو أنه فعل ذلك لأمكن إصلاح العلاقة بين العراق والغرب، بل وأكثر من ذلك سوف يقبل الشعب العراقي موقفه ويقدره.
\r\n
\r\n
\r\n
أما الزيارة الأخيرة التي قام بها جون أندرسون للدكتور وميض نظمي فقد كانت في أواخر فبراير وطبول الحرب تدق في أرجاء العالم. ورمق وميض المرافق الذي عينته وزارة الإعلام العراقية بنظرة أوحت للمؤلف بأنه غير مرتاح لوجوده، ولذلك فقد تحاشى في حديثه الإجابة على التساؤل المطروح عمن سيكون الرابح في الحرب، ولكنه على الرغم من ذلك ترك انطباعا بأنه يتوقع إسقاط صدام حسين.
\r\n
\r\n
\r\n
وذكر أن ما يقلقه هو ما قد يحدث بعد الحرب وأنه يتوقع حدوث انقسامات اجتماعية خطيرة بين الجماعات الاثنية العديدة في العراق قد تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية وانتشار الإرهاب، كذلك أعرب عن خشيته من ترسخ الأصولية الإسلامية وانتشارها في البلاد. وقال الدكتور وميض: «لا أدري لماذا يصر الأميركيون على فرض حكومة عسكرية من جانبهم، ولست أتصور وجود قوات غربية في شوارع بغداد، ولا أتصور كذلك أن هذا سوف يحظى بموافقة الشعب العراقي، وإذا حدث ذلك فسوف نرى مقاومة متنامية في المستقبل ضد هذه القوات». واستشهد الرجل بالتاريخ قائلا: تذكر كيف ثأر العراقيون ضد البريطانيين في عام 1920.
\r\n
\r\n
\r\n
لقد تعب الشعب العراقي اليوم وسوف تسمع شكواه من المشاكل الاقتصادية بما يفوق ما يتصل منها بالمشاكل السياسية. والمشكلة الأخرى هي نظرة الشعب إلى الأميركيين والانجليز، وهو يعتبرهم أعداء للعراق لأنهم كانوا قساة عليه. وقد يبدو مقبولا لدى الشعب العراقي أن يكون عهد ما بعد صدام تحت حراسة أصحاب القبعات الزرق من جنود الأمم المتحدة لأمن أميركا أو بريطانيا. ولست أحسد أي جنرال أميركي في مهمته لأنه سوف يمشي فوق حبل رفيع جدا.
\r\n
\r\n
\r\n
أصداء ثورة 1920
\r\n
\r\n
\r\n
ولقد سمع جون لي أندرسون كثيرا ومرارا عن ثورة 1920 العربية ولذلك فهو يقول في كتابه إنه يبدو أنها تهيمن على فكر كل من تحدث إليهم من كبار السن العراقيين، ولكنها لم تحرك فيه شيئا عندما سمع عنها بادئ الأمر على لسان محمد مظفر، غير أن ما لمس وترا لديه هو استشهاد وميض بالمقاومة العراقية للاحتلال البريطاني كنقطة ارتكاز لاستقراء المستقبل القريب. وكانت أسباب قلقه صدى لما سبق أن سمعه في العاصمة الأردنية من ناصر السعدون ومن بعض الشيعية المنفيين في إيران، وقد أجمعوا على اقتناعهم بأن العراقيين لن ينظروا إلى أي احتلال أجنبي لبلادهم بعين العطف.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي رأي المؤلف أن أفكار معظم الأميركيين لم تكن تمتد إلى أبعد من صدام حسين، بل كانوا يعتبرون العراقيين مجرد ضحايا لطغيانه لا حول لها، أو أن بعضهم يشاركونه ويتواطأون معه. أما ماضي العراق قبل صدام فيتصوره الأميركيون عامة من خلال تخيلات هوليوود السينمائية مثل أفلام لورانس العرب، والسندباد البحري، وبرج بابل، ولص بغداد، بما في ذلك من عناصر كثيرة مثل على بابا والحريم والبساط الطائر والراقصات.
\r\n
\r\n
\r\n
ويبرر المؤلف هذا الجهل الأميركي بقوله: «إن هناك سبباً لجهل الأميركيين بتاريخ العراق، فباستثناء المصالح النفطية الأميركية، كان العراق دائما جزءا من مجال النفوذ البريطاني، ولم يكن هناك من سبيل لتاريخ مشترك قبل ظهور صدام حسين.. ولقد اجتذب العراق علماء الآثار والرحالة من ذلك النوع الجسور في العصر الإدواردي من أمثال ولفريد ثيسغر وفرياستارك ولكنهم كانوا أيضا من بريطانيا.
\r\n
\r\n
\r\n
كذلك لم يكن العراق مقصدا سياحيا أميركيا على الإطلاق وألف عدد قليل من المؤرخين والأكاديميين بعض الكتب عن تجارب بريطانيا الاستعمارية في بلاد ما بين النهرين في بدايات القرن العشرين، ولكن لم تعم المعرفة عن تلك الفترة في الولايات المتحدة الأميركية ويتساءل جون أندرسون عما إذا كان مخططو الحرب في واشنطن قد درسوا التاريخ ووضعوا بعض دروسه في حساباتهم، مبدياً تشككه في ذلك.
\r\n
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.