لقد كشف «روس» النقاب عن أن الإدارة الأميركية وجدت مرونة واضحة لدى الفلسطينيين على الصعيد الأمني، بالإضافة إلى قبولهم لوجود محطات إنذار وقوات إسرائيلية. وفي الواقع لا أدري من أين جاءت هذه التقديرات، وهل كانت على أساس معلومات استخبارية أم تفاؤل زائد عن الحدود، حتى أن «روس» قال «إن هناك مرونة بشأن نسب الأراضي التي سيتم ضمها مع الكتل الإستيطانية. \r\n \r\n بالنسبة لغور الأردن، فقد كان تقديره انه كلما زادت معدلات السيادة الفلسطينية على طول الحدود، زاد استعدادهم لقبول ترتيبات أمنية». خلال تلك الليلة، لخصت أمام الوفد الإسرائيلي محادثات ذلك اليوم، وقلت:« هدفنا وفق توجيهات رئيس الوزراء، هو التوصل إلى تسوية سلمية مبنية على أساس ترسيم حدود دائمة تكون الكتل الإستيطانية داخلها، مع وجود قوات إسرائيلية في نقاط إنطلاقة مريحة تتيح السيطرة على الأغوار في حالات الطوارئ». \r\n \r\n وبكثير من المرونة أضفت :« لا مناص من التخلي عن الحدود الشرقية «الأغوار » مع ترتيبات أمنية ملائمة نحددها خلال المفاوضات» وسيجري ذلك مقابل تعديلات حيوية على الحدود الغربية للدولة الفلسطينية مع إسرائيل «حدود شرقية مقابل حدود غربية، وليس حدوداً شرقية مقابل ترتيبات أمنية». \r\n \r\n في نهاية العاشر من يوليو، أبلغت باراك هاتفياً بكل ما جرى في مباحثاتنا، وخرجْتُ بإستنتاج من أقواله وملاحظاته سجلته لنفسي في دفتر يومياتي :«إن الرجل «باراك» لا يزال يعيش مرحلة يعجز فيها عن استيعاب عمق التسوية التي ينبغي عليه القيام بها». إن أكثر ما أثار القلق في نفسه هو التسريبات الصحفية بشأن موضوع القدس، فهو من بين الموضوعات الأكثر أهمية على الساحة الإسرائيلية. \r\n \r\n وبالتالي الأكثر تأثيراً على المفاوض الإسرائيلي. ولكن على الرغم من ذلك، فإنّ توقعات باراك لم تكن واقعية إطلاقاً، لأن نسبة 13% ضم وبدون تبادل أراضٍ، والسيطرة على مناطق الأغوار لمدة تتجاوز الثلاثين عاماً، وحديث عام عن موضوع القدس، ومفهوم الممرات العليا التي تسمح لعرفات بالوصول إلى منطقة الحرم من دون الخضوع لمراقبة إسرائيلية. \r\n \r\n هذه كلها كانت توقعات باراك، ولكنني كنت أعتقد طوال الوقت، بل وآمنت بأنه في داخل مميزات الزعيم صاحب الوعي التاريخي، فإنّه لن يتجرأ على تقديم تنازلات كبرى، إلا إذا رأى أمامه زعيماً مماثلاً له في الجرأة. \r\n \r\n يمكنني القول إنه في نهاية العاشر من يوليو، لم يتوفر لدي أي سبب، للإعتقاد بأن التوصل لإتفاق أمر ممكن، خاصة أن الأميركيين لم يفعلوا شيئاً مع قادة الدول العربية بهدف توفير غطاء من الدعم يتيح لعرفات إتخاذ قرارات حاسمة، إذ تهرب الزعماء العرب من تلك اللحظة، وبدأوا التزلج على أمواج الخمول. \r\n \r\n فلم يأتِ الخلاص منهم. لقد رفض الزعماء العرب النظر إلى هذه العملية السلمية بالطريقة التي نظرنا بها نحن والأميركيين: أي تسوية كحل وسط تاريخي لإحلال الإستقرار في الشرق الأوسط والمصالحة الحقيقية بين