ولكن الملاحظ أن هذا لم يكن النهج الذي اتبعته المؤسسات الاستخباراتية من قبل، ودفعت بموجبه البلاد إلى حربي فيتنام وكوريا. فقد كان المسؤولون الاستخباراتيون السابقون، على درجة كبيرة من الحيدة والحرص على عدم الزج بأنفسهم في مناقشة السياسات، دعك من اتخاذ القرارات السياسية. وبهذه المناسبة يذكر أن ريتشارد هيلمز، المدير الأسبق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، خلال الجزء الأعظم من سنوات الحرب على فيتنام، كان قد وصف لاحقاً، الرئيس جونسون بأنه شخصية \"ذات قدرات مذهلة\". ورد تلك الصفة إلى انصياع الرئيس جونسون المطلق لصحة المعلومات حتى وإن جاءت هذه المعلومات، منافية لما يعتقده هو شخصياً. فقد كان كل الذي يهمه، هو أن يرى الحقيقة وهي تطبق بكامل صحتها على الأرض. وقياساً إلى الرئيس الأسبق جونسون، فإن كل ما ورد من تقارير عن الرئيس الحالي بوش، يؤكد أنه يفتقر إلى تلك الميزة، إلى حد كبير جداً، نظراً لاختلاف نظرته ورؤيته لواقع وعالم المجتمع الاستخباراتي. كما تجب الإشارة أيضاً إلى أن الرسالة نفسها الصادرة عن السيد جوس إلى موظفي السي. آي. إيه. تضمنت ما يلي:\"نحن نوفر المعلومات الاستخباراتية كما نراها، وندع الحقائق تعبر عن نفسها لدى صناع القرارات والسياسات\". ويختلف معنى الجملة هذه عن الدعوة السابقة لدعم الإدارة الحالية، لكونها تؤكد حياد المؤسسات والعمل الاستخباراتي نفسه. \r\n \r\n وحين يتحدث المسؤولون الحكوميون عن التقارير الاستخباراتية، فإنهم في العادة يقصدون التقارير التحليلية الاستخباراتية، أي أفضل تقدير ممكن لما تشير إليه الحقائق المجردة، التي تجمعها وكالة المخابرات المركزية، وغيرها من مؤسسات العمل الاستخباراتي. لكن وكما تبين من تجربة العمل الاستخباراتي الخاص بأسلحة الدمار الشامل العراقية، فإن للرئيس بوش ميلا لا يقاوم فيما يبدو، لتحليل وتفسير الحقائق والمعلومات الاستخباراتية، من الزاوية التي تتفق ورؤيته ومفهومه هو لمغزى تلك الحقائق. وإذا ما كان هذا هو الذي رمى إليه السيد جوس من دعوته إلى دعم الإدارة، فإن ذلك لا يعني شيئاً آخر سوى الدعوة إلى تدمير وتخريب العمل الاستخباراتي برمته. أما إذا كان هدفه هو عدم الجهر بمعارضة الإدارة أمام الجمهور، فإنه يبدي اهتمامه في هذه الحالة، بالكيفية التي يجب أن تصرف بها شؤون الحكم وإدارته على النحو الأمثل. وعلى أية حال فإن الفكرة الرئيسية هي إبعاد السي. آي. إيه، وكافة المؤسسات الاستخباراتية عن دوائر صنع السياسات والقرارات. فليس في الانصياع للضغوط أو مقاومتها، بغية تحريف وتطويع المعلومات والحقائق الاستخباراتية على نحو أو آخر، ما يشير إلى الولاء أو نقيضه لإدارة ما، من الإدارات. بالعكس تماماً، فإن اتخاذ أي من الموقفين المذكورين آنفاً، يعد أسوأ خدمة تحليلية استخباراتية، يقدمها محلل استخباراتي ما، لأي رئيس كان. \r\n \r\n وكان القانون الخاص بإعادة تنظيم العمل الاستخباراتي