الياور وعلاوي اللذان عينتهما واشنطن مؤقتا في منصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء‚ وكذلك الشعلان الذي عينته وزيرا مؤقتا للدفاع‚ ارتجل كل منهم حزبا ليدخل به هذه الانتخابات التي حددت الأممالمتحدة موعدها الذي قال «الياور» انه أي الموعد ليس منزها‚ واعترف «الشعلان» بان كل الشروط لاجرائها في العراق لم تستوف بعد‚ وخصوصا تلك المتعلقة بالأمن‚ لكن الثلاثة رغم «تحفظاتهم» أعلنوا أنهم مستعدون لتنفيذ القرار الصارم الصادر عن باب واشنطن العالي والعازم على ان تجرى الانتخابات يوم 30/1/2005‚ حتى قبل ان يجتمع مجلس الوزراء المؤقت الذي حسب «مهدي الحافظ» وزير التخطيط المؤقت المقرب من عدنان الباججي‚ سينعقد «في الأيام المقبلة ليدرس تأجيل الانتخابات وعلى الأرجح يقرها»! \r\n \r\n المحطة الأميركية قبل الأخيرة؟ \r\n \r\n الابراهيمي‚ المسؤول الأممي المعني بهذه الانتخابات‚ قالها علنا: ان الأوضاع في العراق لا تسمح اطلاقا باجرائها في الموعد الذي قررته الأممالمتحدة‚ وان الأخيرة لن تغامر بارسال مراقبين في ظروف تعرض حياتهم للخطر‚ لكن رئيس الولاياتالمتحدة قرر غير ذلك وأمر بارسال المزيد من القوات الأميركية الى العراق لفرض «انتخابات ديمقراطية» بقوة السلاح‚ وقدم أشلاء الفلوجة أمثولة لأي مدينة لا تمتثل وتنتخب ممثليها من بين المرشحين الممتثلين للإرادة الأميركية‚ ويبدو ان عجيل الياور استعجل «الباب العالي» لارسال المزيد من «المارينز» ساخرا من زميليه العلاوي والشعلان اللذين زعما ان القوات العراقية «المؤقتة؟» ستتكفل بحماية المرشحين والمنتخبين ومراكز الاقتراع‚ بل ان الشعلان قال ان طائراته ودباباته «المؤقتة» على أهبة الاستعداد لفرض المناخات الانتخابية الملائمة! \r\n \r\n ان إدارة بوش الصغير تعتقد ان اجراء الانتخابات محطة لا بد من تجاوزها بأي ثمن وصولا الى المحطة «النهائية؟» وهي ارساء قواعد وجود أميركي طويل الأمد في العراق عسكريا يتزامن مع ارساء أسس المصالح الاقتصادية والسياسية الأميركية فيه‚ \r\n \r\n مفارقة أن العراق دائرة واحدة! \r\n \r\n كان يوم 22/11/2004 آخر أجل لتقديم طلبات المشاركة في الانتخابات من قبل الأحزاب والتشكيلات السياسية‚ ومن بين 212 طلبا للترشح تم التقدم بها‚ تمت الموافقة على 156 طلبا‚ علما ان آلية الانتخاب تقضي بأن كل حزب سياسي عليه ان يرشح قائمة لا تقل عن 12 عضوا ولا تزيد عن 275 بعد الحصول على تواقيع 500 ناخب‚ من دون ان توضح لنا هذه الآلية كيف يمكن للأفراد المستقلين ان يترشحوا! ويبدو أن ما يسمى المفوضية العليا للانتخابات أقرت العراق بمحافظاته ال 18 دائرة انتخابية واحدة‚ وان 14 مليون عراقي داخل العراق وخارجه سينتخبون 275 نائبا في الجمعية الوطنية المؤقتة‚ كما تم تحديد 14 دولة لاجراء الانتخابات ايضا فيها وإدلاء العراقيين في الخارج بأصواتهم‚ ومعيار اجراء الانتخابات في بلد أجنبي هو ان لا يقل عدد العراقيين الموجودين فيه عن عشرة آلاف شخص‚ \r\n \r\n وهكذا يكون شرط السيستاني لعدم مقاطعة الانتخابات قد تحقق! والمفارقة هنا ان جعل العراق دائرة انتخابية واحدة هو المحطة‚ او المنعطف الكارثي المباشر الى تقسيمه‚ ذلك ان أكبر قوتين من القوى المكونة للشعب العراقي والمتحمسة جدا لاجراء الانتخابات تحت الاحتلال وفي اقرب الآجال هما: الأكراد الذين يستعدون لإعلان منطقة الحكم الذاتي الكردية شمالي البلاد كيانا مستقلا‚ والشيعة الذين عقدوا مؤخرا مؤتمرا يضم ممثلين عن المحافظات الخمس اسفر عن نية اعلان حكم ذاتي لها بعد درس تحقيقي تكاملها الاقتصادي كونها تضم الأماكن المقدسة والأغلبية السكانية الشيعية المقدر لها ان تحصل على 120 مقعدا من مقاعد «الجمعية الوطنية المؤقتة» العتيدة‚ والتي هي «مؤقتة» لأن تداعيات نتائج الانتخابات ستلغي دورها ووجودها‚ \r\n \r\n ان الجبهة الوطنية الموحدة لخوض الانتخابات المكونة من 250 حزبا وحركة وشخصية سياسية ودينية التي تشكلت بقيادة اياد علاوي‚ يمول البرزاني والطالباني عشرين دكانا منها‚ ويمول الاحتلال 75 «حزبا» و«تجمعا» بينما تمول ايران 23 حركة وحزبا أصحابها ايرانيو الجذر والهوية والانتماء‚ ويوجد اربعة أحزاب أصحابها باكستاني‚ وهندي وأفغاني‚ وبلوشستاني! كما تمول اسرائيل حزب العميل مثال الألوسي‚ وهذا أمر يحيط الدور الايراني بأكثر من إشارة استفهام‚ وكذلك الشيعية بمرجعياتهم السياسية والدينية خصوصا وانه حتى جماعة الإمام مقتدى الصدر صرحوا انه إذا أصر السيستاني على المشاركة في الانتخابات فليس امامهم غير طاعة مرجعيتهم مما يفتح الباب على التفكير بأن انقسام الشيعة بين متحمس للانتخابات ورافض لها ليس انقساما حقيقيا‚ \r\n \r\n وسيكون التواطؤ الايراني على وحدة العراق في ذروة تجليه إذا تم الاتفاق مع واشنطن على عبدالعزيز الحكيم الذي صنعته ايران بين من صنعتهم لمواجهة نظام الرئيس صدام حسين‚ بديلا لاياد علاوي في منصب «رئيس الوزراء» او لعجيل الياور في منصب رئيس الجمهورية‚ وبالتالي فإن الخلافات بين الإمام مقتدى الصدر والمجلس الأعلى للثورة الاسلامية وحزب الدعوة وآية الله علي السيستاني هي خلافات تكتيكية بينما الاتفاق حاصل على ما هو استراتيجي: اما الهيمنة الشيعية على العراق أو اقامة الحكم الذاتي وربما الدولة الشيعية المستقلة مستقبلا في المحافظات الخمس ذات الأغلبية السكانية الشيعية! وفي الحالتين يكون النفط العراقي تحت النفوذ الشيعي في الجنوب‚ كما سيكون تحت النفوذ الكردي في الشمال‚ ليترك السنة فيما تبقى من العراق مجبرين على التعامل مع أمر واقع لا يخدم إلا اسرائيل التي تسعى دائما لاقامة كيانات محيطة بها على أساس ديني وطائفي تجعل وجودها طبيعيا! \r\n \r\n ولكن إذا كان هذا الوضع يلائم تقاطع مصالح ايرانية أميركية‚ فانه بلا ريب يثير حفيظة تركيا التي ترفض تماما اقامة كيان كردي شمالي العراق‚ بل ترفض سيطرة كردية على كركوك والنفط العراقي فيها‚ كما ان دول الجوار العراقي تتطير من سيطرة شيعية على العراق‚ جله او كله ويثير تخوفاتها من ان ذلك سيفضي بطبيعة الحال الى تقوية النفوذ الايراني في المنطقة‚ وهذا لا يغيب احتمال ان واشنطن وتل أبيب تفكران بإقامة نظام شيعي عراقي مناوىء ومنافس لنظام طهران‚ \r\n \r\n المراهنة على المقاومة \r\n \r\n من المعلوم ان حوالي خمسين هيئة سياسية وطنية تتصدرها هيئة علماء العراق اصدرت بيانا اعلنت فيه مقاطعة الانتخابات‚ وعدت موقفها هذا نهائيا وحاسما‚ وكما هو معلوم ايضا فإن «أنصار السنة» و«سرايا الجيش الاسلامي» هددوا بقتل كل من سيشارك في هذه الانتخابات مترشحا او منتخبا‚ بل وكل من سيغادر منزله في الثلاثين من الشهر القادم ‚‚ ومثلهما فعلت «كتائب ثورة العشرين»‚ كما هددوا بتفجير المراكز الانتخابية‚ وعمليا انتقلوا من التهديد الى تنفيذه بقتل العناصر المكلفة بحراسة المراكز الانتخابية في كركوك‚ وبحرق مخازن الاستمارات الانتخابية في الموصل‚ \r\n \r\n وتحت هذا الضغط الرافض لاجراء الانتخابات طالب الحزب الاسلامي مع قوى أخرى متحالفة معه تأجيل الانتخابات ستة أشهر لايجاد ظروف مناسبة لاجرائها‚ بل ان تركيا أعلنت انها لن تعترف بنتائج انتخابات لا يشارك سنة العراق فيها‚ وواقع الحال ان سنة العراق اعلنوا مقاطعتها سلفا برفض تسلم الاستمارات الانتخابية رغم توزيعها مع الحصة التموينية كنوع من الضغط والابتزاز‚ ولا يغير شيئا من هذه الحقيقة ان يتراجع الحزب الاسلامي ومعه احزاب الباجة جي والجادر جي والياور عن فكرة المطالبة