الشعوب العربية وإسرائيل، كما اتضح ان القادة العرب واصلوا التستر خلف اضطراباتهم الداخلية وضغوط الشارع العربي. \r\n \r\n القدس .. مفاوضات صعبة \r\n \r\n بعد ثلاثة أشهر من الحملة الدموية التي شهدتها المناطق الفلسطينية، برز أمل جديد لوجود لحظة حسم. وعلى الرغم من أننا مثقلون بالإحباط ومشاعر الغضب، لم نستطع إدارة ظهورنا لمثل هذه الفرصة الأخيرة لحسم النزاع الدموي بيننا وبين الفلسطينيين. \r\n \r\n في العشرين من ديسمبر، بدأت محادثات جديدة للتقارب مع الفلسطينيين في إحدى قواعد سلاح الجو الأميركي بالقرب من واشنطن. \r\n \r\n وقد سبقت ذلك محادثات أولية بين الوفدين، من دون أن أشارك شخصياً فيها، وقد علمت أنّ الفلسطينيين رفضوا بالكامل موقفنا بشأن القدس وقالوا إنهم يعترفون بحدود القدس كما كانت عشية حرب يونيو 1967 فقط. \r\n \r\n وبصفتي رئيساً للوفد الإسرائيلي، بدأت الحديث في اليوم التالي عن ضرورة حسم الأمور وقلت للفلسطينيين :« إذا كانت في جعبتكم تسويات وحلول وسط مرنة تساعدنا في الوصول إلى الحسم، فإنّ هذه هي اللحظة المناسبة لوضعها على الطاولة». أما ياسر عبد ربه فقد تحدث بصورة غير مشجعة، وبدأ بدعوة إسرائيل إلى وقف نشاطاتها العسكرية الميدانية. \r\n \r\n وكأن ما نقوم به في الأراضي الفلسطينية كان منفصلاً عن الظروف التي أنشأها الفلسطينيون بأنفسهم من خلال مواصلتهم للإنتفاضة، وعلى أي حال، فقد طرحت لأول مرة فكرة مجموعة عمل خاصة بالقدس تقوم على أن ما هو يهودي يتحول للسيادة الإسرائيلية وما هو عربي للفلسطينيين وليس بموجب مبدأ قدس شرقية وأخرى غربية، لكن عبد ربه رفض موقفي وأكد على أن القدس عاصمة لدولتين، وأن حدود 1967 هي الفاصل بيننا. \r\n \r\n لكنني كنت أعتقد بوجود مشكلتين، الأولى ما الذي سنفعله بالأراضي المعزولة في القدس أو المناطق الفاصلة بين الحدود، والثانية تتعلق بالحدود البلدية للمدينة وهي التي ترسخت منذ عام 1967 ويرفضها الفلسطينيون؟! \r\n \r\n وأمام إصراري على حل هذه المسائل، اقترح عبد ربه العودة إلى أمر كان مطروحاً للنقاش في السابق، وهو تشكيل مجلس مشترك للمدينتين بحيث يتم إنشاء نظام خاص في أنحاء مختلفة من القدس وليس في البلدة القديمة وحدها. \r\n \r\n المشكلة الأخرى التي برزت، هي مسألة الحرم، فنحن نرغب بأن يكون لنا مكان هناك، لا نريد الصلاة، وبطبيعة الحال لا نريد الحفر والتنقيب لقداسة المكان، لكن نحن نبحث عن صيغة تؤكد أن اليهود لا يتنازلون عن (إرتباطهم) بالمكان المقدس وفق ديانتهم، وبالتالي، قُلْتُ أن نقسّم السيادة . \r\n \r\n أو بكل بساطة نتجنّب هذا الموضوع ولا نخوض فيه على الإطلاق. لكن الجواب الفلسطيني كان بالمطالبة بالسيادة الكاملة على الحرم، إلا أنهم أبدوا استعداداً للتوقيع على أن الطرف الفلسطيني لن يحفر في المكان من منطلق الحساسية لدى جميع المؤمنين من دون الإشارة إلى ماهية هؤلاء المؤمنين. \r\n \r\n معايير كلينتون للسلام \r\n \r\n في اليوم