فبعد اعادة انتخاب الرئيس بوش في الولاياتالمتحدة هناك توقع كبير لمتابعة السياسات الامريكية في الشرق الاوسط. وهذا بدوره يعني استمرار الضغط على سوريا للخروج من لبنان، وللتوقف عن تقديم المساعدة حركة التمرد ضد الأمريكيين في العراق، قمع حزب الله والتوقف عن مساعدة المنظمات الفلسطينية الارهابية المتمركزة في دمشق. \r\n \r\n سوريا تساورها مخاوف جدية من اطلاق الولاياتالمتحدة لليد الاسرائيلية لمعاقبة سوريا على سوء تصرفها. والأكثر من ذلك، هو أن سوريا تواجه مطالباً جدياً من قبل واشنطن بنشر الديمقراطية، وهي مسألة تتناقض تماماً مع استمرار الحكم المطلق في سورية . وسوريا تأمل بأن تكون المحادثات مع اسرائيل، كما كانت في السابق، الستار الذي يحميها من الضغط الأمريكي المطبق عليها. \r\n \r\n ليس هناك أي سبب يدفع اسرائيل لتقديم تسهيلات لسورية لتخليص نفسها من الضائقة العالمية المحيطة بها. ومن الواضح جداً أن الادارة الأمريكية الحالية غير ميالة للقيام بشيء ما لسوريا وغير متحمسة لمطامح محادثات السلام الاسرائيلية السورية. وذلك يعود تماماً لفهمها الكامل للدافع الذي يدفع دمشق لاستئناف محادثات السلام. \r\n \r\n هل يتوجب على اسرائيل اتباع الخطى الأمريكية أو عليها أن تحاول إبرام اتفاق مع سوريا؟ هناك الكثير من الحجج المقنعة والأسباب الاستراتيجية والسياسية التي تدفعها لرفض التعاون مع دمشق. \r\n \r\n اليوم تستند توقعات المجتمع الدولي حول عقد اتفاق بين اسرائيل وبين اي دولة عربية الى مبدأ \" الأرض مقابل السلام\"، حيث يربط هذا المبدأ الانسحاب من سهول الجولان الاستراتيجية مع أي اتفاق سلام. وهذا يعتبر أمراً غير مقبول من الناحية الأخلاقية وذلك لأنه يدل على أن المعتدي في عام 1967 (أي سوريا) سوف يفلت من العقاب دون أن يدفع ثمن انتهاكه الفاضح للمعايير الدولية. كما أن هذا المبدأ يعتبر مضللاً أيضاً وذلك لأنه لا يكتفي فقط باجلاء الأراضي بل هو يتطلب اجلاء اليهود من منازلهم، والاستجابة لمطلب العرب الأساسي في خلو بلادهم من اليهود. ان رفض العرب لوجود ولو حتى أقلية بسيطة من اليهود بينهم ضمن اطار اتفاقيات السلام يعكس عنصرية واضحة لديهم. لذا فان مبدأ \" الأرض مقابل السلام\" من الناحية الأخلاقية وصل الى مرحلة الافلاس في ادراك الواقع اليوم. \r\n \r\n أما من الناحية الاستراتيجية فان الانسحاب من مرتفعات الجولان يعتبر مشكلة حقيقية. فسيطرة اسرائيل على مرتفعات الجولان تحمل الكثير من الفوائد التي لعبت دوراً حاسماً في التصدي للهجمات السورية العسكرية العنيفة في تشرين الأول 1973 وفي الحفاظ على استقرار الحدود السورية الاسرائيلية. تعتبر الحدود الحالية الممتدة عبر الهضاب والجزء الشرقي للسهول افضل خط دفاعي أمام الاعتداءات العسكرية التقليدية. ان السيطرة الاسرائيلية على قمة جبل حرمون في شمال الجولان تمكن اسرائيل من القيام بمراقبة الكترونية متوغلة في الأراضي السورية، الأمر الذي يمنح اسرائيل انذاراً مسبقاً لأي اعتداء وشيك الحدوث. كما أن قرب دمشق من مرتفعات الجولان ( حوالي 60 كم ) يمتلك قيمة ردع