بتأجيل الانتخابات لانها جميعها أحزاب حملتها الدبابات الأميركية الى العراق لكنها لم تستطع فرض نفسها ولا الاحتلال استطاع فرضها على جماهير الشعب العراقي الذي وحده يمنح اي انتخابات الشرعية والمصداقية‚ \r\n \r\n وشن المؤيدون لاجراء الانتخابات حملة تشهير ضد هيئة علماء العراق زاعمين انها تطالب بعدم اجراء الانتخابات في الموعد المعلن بسبب خشيتها من ألا تحصل على الأصوات المطلوبة والكافية للحصول على نتائج ترضيها‚ الأمر الذي دعا مثنى حارث الضاري الى توضيح موقف الهيئة الذي يشترط للمشاركة في الانتخابات توافر اربعة شروط: \r\n \r\n 1 ان تجرى باشراف كامل ومباشر من الأممالمتحدة‚ 2 ان تنسحب قوات الاحتلال الى خارج المدن‚ 3 ان تحل محلها قوات مشتركة «عربية أو دولية»‚ 4 ان يتم تشكيل حكومة تكنوقراط تتولى الإعداد للانتخابات التي تؤدي حينئذ الى حكومة دائمة تتولى مهمة وضع الدستور والتفاوض مع قوات الاحتلال لاجلائها ‚‚ وهذا حسب الضاري يحتاج الى أكثر من ستة أشهر‚ \r\n \r\n وليس الضاري وحده من يرفض اجراء انتخابات في ظل الدبابات الأميركية بل ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه قال انه لا يتصور ان يتوجه العراقيون الى مراكز الانتخابات وبلادهم تحت الاحتلال‚ وفضلا عن ذلك فانه إذا لم ترفع القيود عن عمل وسائل الإعلام العراقية والعربية والأجنبية في العراق فإن اجراء انتخابات حرة فيه تبقى أكذوبة اميركية على حد تعبير الاتحاد الدولي للصحفيين ‚‚ بل هي اكذوبة لا تقل خطرا عن أكذوبة أسلحة الدمار الشامل لانها قد تفضي الى حرب أهلية مدمرة تمزق العراق وتهدد وجوده ككيان سياسي وتحوله الى ثلاث كيانات تقوم على أسس عرقية وطائفية محققة بذلك هدفا صهيونيا كان يبدو شبه مستحيل! وهذا الهدف ليس بعيدا عن رؤية جورج بوش الثاني المصر على اجراء الانتخابات بالقوة العسكرية الأميركية رغم ان رئيس أركان جيشه لا يستبعد ان تفضي الى حرب أهلية في العراق‚انهم يريدون انتخابات تأتي بحكومة يعقدون معها اتفاقات عسكرية واقتصادية وسياسية تصبح نافذة وتؤيد نفوذ واشنطن في العراق‚ وفي الوقت نفسه تترك العراقيين نهب صراعات مذهبية وعرقية مسلحة يتفرج الاحتلال عليها بل يغذيها ويديرها ليبقى مرجع المتقاتلين وقدر العراق الضعيف‚ ولذا فهم «الأميركان وعملاؤهم» مرتعبون من ان يأتي يوم 30/1/2005 ويذهب بدون ان تحصل هذه الانتخابات‚ لأنه مع ذهاب ذلك اليوم ينكشف غطاء الشرعية الدولية عن الحكومة العراقية المؤقتة وتشكيلاتها كافة‚ وتدخل رهوط الاحتلال في اشكالات قانونية واخلاقية لم يتردد عبدالعزيز الحكيم في الافصاح عنها‚ \r\n \r\n ولذا ايضا أعلنت المقاومة مجددا عزمها على ان تسد بالدم والنار كل المنافذ التي تفضي الى تلك الانتخابات التي لا هدف منها إلا تأييد الاحتلال الصهيو أميركي للعراق‚ فهذه المقاومة التي هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب العراقي أخذت على عاتقها ان توضح كل التباس‚ رغم محاولات التشويش عليها حتى عبر الفضائيات العربية التي تتحدث نشرات أخبارها يوميا عن انفجار عبوات ناسفة عند مرور ارتال عسكرية اميركية ولكن لا يذهب ضحيتها إلا المدنيون العراقيون‚ انه آخر ابتكار تسوقه آلة الإعلام الحربي الأميركي عبر قنوات فضائية عربية تتعامل معه إما بغباء او بتواطؤ! \r\n \r\n إذن لا يزال موعد الانتخابات على مسافة أقل من شهرين‚ وستشهد هذه الاسابيع تطورات دراماتيكية وسنسمع من علاوي وأمثاله اقتراحات أكثر عجائبية من تمديد الانتخابات عشرين يوما واجرائها على أقساط او جرعات‚ لكن العراق سيظل يقاوم مدركا انه ليس أمامه غير الاجابة على سؤال مصيري: يكون او لا يكون‚ ولن يكون إلا بمقاومة من يريدون له ان لا يكون! \r\n