نفسه الذي شهدت مباحثات حول القدس، توجهنا إلى البيت الأبيض، حيث كان مقرراً أن يجري لقاء يجمع الوفدين بالرئيس الأميركي بيل كلينتون، وبعد تقديم إفتتاحية الجلسة من جانبي وجانب عبد ربه، عرض كلينتون قواعد ومعايير يمكن اعتبارها مرنة لتحقيق تسوية بين الجانبين، بحيث سيعمل على تقويم محادثتنا وعلى ضوء ذلك سيضع مقترحات مفصلة لتسوية شاملة إما أن نقبلها أو نرفضها. \r\n \r\n وبما أنها لحظة الحسم، فقد قام الوفد الإسرائيلي على الفور بنقل وثيقة مفصلة عرض فيها جميع الأمور على الرئيس كلينتون وتتضمن تفصيلاً لكل ما بدا كنقاط إتفاق مع الفلسطينيين، لقد كانت وثيقتنا ضرورية لتجسيد وصياغة مبادئ التسوية، لكن وثيقتنا لم تتم صياغتها كورقة أحادية الجانب، ولكنها كانت محاولة لتحديد مبادئ الإتفاق بيننا وبين الفلسطينيين، وبالتالي توجيه الوسيط الأميركي نحو نقطة تسمح بعملية تجسير الفجوة». \r\n \r\n يمكن أن ألخص المعايير الواسعة التي طرحها الرئيس الأميركي في ذلك اليوم كالتالي: \r\n \r\n الأرض ، تحل المشكلة على أساس قرار مجلس الأمن 242 وحدود 1967 ولكن ستكون هناك تعديلات حدودية بهدف الإستجابة لإحتياجات الطرفين، بما يزيد على 90% مما يطلبه الفلسطينيون، ولكن لا يصل إلى 100%، والمعيار الحيوي لتحديد الحدود سيتمثل في الحاجة إلى شمول 80% من المستوطنين ضمن الكتل الإستيطانية، وفي إطار تبادل الأراضي، ستكون هناك ضرورة لضمان ممر آمن ودائم للفلسطينيين بين قطاع غزة والضفة الغربية. \r\n \r\n الإستيطان، ستكون هناك ضرورة للإمتناع قدر الإمكان عن ضم أراض فلسطينية لإسرائيل. \r\n \r\n الأمن، يتوجب معالجة المطالب والإحتياجات الشرعية لإسرائيل، وإقامة محطات إنذار في المناطق الفلسطينية لمراقبة الحدود الشرقية، وإنشاء قوات دولية لمراقبة منطقة الأغوار، والتوصل إلى تسوية خاصة للتعاون المشترك ضد الإرهاب، كما ستكون هناك مناطق لإنتشار طارئ لقوات الجيش الاسرائيلي في الأغوار. \r\n \r\n لكن الرئيس كلينتون أكد على ضرورة التوصل إلى تعريف متفق عليه بشأن حالة الطوارئ التي تبرر نشر قوات الجيش الإسرائيلي في تلك المناطق، وضرورة تحديد جدول زمني لإنسحاب إسرائيل من مناطق الأغوار في موازاة الجدول الزمني لإنتشار القوات الدولية. \r\n \r\n اللاجئون، يدرك الطرفان أن الأمر يتعلق بضرورة تطبيق القرار 194 بواسطة جهاز أو هيئة للتعويضات، وأعرب الرئيس الأميركي عن اعتقاده بأن معظم الفلسطينيين سيرغبون بالعودة للدولة الفلسطينية، وقسم آخر بإمكانهم السكن في مناطق بديلة أي في المناطق نفسها التي ستنقلها إسرائيل إلى السيادة الفلسطينية. \r\n \r\n كما سيكون هناك تحرك متواضع للاجئين داخل دولة إسرائيل على أساس إنساني، والجهاز الدولي الذي سيتشكل للإشراف على حل المشكلة، سيضع خيارات من بينها التوطين في البلاد التي يسكنها اللاجئون اليوم، أو هجرتهم إلى الدولة الفلسطينية ودول أخرى. وطالب الرئيس كلينتون بإيجاد صيغة ملائمة بخصوص مسألة