ردا على سؤال وجه له حول السياسات الأميركية حيال إيران: \"نحن نعتمد في هذا الأمر على الآخرين، لأننا اخترنا ألا يكون لنا تأثير مباشر على إيران... بعبارة أخرى، فإنه ليست لنا اليد العليا عليها في الوقت الحالي\". بالطبع فإن هذا التصريح الغريب، لا يشير من قريب ولا بعيد، إلى توجه جديد للرئيس بوش صوب الجماعية والعمل الدولي المشترك. إنما هو إشارة واضحة إلى سوء تقديرات وحسابات الولاياتالمتحدة، وإلى وصفة فشل بين في تصدي أميركا للخطر النووي الإيراني. \r\n \r\n ولنا أن نتأمل كم سيكون هذا الخطر وما هو مداه. فالشائع والمتداول هو أن إيران الغنية بالنفط كانت خلف تفجيرات ثكنات الجنود الأميركيين في مدينة \"الخبر\" السعودية عام 1996. كما يعتقد أنها تمول الجماعات الإرهابية الإسلامية المعادية لإسرائيل، إلى جانب إيوائها لعناصر من تنظيم القاعدة الناشطة، ويقال إن لها يدا في أعمال العنف الدائرة في العراق. إلى ذلك، فقد تمكنت إيران من بناء برنامج سري لتخصيب اليورانيوم، يتفق الأميركيون والأوروبيون معا على أن هدفه الرئيسي هو إنتاج الأسلحة النووية. يذكر أن لإيران صواريخ قادرة على ضرب أهداف في كل من العراق وإسرائيل، علاوة على قدرة بعضها على إصابة أهداف داخل أوروبا نفسها. \r\n \r\n ولما كان الرئيس بوش –وليس أي أحد آخر غيره- هو من يقر بأن أكبر خطر يهدد أمن الولاياتالمتحدة الأميركية هو حصول الإرهابيين على السلاح النووي، فإن التسلح النووي الإيراني، يمثل تهديدا أمنيا حقيقيا وملموسا، لا يضاهيه في شيء ذلك الخطر المتوهم الذي كان قد نسب لبرامج صدام حسين النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل الأخرى. \r\n \r\n وبعد، فما الذي فعلته إدارة بوش لحماية أمننا القومي؟ بسبب الاستنزاف العسكري الذي تواجهه حاليا في العراق، إذ تجاوز عدد الجنود الأميركيين الموجودين هناك 140 ألف جندي، وبسبب العجز والشلل الذي تعانيه جراء خلافاتها ونزاعاتها الداخلية، كانت إدارة بوش قد هددت مرارا بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، دون أن تكون لها سياساتها الخاصة بها كدولة إزاء إيران! \r\n \r\n وفي معرض استجابته لواحدة من أخطر المهددات الأمنية التي تحيق ببلادنا، لجأت إدارة بوش لاستخدام الأوروبيين ك \"مقاول من الباطن\" لحماية أميركا والدفاع عن أمنها! وقد أكد بوش هذا المعنى على وجه التحديد، خلال الحديث الذي أدلى به الأسبوع الماضي. قال بوش إنه ليس هناك ثمة خيار أمام الولاياتالمتحدة، فقد اخترنا ألا يكون لنا نفوذ مباشر على إيران. وفي هذا بدت كلمات بوش، كما لو أنها رجع الصدى لما طالب به نائبه ديك تشيني –الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لشركة هاليبرتون- ومطالبته برفع العقوبات الأميركية المفروضة على طهران! \r\n \r\n يذكر أن كلا من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، قد تفاوضت مؤخرا مع طهران، حول تجميد مؤقت وغير مؤكد لبرامجها النووية الخاصة بتخصيب اليورانيوم. في استجابة منهم لهذه المبادرات الأوروبية، استبعد