في البلاد، قد وئد في مهده، على لسان المتحدث باسم المجلس، في اليوم الذي كان يفترض فيه أن يصدر عنه. وقد فعل المتحدث ما فعل، نتيجة لمعارضة اثنين من أعضاء المجلس الجمهوريين، لمسودة القانون. هذان العضوان هما دونكان هنتر، وهو من ولاية كاليفورنيا، ورئيس لجنة الخدمات المسلحة التابعة للمجلس، وإف. جيمس سينسبرينر، من ويسكونسين، ويتولى رئاسة اللجنة القضائية. وقد أبدى هنتر اعتراضه على القانون المذكور، بحجة أنه سيقلص نفوذ وزارة الدفاع، مقابل إعطائه نفوذاً أكبر لمدير الاستخبارات القومية –علما بأنه منصب حديث الإنشاء- على حساب ما يصل إلى نحو 80 في المئة من النشاط الاستخباراتي القومي، الذي تنهض به وزارة الدفاع. ويشمل النشاط الاستخباراتي التابع لوزارة الدفاع كلا من: وكالة الأمن القومي، ووكالة المخابرات الدفاعية، ووكالة التصوير والخرائط القومية، فضلا عن الخدمات الاستخباراتية، التابعة لكل من وحدات الجيش، كسلاح البحرية، وقوات الطيران، ووحدات المارينز. والخوف الأكبر في وزارة الدفاع نفسها، أن يستخدم مدير الاستخبارات القومية الجديد، نفوذ ميزانيته وسلطاته المالية، في اتجاه الحد من دور العمل الاستخباراتي التكتيكي الذي تعول عليه وزارة الدفاع. يذكر أن النزاع حول مسودة القانون الجديد، يتمحور أصلا حول \"برنامج العمل الاستخباراتي الخارجي\" من جهة و\" الخدمات الاستخباراتية التكتيكية ومتعلقاتها\" من الجهة الأخرى. وكلتا الجهتين، تتبع وزارة الدفاع. \r\n \r\n أما السيد سينسبيرنر، وهو الذي يترأس اللجنة القضائية التابعة للمجلس - وهذه لها صلاحيات قضائية وقانونية على مكتب التحقيقات الفيدرالي- فهو من المتحمسين لإصدار قانون لإعادة تنظيم العمل والمؤسسات الاستخباراتية. لكن بالطبع، فإن اعتراضه على مسودة القانون الحالي، لا يقوم على هذه الرغبة أو الحماس، وإنما على عدم تصدي مسودة القانون المقترح لمشكلة الهجرة غير المشروعة. ولكن كيف لقانون خاص بالعمل الاستخباراتي أن يتضمن معالجات ونصوصاً قانونية، مهمتها التصدي لمشكلات الهجرة غير المشروعة؟ إن هذا ليس ممكنا بالطبع، بقدر ما هو غير ممكن أن نتوقع من قانون يتعلق بالهجرة، أن يتصدى للمشكلات الخاصة بالعمل الاستخباراتي ومؤسساته! \r\n \r\n ومبعث السخرية هنا في نهاية الأمر، أنه وفي اليوم الذي وأد فيه جي. دينيس هيستر، الناطق باسم المجلس لذلك اليوم، مسودة قانون إعادة تنظيم العمل الاستخباراتي، كان هناك ما يكفي من الأصوات في تلك الجلسة، لإصدار القانون! لكن المشكلة هي أن بعض هؤلاء كانوا من النواب الديمقراطيين، ولم يكن السيد هيستر ليريد لنفسه أن يكون مديناً للديمقراطيين بشيء. ولما كان الرئيس بوش من أقوى مؤيدي مسودة القانون، فإن ما جرى – في رأي هيستر- لم يكن بداية جيدة للتعاون الثنائي الحزبي في بداية الدورة الرئاسية الثانية لبوش. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان سيانس مونيتور\" \r\n \r\n