حق العودة . \r\n \r\n مؤكداً أن إسرائيل لا تستطيع تغيير طابعها، واقترح أولوية حل قضية لاجئي لبنان، على أن العودة لإسرائيل ستكون ضمن القرارات الإسرائيلية فقط، لأن الأمر متعلق بقيام دولتين لشعبين، ولإسرائيل حق السيادة في القرار الخاص بمن سيأتي إليها. \r\n \r\n القدس: عاصمة لدولتين وفق التقسيم (ما هو يهودي لإسرائيل، وما هو عربي للفلسطينيين)، وهذا المبدأ يسري أيضاً على البلدة القديمة، مع ضرورة مناقشة موضوع الترابط بين الأحياء، وفيما يتعلق بالحرم أكد كلينتون وجوب إيجاد حل من خلال عملية تدريجية للوضع القائم ومن خلال احترام (الإرتباط) اليهودي بالمكان، كما أكد الرئيس بيل كلينتون ان كل تسوية يتم التوقيع عليها هي بمثابة نهاية الصراع والمطالب. \r\n \r\n قضية أخرى طرحها كلينتون تتعلق بالاسم الذي سيطلق على قوات الأمن الفلسطينية إذ فضّل أن يتم الحديث عن الجانب العملي أكثر من الشكليات والأسماء. \r\n \r\n ملاحظات فورية \r\n \r\n لم يكن هناك أحد غيري أبدى ملاحظة فورية بشأن ما قاله الرئيس الأميركي ، فقد طلبت إذناً بالحديث ، وتحدثت محتجاً على ما ذكره كلينتون بخصوص قرار 194 وتأكيده على إيجاد صيغة مناسبة بشأن حق العودة، وقلت :« هناك إمكانية لتسمية كل تسوية يتم التوصل إليها بأنها تطبيق للقرار 194 . \r\n \r\n ولكننا لسنا على استعداد لإعتبار هذا القرار مخرجاً للمباحثات، فإطار العملية السلمية كلها تحدد في مدريد وفق قراري 242 و338، وليس أي قرار آخر لمجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة». \r\n \r\n وكررت الأقوال نفسها خلال لقائنا بطاقم السلام الأميركي وأضفت:« لقد فوجئنا بذكر حق العودة، ونحن مصابون بخيبة أمل كبرى مما قاله الرئيس، والقرار 194 لا يمكنه أن يشكل إطاراً أو مخرجاً للمفاوضات». \r\n \r\n وأضاف جلعاد شير قائلاً :« إن ما قاله الرئيس مخالف للمواقف الإسرائيلية تماماً، لقد كان الأمر بمثابة صدمة لنا أن نسمع الرئيس الأميركي يتحدث بهذه اللهجة». وفي أعقاب هذا اللقاء سجل أحد أعضاء الوفد الإسرائيلي ما جرى في دفتر ملاحظته : \r\n \r\n « شلومو بن عامي يرفع صوته ويضرب على الطاولة، ويقول لا تلعبوا بموضوع حق العودة، الإطار الصحيح الأفضل للتوصل إلى إتفاق هو تصحيح المسار مع إسرائيل في موضوع حق العودة، وإياكم أن تمنحوا الفلسطينيين أوهاماً ، قولوا لي بالمناسبة كيف تفوزون بالإنتخابات؟». \r\n \r\n عندها رد «آرون ميلر» نائب مسئول التخطيط في وزارة الخارجية الأميركية.. « نحن نفهم سياستكم» ولم أنتظره ليكمل وقلت له :« للأسف الشديد، أنت لا تفهم ما أقوله، هذه ليست سياسة». \r\n \r\n هذه الأجواء دفعت ميلر للقول :« سوف نوضح للفلسطينيين أنه لا توجد قاعدة جديدة للمفاوضات في أعقاب مقترحات الرئيس بيل كلينتون». \r\n \r\n عودة للمباحثات \r\n \r\n بعد التوتر الذي ساد في واشنطن في أعقاب مقترحات كلينتون، توجهت إلى القاعدة العسكرية التي كانت قد شهدت اجتماعات