في خطابه الافتتاحي الثاني يقدم بوش سياسة مغايرة تماماً تبدو كثيرة الانكفاء على المصلحة الوطنية الأمريكية بمعناها الضيق وفيه أعلن حربه على اشكال الإرهاب ودعوته لنشر الديمقراطية الأمريكية في العالم كله لما في ذلك من خير لأمن أمريكا وسلامتها !! واللافت ان نبرات خطابه تتوافق مع تلك التي كانت تصدر عن الرئيسين , ودرو ويلسون 1865 - 1924 وجون كيندي 1917 - 1963 وتندرج في تملق مجد التقاليد الأمريكية في الدفاع وتجسيد الحرية . \r\n \r\n وعليه رسخت امريكا - جورج بوش الكثير من التشوهات للحقيقة والقانون دفعت بها إلى الإطاحة بنظام طالبان وصدام حسين لأسباب تبدو في العمق مشكوكا فيها ,ولم يخل خطابه من السذاجة والتهكم حيال ( الشرق الأوسط الكبير ) الذي تنوي امريكا جعله ديمقراطياً . \r\n \r\n غير أن استجابة الشعوب ستكون مغايرة لذلك , أو على الأقل بالنسبة للمثقفين والمنشقين في البلدان الشيوعية سابقا , سيتعرف هؤلاء في هذا الخطاب الى ذات اللهجة التي اتسمت بها خطابات رونالد ريغان حينما أعلن عن الانتصار القادم للديمقراطية وضرورة الترويج لها , أو موجها نداءه الى السيد غورباتشوف أمام جدار برلين : ( السيد غورباتشوف , اهدم هذا الجدار). \r\n \r\n و الحال أيضا مع جورج بوش الأب حينما أعلن عن الهدف في نشوء ( أوروبا واحدة حرة ) هذه الخطابات استقبلت بالارتياب في الغرب , وحمست المنشقين في الشرق وساهمت بالإيحاء لهم بالاعتراف والثقة بأمريكا التي قادتهم ,لسوء الحظ , الى دعم المغامرة العراقية . \r\n \r\n ربما سيتعرف اولئك المنشقون ليس فقط على تأثير ناتان تشارنسكي , المنشق الر وسي الذي أصبح من الصقور الإسرائيليين ,بل أيضا الى قلم مارك بالمر , الكاتب الرئيسي للخطابات الرئاسية الأمريكية في الثمانينات الذي أصدر في عام 2003 كتاباً بعنوان ( اختراق محور الشر الحقيقي ,كيفية تجريد آخر الديكتاتوريين في العالم بحلول عام 2025) \r\n \r\n أمام ضخامة هذا المشروع !! لنتذكر ان مارك بالمر كان ديبلوماسيا امريكيا شديد الفعالية وبصفته سفيرا في بودابست فقد لعب دورا في نهاية الحرب الباردة ولنلاحظ ̄ ان التاريخ قد أثبت الرؤية التي كان يستوحي منها . \r\n \r\n هل سنلقي السلاح اذا ونترك شكوكنا ? لنبدأ بالعودة قليلا الى تاريخ السياسة الأمريكية : كان الخطاب الافتتاحي لجون كيندي يلتزم بعدم التراجع امام أي عيب أو تضحية لخدمة الحرية ,لقد استطاع هذا الوعد ان يقوده الى خليج الخنازير والى فيتنام . \r\n \r\n في عام 1952 كان يقابل جون فوستردلاس - في مواجهة الشيوعية - سياسة الضغط او ( التحرير ) بتلك المسماة ( العرقلة ) (منع انتشار ايديولوجيا معادية ) , لكنه لم يتوقف في عام 1956 عن طمأنة الاتحاد السوفييتي إبان الثورة الهنغارية . كان ودرو ويلسون يعلن أن الحكم الذاتي للشعوب هو كمفتاح لعالم سلمي وديمقراطي ,لكنه لم يستطع تطبيقه سوى على الامبراطوريات المهزومة . \r\n \r\n ربما لإيجاد مفتاح لهذه التناقضات ,علينا الرجوع الى قرن من الزمن , الى الخطاب الشهير للرئيس,جون كينسي آدامز , في 4 تموز 1821 الذي يقول فيه : ( لاتغامر أمريكا في الخارج للبحث عن القضاء على أعداء الحرية , إنها ترغب بالحرية والاستقلال للجميع , وإنها بطلة في ذلك لذاتها فحسب , انها ستوحي بالقضية العامة بالنبرة الثابتة لصوتها ومثالها الودي الرقيق !! وتعرف جيدا اذا كانت قد انضمت ولو لمرة واحدة الى جهات اخرى غير التي تحمل لواءها , فهي لمصلحة استقلال شعوب اخرى , دون المقدرة على أن تخرج من جميع حروب المصلحة والمؤامرات , والشح الفردي والرغبة والطموح التي تتبنى الألوان وتتعدى على راية الحرية وبإمكانها ان تصبح ديكتاتور العالم ولن تغدو أبدا سيدة فكرها الذاتي ) \r\n \r\n الانتقادات الأمريكية التي تنتسب الى المدرسة الواقعية او الانعزالية تفتخر بهذا النص البليغ والتنبؤي على عكس الأكثر ( مثالية ) أو( الامبرياليين ?) يعتقد المحافظون الجدد أن أمريكا أصبحت القوة العظمى ويجب ألا تخشى من تدمير أعداء الحرية ولاسيما أن أمنها الخاص يتوقف على ذلك !! في مقال أعد في الثمانينات كان يرى صديق معتدل للمحافظين يدعى ناتان تاركوف في خطاب آدامز تجاوز التناقضات التقليدية بين الواقعيين والمثاليين , الانعزاليين والدوليين وقد استنتج من ذلك تناقضا بين المبادىء والحكمة ,تدل الأولى على الجهة التي يجب اتباعها ,أما الثانية فتدخل في إطار تطبيق المصلحة الوطنية وعلاقات القوى . \r\n \r\n إن سياسة خارجية تخدم الحرية وتجمع بين المبادىء والحكمة يتوجب عليها من جهة تطبيق هذه المبادىء على ذاتها , ومن جهة اخرى , اتباعها بالمثابرة آخذين بالحسبان تعقيد ردات الفعل التي تحدث خارجا , يجب ان تقبل أمريكا بدفع الثمن المعنوي والسياسي المالي والانساني لطموحاتها ,وعليها بالتالي ان تفهم جيدا ان هذا الادعاء بالعطش الى الحرية والكرامة التي تدعي السعي اليها بدعم الشعوب ضد المستبدين يمكن ان تولد التمرد عند هذه الشعوب ضدها باسم الهوية الثقافية والدينية. \r\n \r\n عندما نقرأ في خطاب بوش تشجيع الحرية بالنسبة الى مكافحة الإرهاب المعلق بمبدأ واحد أو بذريعة عالمية , يتعين على الأوروبيين البقاء حذرين وبالأحرى متشككين بانتظار الأفعال , لكن ينبغي عليهم التمسك بالعمل للتوفيق بين المبادىء والحكمة في الدفاع عن الحرية . \r\n \r\n وإذا أرادت أمريكا ان تنشر الحرية والعدل والسلام في العالم عليها أن تتبنى لغة الحوار والتفاهم والتفاوض مع الحكام , لا أ ن تهرع الى الترهيب والسلاح العسكري , وعلى الاتحاد الأوروبي ألا يتماشى دوما مع السياسة الأمريكية التي تجنح في أغلب الأحيان الى ارتكاب أفظع الأخطاء باسم الحرية والسلام !! \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n