بعض المسؤولين الأميركيين هذه الجهود، واصفين إياها بالضعف وبأنها آيلة إلى الفشل المحتوم. ومن جانب آخر، أشاد بها مسؤولون آخرون، وقالوا إنها بمثابة تتويج للجهود التي ظلت تبذلها الولاياتالمتحدة الأميركية في هذا الشأن. ولكن يكمن جوهر هذا التناقض والتباين في مواقف المسؤولين الأميركيين، في أن الرئيس بوش يتوقع من جانبه فشل الأوروبيين في مساعيهم، ومع ذلك فهو يرفض أن يمد لهم يد المساعدة كي تكلل مساعيهم بالنجاح، أو أن يقدم بدائله الخاصة لحل الأزمة. \r\n \r\n لقد كانت الولاياتالمتحدة مصيبة في أن تفرض عقوباتها هي على إيران، حين تردد الحلفاء إزاء فرض تلك العقوبات. غير أن العقوبات الأميركية المفروضة، لا تغني واشنطن عن ممارسة نفوذها على طهران. وفي مستطاع هذا النفوذ والتأثير، أن يتخذ شكل الجزرة والعصا في آن واحد. ومن الناحية التاريخية، فقد سبق للولايات المتحدة أن مارست نفوذها على العديد من الدول الأخرى التي تعيش تحت طائلة العقوبات الأميركية أو الدولية، بغية إرغامها على تغيير مسارها. يصدق هذا على روديسيا ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا سابقا، وصولا إلى ليبيا مؤخرا. هذا التاريخ يثبت أن العقوبات لم تكن ذريعة لواشنطن للكف عن ممارسة تأثيرها على الدول الأخرى، التي تحتاج لمثل هذه الضغوط. تمشيا مع هذا التاريخ، فإن على الرئيس بوش ألا يرفع أيا من الخيارات والبدائل المطروحة للتعامل مع إيران، من سطح طاولته. تشمل هذه البدائل فيما تشمل، استخدام القوة ضد طهران. لكن وبالطبع، فإن عليه أولا أن يبدأ باحتمال الوصول عبر التفاوض، إلى وقف وتجميد أنشطة التسلح النووي الإيراني. وليكن مفهوما أنه من الاستحالة بمكان، التوصل إلى أي صفقة مطمئنة مع طهران، في ظل غياب الحوافز الواجب تقديمها من جانب واشنطن. وبالقدر ذاته، فإنه ليس متوقعا من إيران أن تقدم أي تنازلات في طريق نزع فتيل الأزمة، دون شعورها بجدية وخطر العقوبات الاقتصادية الجماعية التي يمكن أن تفرضها عليها كل من اليابان والمجموعة الأوروبية، في حال فشل بديل التفاوض معها. \r\n \r\n يتطلب هذا الحل بالضرورة، أن تكون لواشنطن سياساتها الخاصة بطهران، بدلا من الاتكاء على حائط الدبلوماسية الأوروبية وحده. هذا يعنى أهمية وجود الدور القيادي الأميركي الفاعل والملموس، في ظل الشراكة الأطلسية مع الأوروبيين، والتفاوض الجاد مع الجانب الإيراني. لكن وفي ظل الظروف والتعقيدات التي يواجهها بوش في الوقت الحالي، فإنه يجد في هذا الطريق مشقة لا قبل له بها، أو ثقلا تنوء به الرزايا التي لم يبق لها صدر أصلا لحملها. ولكن لا يعني المضي في طريق التساهل والاسترخاء هذا، شيئا آخر، سوى أن نرى في عهد \"رئيسنا المحارب\" إيران وكوريا الشمالية، وقد شرعتا أسلحتهما النووية في وجوهنا وصدورنا مباشرة! \r\n \r\n \r\n سوزان إي. رايس \r\n \r\n \r\n مساعدة سابقة لوزير الخارجية الأميركية، 1997-2001 وزميلة أولى لدراسات السياسات الخارجية في \"مؤسسة بروكنجز\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n