سابقة، والتقيت ياسر عبد ربه الذي بدأ حديثه متحفزاً فيما يتعلق بنسبة الضم، باعتبارها تشمل الأحياء اليهودية في القدسالشرقية كما طالب بتبادل أراض متساوية في المساحة والنوعية لكنه وعد بالمقابل بالموافقة على مطالبنا بإنشاء ثلاث محطات إنذار. \r\n \r\n أما بخصوص الأرض فقد قلت له ان نسبة ال 3% التي يتحدث عنها لا تتفق مع المعيار الرئيسي الذي أصر عليه الرئيس كلينتون، خلال توجيهاته الأخيرة والتي قضت بضم 80% من المستوطنين في الكتل الاستيطانية وإن حصل ذلك فإن الضم يصل إلى نسبة 5% وليس 3%، وفيما يتعلق بتبادل الأراضي، ذكّرته بأننا تحدثنا في السابق عن إعطاء الفلسطينيين الحق في استخدام بعض المرافق في إسرائيل «الأرصفة والموانئ» وفق مبدأ المقايضة. \r\n \r\n إن أجواء اللقاء مع ياسر عبد ربه كانت عملية وبعيدة عن الخطابة والكلام الذي لا جدوى منه، لكن الأمور بدت أكثر صعوبة لاحقاً، إذ أعلن صائب عريقات انه يحظر أن يمس التغيير الحدودي بالطبقة الصخرية والمياه الجوفية أو بالسكان الفلسطينيين. \r\n \r\n مؤكداً أن هؤلاء السكان لا يرغبون بالانتقال للسيادة الإسرائيلية، كما أنهم ليسوا على استعداد لتسوية تقضي ببقاء أحياء يهودية داخل المدن الفلسطينية، وكذلك رفض إمكانية المس بالمجال الجوي الفلسطيني. \r\n \r\n وفي وقت لاحق جرى لقاء آخر بين الوفدين، طرح خلاله صائب عريقات موضوع اللاجئين، وعلى الفور قمت أنا وجلعاد شير بالتأكيد على أن إسرائيل لن تقبل أبداً بحق العودة، فأصر عريقات على وجوب إعتراف إسرائيل بالمسئولية الأخلاقية عن مأساة اللاجئين وحل المشكلة بموجب قرار194، وأكد بصورة خاصة على حل مشكلة لاجئي لبنان، وبنوع من الوصاية المُغضبة قال «عريقات»: \r\n \r\n ان الفلسطينيين يعرفون مدى حساسية إسرائيل للحفاظ على طابعها كدولة يهودية، وبالتالي سوف نسعى إلى تطبيق حق العودة بشكل يحافظ على التوازن السكاني الداخلي لإسرائيل. \r\n \r\n \r\n كما حاول صائب عريقات القول ان الفلسطينيين يتجهون نحو قبول المفهوم الإسرائيلي تجاه موضوع الأرض، وبالتالي يتوجب على الجانب الإسرائيلي قبول التوجه المقابل بشأن اللاجئين، فأجبته على الفور: \r\n «إدعاؤك بأنك تبدي استعداداً بشأن الأراضي ليس عملياً، لأنك ترغب بالحصول على تعويضات كاملة وتبادل أراض على قاعدة المساواة في النوعية والمساحة وهذا على خلاف معايير الرئيس الأميركي كلينتون التي طرحها على الوفدين قبل بضع ساعات فقط». \r\n \r\n على كل حال لا توجد علاقة بين هذه الأمور، هذا ما أكدته أمام الوفد الفلسطيني وقلت: «لا يوجد أية شروط لتقبل إسرائيل بحق العودة، وإذا تم قبول هذا الأمر، فإن العودة ستتم على قاعدة إنسانية فقط من خلال جمع شمل بعض العائلات، وبإمكانكم إبلاغ أبناء شعبكم بأن عودة لاجئين بأعداد كبيرة وربما عالية جداً إلى المناطق المتبادلة بين الطرفين، هي بمثابة عودة إلى إسرائيل وتطبيق لحق العودة». \r\n \r\n أما جلعاد شير فقد فصّل بدقة