ووصفت الكاتبة في مقالها قبول الإدارة الأميركية بالقيادة الأوروبية في هذا الموضوع الحيوي، بأنه دليل على أن الأمر قد خرج من أيدي الإدارة الأميركية وأنه لا يمثل كما يذهب إلى ذلك الكثيرون \"دليلا على اتجاه بوش المعدل نحو التعددية\". وأنا اختلف مع \"رايس\" فيما ذهبت إليه. فرأيي في ذلك هو أن قيام أميركا بتسليم زمام القيادة في التعامل مع الملف الإيراني إلى الأوروبيين، يمثل نهجا ذكيا، وأن النهج الأحادي القائم على استئثار أميركا بالعمل والمبادرة به والذي توصي به الكاتبة، قد يعيق الجهود الرامية لإيقاف برنامج إيران النووي. \r\n \r\n وأي محاولة أميركية للاشتباك مع الشأن الإيراني، لن يكون لها من تأثير سوى تهميش المفاوضات القائمة بين إيران والاتحاد الأوروبي، وهو ما لن يكون في مصلحة أميركا في نهاية المطاف، خصوصا إذا ما أخذنا في اعتبارنا فقدان الثقة التاريخي بين إيرانوالولاياتالمتحدة. وعلى هذا الأساس فإن أوروبا التي يثق بها الطرفان معا، ستكون هي الأكثر تأهيلا للتعامل مع إيران. \r\n \r\n وقد قامت \"رايس\" بالتقليل من أهمية تصريح بوش الذي قال فيه: يتعين علينا أن نعترف بأننا\" لا نملك وسائل ضغط كافية على إيران في الوقت الراهن\" لأنها ترى أن الولاياتالمتحدة قادرة على تقديم العديد من الحوافز لها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تطبيع العلاقات بين البلدين، وإعادة فتح السفارة الأميركية في طهران. \r\n \r\n وترجع صعوبة تنفيذ ذلك في الواقع إلى أن المتشددين في إدارة بوش، لا يريدون أصلا أن تكون للولايات المتحدة سفارة في طهران، لأنه بمجرد فتحها سوف تتعرض هذه السفارة في رأيهم، إلى الهجوم من جانب طالبي تأشيرات الدخول إلى الولاياتالمتحدة، وهو ما سيمثل إحراجا لطقم الدبلوماسيين العاملين فيها. ومن ضمن المزايا التي قالت رايس إن أميركا سوف تحققها من وراء فتح السفارة الأميركية في طهران، أنه سيكون لها منبر أكثر أهمية وبروزا، يمكن أن تعبر من خلاله عن كافة أنواع القلق الذي تشعر به جراء انتهاكات حقوق الإنسان في إيران وافتقارها إلى الديمقراطية. في رأيي أن هذا الشيء لن يتحقق، واستشهد من أجل تأكيد صحة وجهة نظري في هذا الخصوص بما قاله كينيث بولاك عضو مجلس الأمن القومي الأميركي في عهد كلينتون والمسؤول عن الملف الإيراني في كتابه الجديد: المعضلة الفارسية، من أن \" المسؤولين الإيرانيين يشتكون ويقولون إن \" أي نقد للشؤون الداخلية الإيرانية من قبل الآخرين سيكون دليلا على عدم احترامهم لإيران... وهو ما يعني أن إيران ليست مستعدة بعد لإقامة علاقات ذات معنى مع الولاياتالمتحدة الأميركية\". \r\n \r\n وتدعو رايس الولاياتالمتحدة لتقديم حوافز لإيران\" مقابل الإيقاف الكامل والقابل للتحقق منه لبرنامجها النووي، وكذلك إيقاف أي دعم للإرهاب وللعناصر المناوئة للولايات المتحدة في العراق وأفغانستان\". \r\n \r\n ولكن الملاحظ أنه ليس هناك مسؤول إيراني واحد قد أبدى أدنى قدر من الرغبة في تبني النهج الليبي في التخلي عن الإرهاب وعن أسلحة الدمار الشامل. وفي الوقت الذي تحتدم فيه الحملة الانتخابية الرئاسية الإيرانية استعدادا للانتخابات القادمة التي ستجري في شهر مايو المقبل، فإن ما نراه هو أن المرشحين لهذه الحملة يتنافسون فيما بينهم على أيهم سيكون أكثر قدرة على الذهاب إلى أبعد مدى ممكن في المحافظة على النهج الحالي للسياسة الخارجية الإيرانية، والتأكيد بأنهم لن يقوموا بتقديم أي تنازلات للولايات المتحدة الأميركية. أما فكرة \" الصفقة الكبيرة \" التي تدعو إليها رايس فهي فكرة مرفوضة على أساس أنها\" تمثل هدفا يفتقر للواقعية كما أنه غير قابل للتحقيق\" من وجهة نظر الكثيرين من المدافعين الثابتين عن الفكرة القائلة بضرورة قيام أميركا بالاهتمام بشكل أكثر فاعلية في الشأن الإيراني، والذين قاموا بتحرير التقرير الأخير الذي أعده مجلس العلاقات الخارجية الأميركي بشأن هذا الموضوع. \r\n \r\n تزعم رايس أن الاتحاد الأوروبي إما غير قادر أو غير راغب في الترويج لسياسات من ذلك النوع الذي تريده أميركا بشأن التعامل مع إيران. وفي الحقيقة أنه في الجولة الأخيرة بين المحادثات التي جرت الشهر الماضي بين الأوروبيين والإيرانيين، لم يقم الجانب الأوروبي بإثارة موضوع أسلحة الدمار الشامل فقط، ولكنه أثار أيضا مواضيع الإرهاب، والسلام العربي الإسرائيلي وحقوق الإنسان. \r\n \r\n وقد أصرت أوروبا على أن التعامل مع إيران يتطلب تحقيق تقدم على جميع الجبهات، وهو موقف كما نرى أكثر شمولية مما طالبت به رايس. وفي الحقيقة أن الاتحاد الأوروبي قام في شهر يونيو من عام 2003 بتعليق المفاوضات التي كانت جارية في ذلك الوقت مع إيران بشأن توقيع اتفاقية تجارية، وذلك عندما لم يتم تحقيق تقدم في جميع الجوانب التي كانت تثير قلق الاتحاد الأوروبي. وفي أغسطس من نفس العام أقدم قادة بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا على اتخاذ خطوة غير مسبوقة وهي إخبار القادة الإيرانيين بلا مواربة وعلى الملأ بأن على بلادهم أن تتخلى عن شيء يعتبر من صميم حقوقها بموجب بنود القانون الدولي، ألا وهو برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم، وأنها إذا لم تفعل ذلك فستتم جرجرتها إلى مجلس الأمن الدولي، حيث يمكن أن تواجه عقوبات دبلوماسية واقتصادية. \r\n \r\n في الخاتمة نقول إنه إذا ما أخذنا في اعتبارنا عدم الاهتمام الكافي الذي يبديه الإيرانيون المتشددون تجاه الأشياء التي يمكن لأميركا أن تعرضها على دولتهم، والموقف القوي الذي اتخذته أوروبا في المحادثات مع إيران، فإننا سنستنتج أن السياسة الأكثر حكمة في التعامل مع الملف الإيراني في الوقت الراهن هي تلك السياسة التي تنتهجها إدارة بوش وهي تأييد قيام أوروبا بتولي زمام الأمر في هذا الموضوع. \r\n \r\n \r\n باتريك كلاوسون \r\n \r\n نائب مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"