ولما كان هذا هو العمود الصحفي الأخير الذي أكتبه لهذا العام 2004، فلنلهُ قليلا بلعبة:\"انتظر .. انتظر.. لا تقل لي\". وإليكم عشر قصص إخبارية عن الأسابيع القليلة الماضية، وعليكم أن تخبروني عن القاسم المشترك بينها جميعاً. \r\n 1- التقرير القائل إن \"كولن باول\"، أخبر الرئيس بوش قبل بضعة أسابيع، بنقص قواتنا الموجودة في العراق، وعدم قدرتنا على السيطرة على الميدان هناك. 2- التقرير الصحفي عن المصاعب التي أحاطت ببرنامج \"الدرع المضاد للصواريخ\"، وهو البرنامج الدفاعي الذي تنفق عليه وزارة الدفاع مبلغ 10 مليارات دولار سنوياً، على أن تبنى منه نسخة أرضية قاعدية، بنهاية العام الجاري. وكانت هذه المصاعب قد نشأت منذ نحو أسبوعين، عند فشل أول اختبار يجرى له خلال ما يقارب العامين، نتيجة لعدم انطلاق الصاروخ الاعتراضي. 3- التقرير الصحفي القائل إن ميزانية الرئيس بوش للعام المقبل 2005، وهي الميزانية المقترحة من الحزب الجمهوري، قد شملت تخفيضات بقيمة 100 مليون دولار، في التمويل الفيدرالي ل\"مؤسسة العلوم القومية\". 4- التقرير الصحفي عن إقدام إدارة بوش، على خفض قيمة المبالغ المالية المخصصة لبرنامج \"منح بيل\" وهو البرنامج الذي يقدم معونات مالية لتحسين تعليم الشباب من أبناء الفقراء والعمال الأميركيين. جاء توقيت هذا الخفض، في وقت تشهد فيه حمى التنافس في سوق العمل والوظائف بين الشباب الأميركي، وأقرانهم من الشباب الصينيين والهنود، ارتفاعاً غير مسبوق في تاريخ البلاد. صحيح أن هذا الإجراء سيوفر لخزينة الدولة حوالي 300 مليون دولار، إلا أن النتيجة هي حصول نحو 1.3 مليون طالب أميركي، على مساعدات تعليمية أقل، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى المساعدات. 5- التقرير القائل بتفوق الطلاب الآسيويين على أقرانهم الأميركيين، في الصفين الدراسيين الرابع والثامن، في آخر الدراسات والإحصاءات التي أجريت حول اتجاهات التعليم الدولي في دراسة مادتي الرياضيات والعلوم. ذكر التقرير أن مستوى الطلاب الأميركيين في الصف الدراسي الثامن قد تحسن نسبياً عما كان عليه قبل أربع سنوات، إلا أن مستوى الطلاب الأميركيين في الصف الرابع، ظل مراوحاً في مكانه، دون أن يطرأ عليه أي تحسن. قبل أسبوع واحد، كان برنامج \"التقييم الدولي لأداء الطلاب\" قد أظهر تدني مستوى الطلاب الأميركيين في سن الخامسة عشرة، مقارنة بزملائهم في البلدان الأخرى، إلى أدنى من مستوى الوسط، حين طلب منهم تطبيق مفاهيم ومهارات علم الرياضيات على واقع الحياة. 6- التقرير الصادر هذا الشهر، حول إقدام إدارة بوش على خفض المساهمة الأميركية في برنامج المساعدات الغذائية الدولي، وهو البرنامج المخصص لتقديم المنح والمساعدات التي تمكن الفئات المستهدفة من فقراء العالم، من توفير الغذاء لنفسها. يلاحظ أن التبرير الذي قدمته الإدارة لهذه الخطوة، هو أن الخفض كان ضرورياً، بهدف السيطرة على العجز في الميزانية العامة! 