متناهية أمام أعضاء الوفد الفلسطيني مقترحات عملية لحل مشكلة اللاجئين تقوم على أساس التمسك بالخطة التي طرحناها خلال مباحثات السويد والتي لا تشمل حق العودة، كما أوضح ان قاعدة المباحثات ستكون قرار 242 وليس 194، وكُل تسوية سيتم التوصل إليها ستكون بمثابة تطبيق لقرار الجمعية العامة 194. \r\n \r\n عندها توجهت إلى الوفد الفلسطيني ملخصاُ بصورة عاطفية كل ما حدث: «هذه لحظة الحقيقة بالنسبة لكم، ومع أني لا أستخف بالصعوبات التي تواجهكم خاصة أنكم تتحدثون عن قصة حق العودة بصورة وطنية وأنتم الآن مطالبون بالتخلي عنها، فكل ترجمة عملية لحق العودة ليست مقبولة لدينا. \r\n \r\n ونحن من جانبنا سنقول لشعبنا ان عليه المساومة والتوصل إلى حلول وسط بشأن عدد من القضايا التي كان يعتبرها قواعد إيمانية راسخة، كما في مسألتي القدس والحدود، إن الأمر صعب، لكننا سنفعل ما هو مطلوب منا أمام شعبنا، وأنتم تفعلون ما هو مطلوب منكم أمام شعبكم». \r\n \r\n هنا علي أن أشير إلى ما سجله غرينشتين في ملاحظاته حول ذلك اللقاء: «بن عامي طرح بشكل واضح معارضة إسرائيل لحق العودة ورد على سؤال لعريقات حول عدد اللاجئين الذين من الممكن أن تسمح إسرائيل بعودتهم وقال: «ان العدد لا يتجاوز خمسة عشر ألفاً موزعين على عشرين سنة». \r\n \r\n قبل توجهي الأخير إلى واشنطن التقيت برئيس الوزراء إيهود باراك وقال لي: «أنا على استعداد للإتفاق حتى لو كان الثمن باهظاً جداً، شريطة أن لا يكون الاتفاق مُهيناً». \r\n \r\n ولذلك قدمت عدداً من المقترحات المرنة، لكنها كانت في الحقيقة بعيدة جداً عمّا أدركته من خلال كلام باراك، خاصة في مسألة الحرم، إذ أنني لم أركز على موضوع السيادة بقدر الاعتراف بأهمية منطقة الحرم بالنسبة لليهود، والمشكلة أن الوفد الفلسطيني رفض فكرة مركزية الحرم في الوعي التاريخي اليهودي ! \r\n \r\n وقلت: حائط البراق سيبقى تحت السيادة الإسرائيلية وعليكم أن تحترموا رغبتنا في عدم القيام بأية حفريات في منطقة الحرم، وطالبت بأن يتم عرض هذه الصيغة على مؤتمر الدول الإسلامية للمصادقة عليه، وأعربت عن رغبتنا في تخصيص زاوية من الحرم لأداء الصلوات اليهودية فيه. \r\n \r\n \r\n لقد تكفل محمد دحلان وياسر عبد ربه بالرد الفلسطيني الذي جاء كالتالي: «نحن على استعداد لعدم الحفر في الجبل، لكننا لسنا مستعدين للإعتراف بأن السبب يعود إلى وجود مكان مقدس لليهود هناك». عندها غضبت وقلت: «إن الأمر سيقودكم نحو دولة فلسطينية وتحقيق حلم إسلامي عبر سيادتكم على منطقة الحرم، لكن أنتم تضيعون الفرصة..