هائلة وذلك لأنه يجعل من العاصمة، التي تعتبر مركزاً للنظام السوري، لقمة سائغة أمام يد القوة العسكرية الاسرائيلية. \r\n \r\n ان الأصوات التي تنادي بتناقص قيمة تلك المرتفعات والأراضي تتجاهل حقيقة تقول بأن التكنولوجيا العسكرية تتغير باستمرار عبر التاريخ، وهي نادراً ما ترجح كفة المواقف الدفاعية أو المبادرات الهجومية. إن الاستقرار الذي نجم عن تسويات ازالة القوات والمباني العسكرية الذي تم في سيناء (التي تمتد 200كم)، مثل هذا الاستقرار لا يمكن تحقيقه في مرتفعات الجولان التي لا يتجاوز عرضها 24 كم. لذلك فإن مخططات الحدود الاسرائيلية يجب أن لا تكون مرهونة بلغة التقنيات الحالية السريعة الزوال. ان سيطرة اسرائيل على مرتفعات الجولان يمنحها حدوداً هادئة وأي تغيير في ذلك قد يحمل معه قلقلة للاستقرار. \r\n \r\n من الناحية السياسية، ليس من الحكمة أن تدخل الحكومة الاسرائيلية الحالية بمفاوضات مع دمشق. فالسوريون لا يستطيعون تقديم ما هو أكثر من \" السلام البارد\" الذي قدمته مصر. والعلاقات السورية لن تكون بطاقة إسرائيل للدخول الى باقي الدول العربية، التي بدورها بدأت تنخرط تدريجياً في أنماط متنوعة من العلاقات مع القدس. كما أن سوريا مثلها مثل باقي الدول العربية ليس لديها الكثير لتقدمه لاسرائيل في مجال الاقتصاد والثقافة. وليس لاسرائيل مصلحة في الاندماج مع منطقة فقيرة، مليئة بالفساد، و الحكم فيها استبدادي. لذا فان الثمن الذي تطلبه دمشق من القدس مقابل معاهدة السلام يعتبر باهظاً جداً. \r\n \r\n وكما أشرنا، ان أي ثمن اضافي تقدمه اسرائيل عن طريق الرد بشكل ايجابي تجاه سوريا قد يزعج الولاياتالمتحدة. وطالما أن الولاياتالمتحدة هي القوة العظمى الوحيدة والحليف الرئيسي لاسرائيل، فان فرصة توقيع اتفاقيات اسرائيلية سورية لا تستحق المجازفة وخلق توترات اسرائيلية أمريكية. والأكثر من ذلك هو أن السياسات الداخلية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والانسحاب من قطاع غزة بشكل أساسي، يدفعنا الى الاحتراس من المسار السوري. فالحكومة الاسرائيلية المنهمكة في الانسحاب من قطاع غزة وفي اجلاء المستوطنين اليهود لا يمكنها تحمل فتح جبهة داخلية جديدة، خاصة وأن أغلبية الاسرائيليين معارضون للانسحاب الكامل من الجولان. ان الجهاز السياسي الاسرائيلي مثقل كفاية بالعديد من التحديات وهو بالكاد يستطيع التكيف مع ضغوطات اضافية تنجم عن التفاوض مع سوريا. \r\n \r\n أخيراً، علينا أن نقول بأن السياسات الاسرائيلية تجاه سوريا يجب أن تسير على خطى السياسات التركية السابقة. فعلى الرغم من المطالب التي قدمتها سوريا لتركيا الا أن هذه الأخيرة رفضت تسليمها لواء اسكندرون الذي منحته فرنسا لتركيا خلال فترة انتدابها لسوريا عام 1938. لكن هذا النزاع الاقليمي لم يمنع دمشق من اقامة علاقات دبلوماسية مع انقرة. وعلى نحو مماثل، يجب أن لا يكون النزاع الاقليمي بين اسرائيل وسوريا حجة لعدم الاعتراف باسرائيل واقامة علاقات دبلوماسية مع هذه الدولة اليهودية. \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n