7- وهناك التقرير القائل بارتفاع حجم الإنفاق العسكري الأميركي لهذا العام إلى نحو 450 مليار دولار! \r\n \r\n \"انتظر .. انتظر.. ليس بعد، فهناك المزيد .. المزيد\": 8- التقرير عن المواجهة التي حدثت بين قواتنا في العراق، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، أثناء زيارته إلى هناك، بخصوص افتقارها للمدرعات والمصفحات اللازمة لحركتها، واضطرارها لاستخدام الحجارة وغيرها من وسائل التصفيح البدائية، سعياً لحماية جنودها من رصاص المقاتلين العراقيين. 9- التقرير القائل إن في مقدمة أولويات ولاية بوش الثانية، تبسيط القانون الضريبي، وجعل التخفيضات الضريبية التي طبقها على الأغنياء في ولايته الأولى، أمراً سارياً ومستديماً. (وفقاً لتقرير الأسوشيتد بريس، فإن التكلفة التي ستتكبدها الخزانة العامة نتيجة هذا الإجراء، تفوق التريليون دولار)! 10- وأخيرا، التقارير المالية عن استمرار تأرجح وانخفاض قيمة الدولار في البورصات وأسواق المال العالمية، أمام اليورو. \r\n \r\n وبعد، فما هو القاسم المشترك الأعظم، بين هذه التقارير جميعا؟ ستقول لي:\"انتظر .. انتظر .. لا تقل لي\". ولكنني سأقول لك، على رغم ترجيك: فها نحن الآن وقد أصبحنا وجهاً لوجه، أمام تحديين عملاقين. أولهما حماية أميركا عقب وقوع الهجمات \"الإرهابية\" الأخيرة عليها. وقد زج بنا هذا الواجب، إلى عمق ثلاثة التزامات عسكرية كبيرة، في كل من أفغانستان والعراق وبرنامج درعنا الصاروخي الدفاعي. أما التحدي الثاني فيتمثل في سعينا لتعزيز القدرة التنافسية الأميركية، في أعقاب الاتساع الهائل الذي شهدته أسواق العولمة الاقتصادية، حيث تزداد الحاجة أكثر من أي وقت مضى، لتحسين مستوى التعليم، بغية إنتاج السلع والخدمات الجيدة، وحيث تزداد هجرة هذه السلع والمنتجات، إلي الدول الأكثر قدرة على صنعها وإنتاجها، بحكم تفوقها الذهني. \r\n \r\n في مواجهة هذين التحديين العملاقيين، يلاحظ أن لإدارتنا التزاماً راديكالياً لا يتزعزع، بخفض الضرائب. وهو التزام يستطيع المرء أن يلمس تأثيراته السالبة على كل شيء في حياتنا وقدرتنا، بدءاً من عدد الجنود الذين نستطيع نشرهم في ساحات المعارك والقتال في العراق، وصولا إلى عدد الطلاب الذين نستطيع أن نحسن تعليمهم في مدارسنا وجامعاتنا. وفيما لو واصلنا السير على هذا المنوال، فستتدهور قدرتنا التنافسية في كل شيء، إلى مدى أسوأ مما هي عليه الآن بكثير. \r\n \r\n لقد آن لنا أن نتنازل عن إحدى هذه الأولويات. فليس لنا أن نحمي أميركا من المخاطر المحدقة بها، في ظل هذه الاستراتيجية الكونية الضخمة، التي يتبناها الرئيس بوش. وهل من سبيل إلى تزويد تلاميذنا وطلابنا بالمهارات الضرورية التي يحتاجونها، مع مواصلة خفضنا للضرائب، وكأنه لا هم لنا في هذا العالم؟! وإن كان لنا من حوار عام نديره بيننا هنا، فهذه هي القضايا التي ينبغي علينا أن نناقشها. ولكن يا للحسرة! فقد استغلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر أذكى ما يكون الاستغلال، بحيث أخرست كل صوت وحوار دونها! هنا تعود بي ذاكرتي إلى برنامج زوجتي المفضل الآخر:\"ماذا تعلم؟\". وتكون الافتتاحية التقليدية المتكررة لهذا البرنامج عادة بعبارة \"ماذا تعلم أنت؟\". ويجيء الرد التقليدي عليها صياحاً جماعياً:\"ليس كثيرا.. وأنت؟\". \r\n \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n