هل أنا بحاجة إلى أدلة أكثر تثبت عدم رغبتكم بالتوصل إلى إتفاق؟». \r\n \r\n السيناريو الكابوسي \r\n \r\n لكن في الحقيقة كانت التقديرات الاستخبارية توضح أن المباحثات تسير نحو التقدم والتوصل لإتفاق ما، حتى أن ذلك تعزز بما قاله دنيس روس حول الواقع السياسي الذي يواجه الفلسطينيين، فاحتمالية وصول شارون لقمة الهرم السياسي الإسرائيلي ستجعل آمالهم في السلام تتبخر، من هنا كان هناك تحرك كبير نحو الأمام. \r\n \r\n ويورد المؤلف خطة كلينتون على النحو التالي: \r\n \r\n الأرض: سيكون هناك عدد من المبادئ لحل هذه القضية منها: سيادة فلسطينية، ترتيبات خاصة، مبدأ تبادل الأراضي. حيث ستمتد الدولة الفلسطينية على جميع مساحة قطاع غزة وما بين 94% إلى 96% من أراضي الضفة الغربية أي أن إسرائيل ستضم بين 4% إلى 6% لصالح الكتل الاستيطانية . \r\n \r\n وفي المقابل تمنح الفلسطينيين بين 1% إلى 3% من أراضيها، وللفلسطينيين الحق في استخدام الممر الآمن والذي سيكون خاضعاً للسيادة الإسرائيلية. وفي حال عدم كفاية نسب الأراضي لتلبية احتياجات الطرفين من الممكن الرجوع إلى مبدأ الاستئجار. \r\n \r\n الأمن: وجود قوات دولية على طول مناطق الأغوار حيث يتم تنفيذ انسحاب إسرائيلي على مراحل ينتهي بعد ثلاثة أعوام من بدايته، على أن يكون هناك ثلاث محطات إنذار إسرائيلية داخل أراضي الدولة الفلسطينية بحضور ضباط ارتباط فلسطينيين وبعد عشرة أعوام يستطيع الطرفان الاتفاق على وضع تلك المحطات. \r\n \r\n إضافة إلى ذلك، هناك مناطق متفق عليها لانتشار سريع للجيش الإسرائيلي، على أن يتم تحديد مفهوم الحالات الطارئة بالاتفاق بين الطرفين، ولسلاح الجو الإسرائيلي الحق في الحصول على ترتيبات خاصة لتنفيذ احتياجاته التدريبية والتنفيذية ضمن المجال الجوي الفلسطيني. \r\n \r\n القدس: يتم تقسيمها لعاصمتين وفق مبدأ ما هو يهودي فهو إسرائيلي، وما هو عربي فهو فلسطيني، وينطبق هذا المبدأ على البلدة القديمة، أما منطقة الحرم فتكون تحت الإدارة الفلسطينية مع احترام احتياجات إسرائيل واحترام ارتباط اليهود بالمكان، وعملياً يتم منح السيادة على الحرم للفلسطينيين، بينما حائط «المبكى» البراق سيكون تحت السيادة الإسرائيلية، وفي موضوع الحفريات سيكون هناك سيادة مشتركة. \r\n \r\n اللاجئون: سيكون هناك إعتراف بالمعاناة والضرر الذي لحق بالفلسطينيين، وسيتم إنشاء لجنة دولية تناقش حل المشكلة على أساس أن تستوعب الدولة الفلسطينية عدداً معيناً من اللاجئين ويتم نقل جزء آخر إلى دولة ثالثة وقسم تقبلهم إسرائيل ضمن الأراضي التي سيتم تبادلها وكثيرون سيبقون في البلاد التي تستضيفهم حالياً. \r\n \r\n أما فيما يتعلق بحق العودة، فقد كانت صيغة الرئيس كلينتون (لن يكون هناك حق محدد بالعودة إلى إسرائيل، ولكن بإمكان الفلسطينيين الادعاء بأنهم يمارسون حق العودة عند رجوعهم إلى أراضي الدولة الفلسطينية، وبطبيعة الحال إنهم يعودون بالفعل إلى مناطق تمنحها إسرائيل للفلسطينيين ضمن إطار تبادل الأراضي، دون تنفيذ عودة إلى إسرائيل. \r\n \r\n ولكن سيكون هناك قبول عدد محدد من اللاجئين داخل إسرائيل، وهذا فقط سيتم وفق مبادئ وأعداد تحددها إسرائيل بصورة حصرية وهي وحدها التي تملك حق اتخاذ قرار بشأن ذلك وبشكل سيادي مطلق).وسيتم النظر إلى هذا الاتفاق على أنه نهاية للمطالب واتفاق يضع حداً نهائياً للنزاع. \r\n